رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

ذنب لا تغفره سنوات الرعاية "الشهادة وحدها لا تكفي".. مغامرة الوفد تثبت صورية ونقص فحوصات شهادات الزواج الصحية (تحقيق)

فحص الزواج لا يكفي
فحص الزواج لا يكفي لكشف أمراض الوراثة

"أحيانا إنتِ بتطلعي المعمل بياخدولك العينة إنتِ عايزة تحللي بتحللي مش عايزة مش عايزة.. دي بتبقى حرية شخصية، كده كده بتدفعي الرسوم.. وبعدين تدخلي للموظفة بصورتين شخصية وصورة البطاقة والوصل.. هتقولك تطلعي المعمل، إنتي هتقوليلها مثلا أنا مش عايزة أحلل خلاص بتاخد الورق تخلصه.. عايزة تحللي تطلعي المعمل بالوصل ياخدولك العينة". ربما كان مقبولًا أن تكون هذه الكلمات ردًا على مطلب ترفيهي لمواطن يحتاج لإجراء صوري في بعض زوايا الحياة غير الصحة العامة، لكن أن يكون هذا الكلام متعلق بالصحة فهذه مسألة تبعث على الدهشة، أما حينما تعرف أن هذا يتعلق تحديدًا ببناء أسرة وإنجاب أطفال أصحاء، فإنك وبلا اختيار منك تتحول هذه الدهشة إلى صدمة، لا تنقصها حلقات الرعب والخوف على المستقبل.

 

باليقين يستحق أبناؤنا منا اهتمام أكثر من ذلك، وبلا شك هم لم يختاروا الوجود في الحياة، بل كان ذلك اختيارنا، ومن ثم فكل إهمال يترتب عليه طفل صاحب مرض، يحمل من الإثم والذنب ما قد لا تغفرهما سنوات الرعاية.. فماذا يحدث هناك، حيث أماكن استخراج شهادات صحية تثبت خلو المتقدمين من الأمراض؟

 

قبل ثمانِ سنوات، وتحديدًا في العام 2013، عندما اقترب موعد زواج ر. نبيل، من ابن خالتها، توجهت هي وإياه إلى إحدى المستشفيات العامة بالقاهرة، التي تقوم بعمل الفحوصات الطبية المطلوبة قبل الزواج، للإطمئنان واستخراج الشهادة الصحية، اللازمة لـ "كتب الكتاب"، وأجرتها. 

 

الفحوصات الطبية التي أجرتها ر. نبيل في المستشفى كانت تحاليل عادية وبسيطة ليس لها علاقة بالجينات الوراثية، ولم تنفعها الشهادة الصحية التي حصلت عليها للزواج في شئ، حسبما أكدته في حديثها "للوفد"، إذ أنجبت طفلها الثاني مريض بمرض البينو، وهو مرض وراثي واضطراب خلقي يتسم بغياب كامل أو جزئي لمادة الميلانين من الجسم، ويعرف أيضًا بإسم  "البرص أو المهق".

 

أقرأ أيضًا.. 

تزوير الشهادات الصحية للزواج.. روتين أم حرام

 

اكتشفت ر. نبيل وزوجها مرض طفلهما عندما كان عمره أربعين يومًا وبدأت رحلتهم في الكشف عليه. الأطباء في المركز القومي للبحوث أكدوا لهم أن سبب هذا المرض هو صلة القرابة بين الأم والأب، ومن المؤكد أنه كان هناك شخص "ألبينو" في جذور العائلة، وفي سن صغير للغاية وعندما أكمل الطفل 4 شهور، ارتدى نظارة طبية لضعف النظر لديه بسبب هذا المرض.

 

الشهادة الصحية إلزامية لإتمام الزواج

منذ العام 2008، أصبحت إجراءات فحوصات ما قبل الزواج إلزامية في مصر، ولا يتم عقد الزواج بدونها، حيث تم إضافة المادة رقم 31 مكرر إلى القانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية، التي تنص على أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج إلا لمن يبلغ من الجنسين سن الـ18، و يشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقيق من خلوهما من الأمراض التي توثر على حياتهما أو على الزواج، أو على صحة نسلهما، ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة .

