عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

 الضمير.. يبدو أنه موجود فقط فى خيالات الشعراء ووجدان المبدعين! سلعة بائرة لم يعد يبتاعها أحد فى العالم، الذى يسقط فى حرب إبادة غزة سقوطًا مخزيًا لا يحدثنا أحد اليوم عن الضمير، والمدنيين (!!) وعن مزاعم قيام حماس بعملية غير مدروسة، وأن هناك وسائل أخرى للمقاومة السلمية كان يمكن انتهاجها، على طريقة غاندى ومانديلا!

 نحن فى الجحيم وفى قلب أتون النار منذ سبعين عامًا، لم تتوقف خلالها المجازر والمذابح ضد الأبرياء والمدنيين العزّل من شعبنا العربى، تحت سمع وبصر العالم وضميره المزعوم، الذى كنا نضع له حسابًا! شاعر مثل صلاح جاهين كتب فى مبكية تلاميذ مدرسة بحر البقر -بالحسينية شرقية التى قصفها الصهاينة ٨ إبريل ١٩٧٠- «الدرس انتهى لموا الكراريس» : إيه رأيك فى البقع الحمرا/ يا ضمير العالم يا عزيزى/ دى لطفلة مصرية وسمرا/ كانت من أشطر تلاميذي/دمها راسم زهرة/راسم عار/ع الصهيونية والاستعمار/والدنيا اللى عليهم صابرة/وساكته على فعل الأباليس/.

  لو كان جاهين حيًا ما كان سيكتفى بأن يستبدل كلمة فلسطينية بالطفلة المصرية، ليكون معبرًا عن اللحظة القاتمة شديدة السواد والحلوكة، بل شديدة الغضب من فرط بقع الدم الحمرا التى رقعت رقعة غزة أو بالأحرى فلسطين كلها! كان سيكتب أنشودة حزن جديدة، مستلهمة من أرواح أكثر من ستة آلاف طفل، استشهدوا تحت وابل البارود والنار فى شوارع غزة وبيوتها.

 الاستعمار والصهيونية وضمير العالم الذى خاطبه جاهين عندما ضربت الفانتوم الإسرائيلية مدرسة بحر البقر فسقط شهيدًا من تلاميذها ثلاثون، ومن عمالها أحد عشر، وأصيب من الأطفال بجراح خمسون طفلًا، لم يطرأ عليه أى تغيير! السلطة للقوانين من ساسة الغرب والأميركان، والشعر والأدب وتطييب الخواطر للبسطاء وأصحاب القلوب والوجدان.. ولا عزاء للضمير.. مات وشبع موتًا.

- لموا الكراريس..إيه رأى رجال الفكر الحر/فى الفكرادى المنقوشة بالدم/إيه رأيك يا شعب يا عربى/إيه رأيك يا شعب الأحرار/ دم الأطفال جايلك يحـبى/يقول انتقموا من الأشـرار.

 مذبحة بحر البقر فجرت ينابيع الحزن فينا. كلنا نتذكرها، لكن من يعرف مستشفى النصر فى غزة؟ من مرَّ على غرفة الموت (العناية المركزة سابقًا) حيث تمدد الأطفال الرضع فوق الأسرة البيضاء وقد تعفنت جثثهم، وهى متصلة بأجهزة التنفس الصناعي! تسلل صحفى فلسطينى عابرًا أهوالًا ومخاطر ولحظات موت مرعبة ليصل إلى هذا الجناح فى المستشفى، ليوثق بالصور والفيديو عارًا جديدًا، ترتديه–كما الثياب الفاخرة–الصهيونية والاستعمار، كما لو أنه حلة جديدة قشيبة، رغم أنها مخضبة بالدم وبرائحة الموت والعفن، لكنها تتباهى بها كثياب العيد، فلا تأبه لضمير أو شيء من هذا الكلام الفارغ الذى تلوكه ألسنة الشعراء والروائيين والمفكرين الرومانسيين والصحفيين المنفصلين عن الواقع التعس الذى يحيط بهم، ويفرون إلى التمسك بمباديء ثورات فرنسية سقطت ومباديء إخاء توارت، ومواثيق ومعاهدات دولية وقانون دولى سقط عندنا فقط.. فى فلسطين، وفى منطقتنا العربية، عن عمد ومع سبق الإصرار!

  لم يعد أحد يخاطب ضمير العالم ب(عزيزي). الكيان الصهيونى مليء بالقتلة، لا يوجد مدنيون هناك، كلهم جيش احتلال تساعده الصهيونية العالمية والغرب القبيح كله.

 الدرس انتهى أيها العالم.. لموا الكراريس.