رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ضوء فى آخر النفق

اشتعلت معركة فى ثمانينيات القرن الماضى حول حديث عرف باسم «حديث الذبابة». بطلا المعركة شيخ له ملايين المريدين فى مصر ومختلف أنحاء الوطن العربى.. هو الشيخ الشعراوى.. وكاتب ومفكر كان أكبر أساتذة الفلسفة فى مصر فى زمنه هو الدكتور زكى نجيب محمود. لا ينطق كثير من المثقفين اسمه صحيحًا.. يقولون زكى نجيب محفوظ.. اسم نجيب محفوظ طاغٍ إلى درجة أن مفكرًا مثل زكى نجيب يُخْلَط اسمه مع اسم الروائى العالمى الأكثر شهرة وذيوعًا عربيًا وهو نجيب محفوظ. قمة الملهاة، لان الدكتور زكى نجيب محمود كان يشعل الأهرام كل أسبوع بمقاله الأسبوعى الذى يكتبه صباح كل اربعاء.

خاض الدكتور زكى معارك ضارية على صفحات الأهرام.. فى العصر الذهبى للمقال.. وكان رئيس التحرير الاستاذ هيكل ببصيرة ثاقبة استكتب كبار الكتاب فى عصره.. ليكونوا الكتيبة التى يخوض بها المعارك الفكرية اليومية، كما أنشأ مركزًا للدراسات السياسية والاستراتيجية، ليكون الذراع الرصينة للكتابات الصحفية، فيناقش القضايا الكبرى على مهل ومن المتخصصين، وأسند ادارته للمثقف النوعى د. أنور عبدالملك. لعب المركز دورًا بارزا فى تشكيل الوعى بأهمية الأمن القومى ومحدداته ومقوماته، واهتم بقضايا الدين والاقليات والعرق والتصنيع والثقافة والفكر.

ظل الأهرام ومركز الدراسات «فيه الرمق» زمن الكاتب وعالم الاجتماع سيد يسين، وبعد الثورة الينايرية العظيمة ترأسه نبيل عبدالفتاح متخصص فى شئون الجماعات الدينية، وأشرف على تقرير الحالة الدينية فى مصر، وهو صاحب النص والرصاص والمصحف والسيف وتجديد الفكر الدينى الخ.. ولكن الاخوان فى عام الرمادة..عام حكمهم الرهيب ابعدوه من الاهرام إلى بيته، ليتمتع بمرتب لا يزيد على ٨٠٠ج شهريًا!

أعود إلى معارك فيلسوفنا الدكتور زكى، ومنها معركته مع الشعراوى. قال الشيخ فى أحد أحاديثه التليفزيونية: إذا سقطت ذبابة فى كوب الشاى فلا يجب أن نرميه كونه ملوثًا بقاذورات، مشيرًا بأن الذبابة لها جناحان، احدهما فيه القذارة والثانى فيه الترياق أو العلاج! قاصدًا أن الذبابة المعجزة نفسها تحمل فى أحد جوانبها السم وفى جناحها الثانى العلاج، وما على الشارب إلا أن يغمس الذبابة على جناحها الثانى حتى يفسد تأثير السموم ويعود الكوب سالمًا معافى صالحًا للشرب!!

سأل الدكتور زكى الناس عما اذا كانت «نفسهم حلوة» بهذا القدر، حتى أنهم يستسيغون فكرة شيخهم، وهل المسلم سيغمس الذبابة كلها فى كوب الشاى ثم يشربه فعلًا؟

وواصل أسئلته بهدوء: فى عصر العلم والذرة والصعود إلى القمر وهذا المنجز الهائل فى العلاج والدواء.. هل يقبل رجل أوربى أو أمريكى أو أجبنى مثل هذا الكلام؟ وهل سيغمس الذبابه كلها فى كوبه فعلًا ويشرب شايه؟

وأضاف الدكتور زكى نجيب محمود يقول: نحن هنا كلنا مسلمون ولسنا مستهدفين بالدعوة، وإنما هؤلاء الأجانب هم من تستهدفهم دعوة من يلقب بـ«إمام الدعاة».. فهل يمكن أن يكون هذا الفعل جاذبًا لهم للدخول فى الإسلام!

هاجت الدنيا وماجت ضد الدكتور زكى.. من دون تفكير أو تأمل. لكن الدكتور زكى كان يؤمن بأن المفكر هو من يقود الشارع ولا ينقاد له.. فلم يلتفت إلى صياح مريدى الشيخ ضده، ولهذا بقيت آثار معركته معه فى ميزان تاريخه.