 

وتنص المادة 33 بند 4 من لائحة المأذونين، الصادرة بقرار وزير العدل فى 10 يناير لعام 1955، المستبدلة بقرار وزير العدل رقم 1727 لسنة 2000، أنه "على المأذون قبل توثيق العقد أن يحصل على اقرار الزوجين بخلوهما من الامراض التى تجيز التفريق بعد تبصيرهما بهذه الامراض.

وتنص المادة 331، في لائحة المأذونين أيضًا، أنه يجب على المأذون قبل توثيق العقد أن يطلع على الشهادات الطبية التي تثبت توقيع الفحص الطبي على الزوجين وفقا لقرار وزير الصحة رقم 338 لسنة 2008 وإثبات أرقامها بالوثيقة.

 

الشهادات الصحية قبل الزواج.. المفروض والواقع

الدكتور إبراهيم عمارة فودة، أخصائي وزمالة أمراض النساء والتوليد وجراحة المناظير والحقن المجهري بمستشفى الجلاء التعليمي، يقول، إن الشهادة الصحية المطلوبة قبل الزواج تصدر من خلال المستشفيات العامة والوحدات الصحية، وهناك عدد من التحاليل التي يجب أن تقوم بها المستشفى، للتأكد وضمان عدم وجود مشاكل صحية للطرفين مستقبلًا ولأبنائهم عند الإنجاب.

 

ويضيف، أن التحاليل المفروض أن تجريها المستشفيات العامة والوحدات الصحية للمقبلين على الزواج، تتمثل في عمل صورة دم كاملة، من خلالها يتم التعرف عما إذا كانت هناك أنيميا مثل أنيميا البحر المتوسط "الثلاسيميا" وأنيميا الخلايا المنجلية، التي قد تؤدي لبعض الأمراض الوراثية في الأبناء أم لا، خاصة لو كان زواج أقارب.

 

 وفي حالة إذا وُجدت أي من أنواع هذه الأنيميا لدى أحد المقبلين على الزواج، يفترض أن تتم متابعتها بعمل تحاليل أخرى خاصة بالجينات والعرض على أخصائي وراثة، وفقًا لما أوضحه فودة للوفد.

 

وأن سؤال المستشفيات عن التاريخ المرضي لعائلة الزوج والزوجة وماذا إذا كانت هناك أمراض وراثية سابقة مهم جدًا قبل استخراج الشهادة الصحية للزواج، ومن التحاليل الأخرى المفترض إجرائها تحليل فيروس C وفيروس B والإيدز، وللرجال يُضاف تحليل السائل المنوي، الذي يفترض أن تقوم به المستشفيات، لأنه يوضح مدى قدرة الزوج على الإنجاب، وإذا كانت لديه مشكلة في الإنجاب بصورة نهائية أو مشاكل قابلة للعلاج، بحسب فودة. 

 

ويواصل الدكتور إبراهيم فودة، حديثه: من الضروري معرفة  الحالة العامة للزوج والزوجة لو هناك فشل كلوي أو مشكلة في الكبد، أو لو هناك أمراض مزمنة مثل الضغط والسكر.

 

واختتم كلامه للوفد، بأن التحاليل في مصر تتم بشكل صوري وبعضها لا يتم عمله من الأساس، فمن الممكن أن نجد من كل ما سبق أن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة تكتفي بتحليل صورة الدم وتحليل السكر "الشهادات بتكون تحصيل حاصل الناس مش بتدور عليها وبمجرد ما يدفعوا الرسوم يستلموا الشهادة".

 

وللوقوف على التحاليل والفحوصات الطبية التي توفرها المستشفيات الصحية لاستخراج الشهادات الصحية للمقبلين على الزواج، ذهبتا "محررتا الوفد"، إلى 4 مستشفيات ووحدات صحية بمحافظتي الجيزة والغربية، وادعيتا أنهما مُقبلات على الزواج، وترغبن في معرفة التحاليل المطلوبة للحصول على شهادة صحية لاتمام عقد القران، وكانت النتيجة هي القيام بتحليلين فقط، وعدم إجرائهما في الأغلب.

