رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تعيشى يابلدى

منذ سنوات طويلة ارتبطت وجدانيا بمدينة رشيد التاريخية من خلال حكايات عائلة زوج شقيقتى القبطان محمد عاشور، عن هذه المدينة التى يعشقونها، فهم من عائلة رمضان أحد أعرق عائلات رشيد، وكانوا يعملون بالتجارة، وكان إسماعيل بك رمضان كبير العائلة، ومن كبار رجالات الوفد بالبحيرة، وكان واحدا من أكبر وأهم المنازل فى رشيد والمحطة الاولى للنحاس باشا أثناء زيارته للبحيرة.

وكثيرا ما سمعت عن حفاوة استقبال إسماعيل بك رمضان للنحاس باشا ورجالات الوفد، وتمنيت أن أرى هذا المنزل العريق والمدينة الخالدة التى اعتبرها بلد الأحباب إلى أن أتيحت لى فرصة زيارتها الأسبوع الماضى من خلال رحلة نظمتها لجنة الأداء النقابى برئاسة الزميل العزيز على القماش.

بداية الرحلة كانت من أمام نقابة الصحفيين واستغرق الوصول إلى مدينة رشيد حوالى أربع ساعات حيث أن المسافة 263 كيلومترًا جهة الشمال و60 كيلومترًا شرق الإسكندرية وتعتبر رشيد من أهم مدن محافظة البحيرة وأعرقها، كما أنها ثانى المدن المصرية بعد القاهرة من حيث الآثار والمزارات الإسلامية والتى يرجع أغلبها للعصر العثمانى، وإليها يُنسب «حجر رشيد» الذى فك رموز الحضارة المصرية القديمة، والموجود حاليًا فى المتحف البريطانى.

أما من الناحية الجغرافية فهى تقع أقصى شمال مصر، عن ملتقى نهر النيل العذب بالبحر المتوسط المالح، على رأس فرع دلتا النيل الغربى، والذى سُمى باسمها،وتعرف رشيد ببلد المليون نخلة، وتشتهر بصيد الأسماك.

أما بداية الجولة داخل المدينة فكانت بصحبة محمود الفخرانى مدير مناطق آثار رشيد، من مسجد أبو مندور أشهر المساجد الأثرية بالمدينة بنى عام 1312-1897 م، ويقع على شبه جزيرة تسمى «تل أبو مندور»، و يتوافد عليه الزوار من جميع بلدان العالم الإسلامى، نظرًا لموقعه على نهر النيل فرع مدينة رشيد، ثم انتقلنا إلى قلعة قايتباى التى تحمل نفس اسم القلعة الموجودة بالإسكندرية، وأنشأها السلطان المملوكى الأشرف قايتباى سنة 901 هـ، وهى إحدى المنشآت الحربية التى تشبه الحصن فى بنائها المربع وأبراجها الأربعة المستديرة، ويحيط بهذه الأبراج خنادق ما زالت آثارها موجودة حتى الآن.

وعرفت القلعة أيضًا بعدد من الأسماء، مثل «طابية رشيد»، «قلعة رشيد»، «حصن جوليان»، نسبة لأحد مساعدى نابليون، حيث نزلت فيها قوات من الحملة الفرنسية عام 1799 م، وهى المكان الذى عثر فيه على «حجر رشيد».

وكانت المحطة الثالثة لنا فى مدينة رشيد طاحونة «أبو شاهين» أقدم طاحونة فى مصر لطحن الغلال، طاحونة أبو شاهين ومنزل الأمصيلى، ومن خلال شرح مبسط ووافى قال الفخرانى إن هذه الطاحونة شيدت فى القرن الثالث عشر الهجرى، التاسع عشر الميلادى، وبناها عثمان أغا الطوبجى باشا، الذى كان جنديًا بالجيش العثمانى، وقد خصصت لطحن الغلال وكانت تدار بواسطة الدواب، وهى طاحونة مزدوجة لها تروس خشبية.

أما منزل الأمصيلى، الملاصق لها فقد تم بناؤه أيضًا على يد عثمان أغا عام 1808. ثم آلت ملكيته بعد ذلك إلى أحمد الأمصيلى، الذى ينتسب إلى مدينة أماسيا بتركيا، وهو آخر من سكنه. يتكون المنزل من ثلاثة أدوار.

