رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إذا كنا نؤمن إيمانًا حقيقيًّا بدور العلم وأهميته، ودور التخطيط والدراسات المستقبلية فى مجال التنمية، فإننا لا يمكن أن نطلق أحكامًا غير مبنية على العلم والدراسة المتخصصة.

ونؤكد أن تصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتصل بالقضايا السكانية يدخل فى صميم تجديد وتصويب الخطاب الدينى وتصحيح مساره، وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (متفق عليه)، فاشترط (صلى الله عليه وسلم) البـاءة التى تشـمل القدرة عـلى الإنفاق كشرط للزواج، ومـن بـاب أولى فهى شرط للإنجاب، فما بالكم بالإنجاب المتعدد؟! ألم يقل النبى (صلى الله عليه وسلم) : « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أن يُضَيِّعَ مَنْ يقوت», وفى رواية «كَفى بِالمرْءِ إِثْمًا أن يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ»، ولا شك أن قوله (صلى الله عليه وسلم) : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ) قد بيّن بيانًا لا لبس فيه أن الاستطاعة هنا ليست الاستطاعة البدنية فحسب.

ولطالما أكدنا أن الكثرة إما أن تكون كثرة صالحة قوية منتجة متقدمة يمكن أن نباهى بها الأمم فى الدنيا، وأن يباهى نبينا (صلى الله عليه وسلم) بها الأمم يوم القيامة، فتكون كثرة نافعة مطلوبة، وإما أن تكون كثرة كغثاء السيل، عالة على غيرها، جـاهلة، متخلفة، فى ذيل الأمم، فهى والعـدم سواء.

كما نؤكد أن القـدرة ليست هى القـدرة الماديـة فقـط إنمـا هي

القدرة بمفهومها الشامل بدنيًّا وماديًّا وتربويًّا وقدرة عــلى إدارة شئون الأسرة، وكل مـا يشمل جـوانب الـعناية بهـا والرعايـة لهـا.

وليست القدرة الفردية وحدها مناط الأمر، بل الأمر يتجاوز قدرات الأفراد إلى إمكانات الدول فى توفير الخدمات التى لا يمكن أن يوفرها آحاد الأفراد بأنفسهم لأنفسهم، ومن هنا كان حال وإمكانات الدول أحد أهم العوامل التى يجب أن توضع فى الحسبان فى كل جوانب العملية السكانية، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه.

على أن تناولنا لقضية الصحة الإنجابية يجب ألا يقتصـر فقط على الجوانب الاقتصادية إنما يجب أن يبرز إلى جانب هذه الآثار الاقتصادية كل الآثار الصحية والنفسية والأسرية والمجتمعية التى يمكن أن تنعكس على حياة الأطفال والأبوين والأسرة كلها، ثم المجتمع، والدولة، فالزيادة السكانية غير المنضبطة لا ينعكس أثرها على الفرد أو الأسرة فحسب، إنـما قد تشكـل ضررًا بالغًـا للـدول الـتى لا تـأخـذ بأسـباب العـلــم فى معـالجــة قضايـاهـا السكانية.

مع تأكيدنا على عدة أمور:

1- أن قضية تنظيم النسل والمشكلات السكانية هى من المتغيرات التى يختلف الحكم فيها من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن دولة إلى أخرى، بحيث لا يستطيع أى عالم أن يعطى فيها حكمًـا قاطعًا أو عامًّا، ففى الوقت الذى تحتاج فيه بعض الدول إلى أيدٍ عاملة ولديها من فرص العمل ومن المقومات والإمكانات ما يتطلب زيادة الأيدى العاملة لديها يكون الإنجاب مطلبًا، وتكون الكثرة سبيلًا من سبل تقدم هذا البلد، أما الدول التى لا تمكنها ظروفها مـن توفير المقومات المطـلوبة مـن الصحة، والتعليم، والبنى التحتية، وفرص العمل اللازمة، فى حالة الكثرة غير المنضبـطة، تصبح الكثرة هنا كغثاء السيل، وإن أى عاقل ليدرك أنه إذا تعـارض الكيف والكـم كـانت الـعبرة والمباهاة الحقيقية بالكيف لا بالكم.