 

في مستشفى زفتى العام، بالغربية، أخبرت محررة الوفد، إحدى الممرضات في المستشفى، برغبتها في عمل الفحوصات الطبية لاقتراب زواجها، ولا تعرف أي شئ عن التحاليل المطلوبة، وطلبت منها توضيحها لها.

 

الشهادة الصحية قبل الزواج وفقًا لما ذكرته لنا هذه الممرضة تصدر في نفس اليوم، وتكلفتها نحو 240 جنيهًا.

 

أما عن التحاليل المطلوبة كان ردها نصًا: "أحيانا إنتِ بتطلعي المعمل بياخدولك العينة إنتِ عايزة تحللي بتحللي مش عايزة مش عايزة.. دي بتبقى حرية شخصية، كده كده بتدفعي الرسوم.. وبعدين تدخلي للموظفة بصورتين شخصية وصورة البطاقة والوصل.. هتقولك تطلعي المعمل، إنتي هتقوليلها مثلا أنا مش عايزة أحلل خلاص بتاخد الورق تخلصه.. عايزة تحللي تطلعي المعمل بالوصل ياخدولك العينة".

 

لم نكتفي بما قالته الممرضة، توجهنا إلى معمل التحاليل في المستشفى نفسها في الطابق العلوي، وأعادت محررة الوفد الأمر نفسه على اخصائية التحاليل الموجودة بالمعمل، بأنها  ترغب في عمل الفحوصات الطبيىة قبل الزواج، وجاءت لتعرف المزيد عنها قبل إجرائها، فذكرت لها أن التحاليل عبارة صورة دم وسكر عشوائي والشهادة تأخذها في نفس اليوم.

 

وفي إحدى الوحدات الصحية بالمحافظة ذاتها، سألنا المسئولة فيها، عن الفحوصات الطبية المطلوبة للزواج وطبيعتها، جاء ردها عن الأوراق المطلوبة لعملها وهي صورة البطاقة وعدد 2 صورة شخصية، مضيفة أن "التحاليل روتينية وممكن متتعملش".

 

الوضع لم يختلف كثيرًا في المستشفيات والوحدات الصحية التابعة لمحافظة الجيزة، فأيضًا ذهبنا لإحدى هذه الوحدات بحجة الرغبة في استخراج الشهادة الصحية لإتمام عقد الزواج، وفقًا لما قاله وطلبه المأذون، وبسؤالنا عن التحاليل والفحوصات المطلوبة، أجاب أحد القائمين على العمل بالوحدة، أن الاخصائية المسئولة عن المعمل هي المُلمة بهذه التحاليل، فتوجهنا إليها وبتكرار سؤالنا كان الرد :" التحاليل عبارة عن صورة دم كاملة وسكر عشواي لا يرتبط بالصيام".

 

وفي أحد المستشفيات العامة التابعة لمحافظة الجيزة، أوضحت لنا إحدى الممرضات أن استخراج الشهادات الصحية متوقف منذ أسبوعين، لأسباب غير معلومة لهم، وأن 240 جنيهًا وصورتان شخصيتان وصورة بطاقة الرقم القومي، هو فقط ما يحتاجه أي مواطن، لاستخراج الشهادة الصحية بعد توافرها من جديد بالمستشفى، بحسب إحدى الممرضات هناك.

نسبة الأمراض الوراثية في مصر والعالم

بعدها توجهتا محررتا الوفد إلى إثنان من المعامل الخاصة الشهيرة، لمعرفة الفحوصات الطبية التي توفرها قبل الزواج لرغبتنا في إجرائها، وكان الوضع مختلف عما كان في المستشفيات العامة التي كانت فيها التحاليل موحدة، فبمجرد سؤالهم عن التحاليل جاء ردهم  هل الزواج لأقارب أم لغير الأقارب، لأن هناك اختلاف في التحاليل المطلوبة، كما أن تحليل النساء مختلف عن الرجال في هذه المعامل.

 

في المعمل الأول، أخبرت محررة الوفد إحدى الطبيبات هناك، أنها وخطيبها أقارب ويريدون عمل الفحوصات اللازمة قبل الزواج لديهم فما هي، فذكرت أن التحاليل للزوجة ستكون فصيلة الدم وصورة الدم وسكر صائم والفصل الكهربائي للهيموجلوبين وفيروس بي والإيدز والحصبة الألماني والزهري، وتكلفة هذه التحاليل 1319 جنيه.