أما المحطة الرابعة فكانت مسجد دمقسيس المعلق والذى يعتبر المسجد الوحيد بمدينة رشيد الذى يتم الصعود إليه بسلم حجرى له درابزين خشبى فى الواجهتين.

ونظرا لضيق الوقت فقد اضطر محمود الفخرانى مدير منطقة آثار رشيد إلى شرح باقى المعلومات الأثرية شفهيا،مشيرا إلى أن

معالم المدينة، التى تضم نحو 22 منزلًا وحمامًا وطاحونة، بالإضافة إلى أحد عشر مسجدًا وزاوية وثلاثة أضرحة، منها مسجد زغلول أقدم مساجد مدينة رشيد وأكبرها، وحمام عزوز وهو الحمام العمومى الوحيد الباقى بالمدينة، يرجع تاريخ إنشائه للقرن 17 الميلادي، وأضاف أن أهم شوارع المدينة الأثرية هو شارع «دهليز الملك» الذى يمتد طوله لنحو 450 مترًا، وعرضه يتراوح بين 6 إلى 10 أمتار، وهو المدخل الرئيسى للمنطقة الأثرية، وعلى جانبيه المنازل التاريخية، التى كان يسكنها كبار التجار وعلية القوم فى زمن الحكم المملوكى ثم العصر العثمانى وهى سبعة منازل أثرية تحمل أسماء ساكنيها،: «كوهية» و«بسيونى» و«إسماعيل بك رمضان» و«محارم» و«أبوهم» و«الجمل» و«وعلوان»، ويمكن لزائريها التعرف عن قرب على خصائص العمارة والفنون الإسلامية فى هذه الفترة، حيث بنيت جميعها من الطوب المنجور ذى اللونين الأسود والأحمر، والبيوت تتميز بوجود «المشربيات» التى تزين الواجهات.

أما متحف رشيد الوطنى الذى لم نتمكن للأسف من زيارته من الداخل نظرًا لأعمال الترميم فهو مبنى أثرى من ثلاثة طوابق، وكان فى الأصل بيت «عرب كلى حسين بك»، الذى كان محافظًا للمدينة خلال العصر العثمانى، وفى الستينات تم تحويله لمتحف صغير لإبراز دور مدينة رشيد فى مقاومة الحملة الفرنسية ثم حملة فريزر الإنجليزية، وبحسب مدير آثار رشيد يعرض المتحف 700 قطعة من أهمها العملات الذهبية والبرونزية التى تعود للعصرين الأموى والعثمانى، ومجموعة من المصاحف والأوانى الفخارية والنحاسية، كما يعرض نص المعاهدة الخاصة بـ جلاء حملة فريزر عن مصر والموقعة من محمد على باشا، إلى جانب ذلك يبرز العرض المتحفى بعض صور الحياة اليومية فى رشيد خلال العصر العثمانى، بالإضافة إلى الحرف والصناعات، ومخطوطات وأدوات للحياة اليومية، بالإضافة إلى نسخة من حجر رشيد الذى كشف عنه فى رشيد عام 1799 ومجموعة من الأسلحة تعود للقرنين 18 و19،وضمن حرم متحف رشيد تقع «الحديقة المتحفية»، المقامة على مساحة (3 آلاف متر مربع)، وهى مزار سياحى للأهالى والزائرين، ويقام بها العديد من القوافل الثقافية والمهرجانات التعليمية ومعارض الصناعات اليدوية.

وفى نهاية الزيارة كانت لنا رحلة نيلية ممتعة بفرع رشيد اقتربنا خلالها من ملتقى نهر النيل بالبحر المتوسط وبوغاز رشيد أقدم ميناء فى مصر، وشاهدنا أكبر تجمع للأقفاص السمكية فى مصر.

وفى الختام، فإن هذه المدينة الأثرية العريقة رغم ما تزخر به من آثار ورغم موقعها الجغرافى المتميز جدا تعانى من الإهمال الشديد وتحتاج إلى اهتمام كبير من المسئولين لكى تستعيد مكانتها كأحد أهم الوجهات السياحية فى مصر.