2- أن المتأمل فى الشريعة الإسلامية يجد أنها أولت إعداد الإنسان عناية خاصة، بداية من تكوين الأسرة، مرورًا بمراحل الحمل، والولادة، والرضاعة، فكفلت له حقه فى الرضاعة الطبيعية حولين كاملين، حتى ينمو فى صحة جيدة، حيث يقول تعالى: «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا»، ويقول سبحانه: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أولادهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»، وقد عدَّ الفقهاء إيقاع الحمل مع الإرضاع جورًا على حق الرضيع والجنين، وسمّوا لبن الأم التى تجمع بين الحمل والإرضاع لبن الغيلة، وكأن كلًّا من الطفلين قد اقتطع جزءًا من حق أخيه، مما قد يعرض أحدهما، أو يعرضهما معًا للضعف.

3ـ أن قضية تنظيم النسل لون من ألوان وفاء الوالدين بحقوق أبنائهم، فـكل رب أسرة مسئول عن أبنائه فى التربية القويمة، والتعليم الصحيح، والتنشئة السوية؛ ليكون عـضوًا نافعًا لدينه ووطنه، يقول سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه): أَدِّبِ ابْنَكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَا عَلَّمْتَهُ؟.

ولا شك أن الأمم التى تحسن تعليم أبنائها، وإعدادهم وتأهيلهم أمم تتقدم وترتقى، فالعبرة ليست بالكثرة العددية، وإنما بالصلاح والنفع، فإن القلة التى يرجى خيرها وبركتها خير من الكثرة التى لا خير فيها، وهذا ما أكده القرآن الكريم فى قوله تعالى: «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ».

4 أن الأنبياء (عليهم السلام) عندما طلبوا الولد إنما طلبوا الولد الصالح لا مطلق الولد، فهذا نبى الله إبراهيم (عليه السلام) يقول: «رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينَ»، وهذا سيدنا زكريا (عليه السلام) يقول: «رَبِّ هَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ»، ويقــول أيضاً: «فَهَبْ لِى مِـن لَّدُنكَ وَلِيًّا»، وأهل العلم لهم هنا وقفة، يقولون: إن سيدنا زكريا (عليه السلام) لم يطلب الولد لأجل مصلحة دنيوية بـل طـلبه لأجل الـدِّين، فـقال كما حـكى عنه الــقرآن الكريم: «يَـرِثُنِى وَيَـرِثُ مِـنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْـعَلْهُ رَبِّ رَضِـيًّا»، أى: يرث العلم والحكمة والنبوة والدعوة إلى الله تعالى، ولم يقل عند طـلبه (أولياء) بالجمع، وإنما طـلب وليًّا، فليست الـعبرة بالكثرة وإنما بالصلاح، يقول أحد الحكماء: والصلاح هنا مطلق شامل لكل ما فيه صلاح أمر الدنيا والآخرة، وليس الصلاح المطلوب فى الولد صلاحًا قاصـرًا على جانب دون جانب، إنما مطلق الصلاح الشامل الذى يعبر عنه حديث النبى (صلى الله عليه وسلم): «الْمُؤْمِنُ القَوِى خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى الله مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» والـقوة هنا عـامة، تعنى المؤمن القوى بدنيًّا وصحيًّا وعلميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، فلن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق فى أمر دنيانا، فإن تفوقنا فى أمـور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا.

5–أن تحسين الخصائص السكانية والارتقاء بها يتوقف على ما يمكن أن تقدمه الأسرة والمجتمع والخدمات المتاحة للطفل من مقومات تبنى شخصيته بناءً سليمًا صحيًّا وبدنيًّا وتعليميًّا وفكريًّا وثقافيًّا، وهو ما يجب أخذه باعتبار بالغ فى الثقافة الإنجابية ومراعاته بشدة عند الإنجاب.

وزير الأوقاف