عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الناصية

ظلت المقاهى المصرية لسنوات هى مصدر الترفيه والأخبار والخدمات والنميمة.. وفيها منافع أخرى.. يتبادل روادها حصيلتهم من المعلومات والبضائع.. وحسب ما تريد من معلومات تجدها، وكل أنواع البضاعة متوفرة.. سياسة، تجارة، ثقافة، فكر، فن، أدب.. قلة أدب، حتى خدمات دواوين الحكومة المجانية بالنهار تباع بمقابل فى المقاهى بالليل!

ومقاهى الحوارى الشعبية فى القاهرة تختلف عن مقاهى شوارع وسط البلد الرئيسية، ومقاهى الأرياف تختلف كذلك عن مقاهى البندر، والمقاهى التى بجوار المستشفيات ليست مثل التى بجوار أقسام الشرطة والمحاكم.. فهناك مقاهٍ للانتظار ومقاهٍ للإفطار، وأخرى لقضاء الحوائج بمقابل، وغيرها للمرضى وشهود الزور، وأخرى صباحية للمعاشات، ومسائية للطاولة والدردشة والتسلية.. هذا غير التى يلتقى فيها المواطنون مع موظفى الدولة لتخليص خدماتهم فى المقهى بدلًا من المكاتب الحكومية.. والزبائن يختلفون من مقهى لمقهى، وزبائن بعض المقاهى فى الليل يختلفون عن زبائن نفس المقاهى بالنهار!

ففى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضى كانت هناك مقاه تتسبب فى إقالة حكومات، ومقاه تتشكل فيها حكومات.. وأخرى لرواد الفكر والإبداع ومنها مقهى «البوستة» التى كان يرتادها جمال الدين الأفغانى ومقهى «اللواء» المكان المفضل لشاعر النيل حافظ إبراهيم «ومتاتيا» قبلة الفن المصرى وفى مقدمتهم نجيب الريحانى والأديب العالمى نجيب محفوظ.. وفى شارع شريف بالقاهرة مقهى الأنجلو وكان يفضله العديد من الفنانين، والسياسيين، والكتاب، والصحفيين!

فى منتصف السبعينات القرن الماضى، ومع الانفتاح الاقتصادى انتشرت الكافيهات فى مناطق مثل المهندسين والزمالك ومصر الجديدة ثم مدينة نصر ومؤخراً التجمع الخامس هذا بخلاف كافتريات ومطاعم القرى السياحية بالساحل الشمالى.. ومع ذلك ظلت المقاهى القديمة موجودة، ولكن مستواها متدنٍ ولم تعد شعبية كما كانت، وأصبحت «بيئة» تفتقد لأصول المقاهى القديمة وأصبحت الكافيهات كذلك لا تختلف كثيراً عنها من حيث انتشارها فى الكثير من الشوارع والحوارى.. حتى الذين يعملون فيها غير حرفيين ولا ينتمون للمهنة..!

وزبائن المقاهى والكافيهات هذه الأيام عبارة عن مجموعات تجلس معاً ولا يتبادلون الحديث والجميع ينظر لشاشة الموبايل وكأن كل واحد منهم يجلس بمفرده، والسبب فى هذه العزلة هو التماهى والاستغراق فى السوشيال ميديا (الفيسبوك، التيك توك، انستقرام.. وغيرها) التى تحولت إلى مقاه إلكترونية.. وكل صاحب حساب على هذه المنصات هو فى الواقع الافتراضى صاحب مقهى.. وهو «معلم» المقهى الذى يجلس على «البنك» ويفرض على رواد منصته أو «نصبته» فى ماذا يتكلمون ولا يتكلمون!

وفى زمن المقاهى الرقمية الكل «معلمين» يقولون الأخبار بمزاجهم، وينقلون المعلومات على هواهم، ويتعاملون مع الانطباعات والمشاهدات اليومية باعتبارها آراء ووجهات نظر سياسية واقتصادية واجتماعية.. ويطلقون الأحكام على الجميع وكأنهم فوق الجميع، وفى المقاهى الرقمية كل واحد يستطيع أن يحكى ويرقص ويغنى ويلعب.. ومع ذلك الوحدة تقتله لأنه يفعل كل ذلك بمفرده ومن خلف شاشة الموبايل أو الكمبيوتر فى غرفة مغلقة مظلمة.. بينما مقاهى الشوارع زمان كانت هى الحياة نفسها بحلوها ومرها.. ولكن لكل زمن مقاهٍ ولكل مقاهٍ زمن! 

 

[email protected]