 

أما التحاليل للزوج من الأقارب فستكون فصيلة الدم وصورة الدم وسكر صائم والفصل الكهربائي للهيموجلوبين وفيروس بي والإيدز والسائل المنوي والزهري، وتكلفة هذه التحاليل 1305 جنيه، وتظهر نتيجتها خلال 48 ساعة من إجرائها.

 

وتوجهنا إلى أحد فروع المعمل الآخرى بمحافظة الجيزة، وأخبرناهم برغبتنا في معرفة فحوصات ما قبل الزواج لغير الأقارب، وكان الرد أن التحاليل بالنسبة للزوج تشمل فصيلة الدم وصورة الدم والسكر الصائم والفصل الكهربائي للهيموجلوبين وفيروس بي والإيدز والزهري والسائل المنوي والزهري، وتبلغ قيمتها 1774 جنيه، وبالنسبة للزوجة هي التحاليل ذاتها دون السائل المنوي حيث يتم استبداله بتحليل الحصبة الألمانية.

 

الأمر نفسه كررناه مع معمل آخر، وجدنا فيه التحاليل الخاصة بالأقارب، عبارة عن صورة دم كاملة وفصيلة الدم وسكر صائم والحصبة الألماني والكشف على فيروس "ب" والايدز، للزوجة، بقيمة 915 جنيه، وعن تحاليل الزوج، فتكون صورة دم كاملة والكشف على فيروس "ب" في الكبد، وتحليل الاجسام المضادة للايدز، سكر صائم وفصيلة الدم والسائل المنوي، بتكلفة 924 جنيه.

 

أما غير الأقارب، فالتحاليل التي يقوم بها للزوجة هي صورة دم كاملة وفصيلة الدم وسكر صائم والحصبة الألماني والكشف على فيروس ب في الكبد وتحليل الاجسام المضادة للايدز، وتكلفتها 760جنيه، والتحاليل للزوج من غير الأقارب، هي صورة دم كاملة والكشف على فيروس ب في الكبد تحليل الاجسام المضادة للايدز، سكر صائم وفصيلة الدم والسائل المنوي، وتكلفة هذه التحاليل 749جنيه.

 

توجهنا بعدها إلى المركز القومي للبحوث للتأكد من كفاية فحوصات ما قبل الزواج التي تجريها المستشفيات العامة من عدمه في الكشف عن الأمراض الوراثية، وتحدثنا مع الدكتورة منى عبد الرازق الجمال، أستاذ الوراثة الاكلينيكية والرئيس الأسبق لشعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينوم بالمركز القومى للبحوث، التي أوضحت لنا الكثير من الأمور نذكرها بالتفصيل خلال هذه السطور.

 

أكدت الدكتورة مني، أن تحليل السكر العشوائي  وصوره الدم  فقط لا تظهر احتمال وجود أمراض وراثية، ومن الضرورى عمل تحاليل للصحة الانجابية و تحليل للكروموسومات و أى تحليل  اضافى يكون على حسب التاريخ المرضى للعائلتين.

 

وأن اكتشاف احتمالية وجود أمراض وراثية للمقبلين على الزواج تتوقف على إذا كان الشاب والفتاة ليس بينهم صلة قرابة ولا توجد فى العائلتين أى سابقة للإصابة بمرض وراثى، يتم عمل تحليل للكروموسومات لهم، وقد يظهر أى خلل فى الكروموسومات فى أى منهم مما يترتب عنه متابعة خاصة أثناء الحمل وأخذ عينة من السائل الأمنيوسى لمعرفة إذا كان الجنين به خلل فى الكروموسومات أم لا، وإذا أثبت التحليل أن الكروموسومات سليمة تتم متابعة روتينية للحمل، وهذا لا ينفى احتمال إصابة الجنين بأمراض وراثية أخرى لا تظهر فى هذا التحليل.

 

 وإذا كان المقبلين على الزواج ليس لديهم أو لا توجد لديهم صلة قرابة و لكن بعد أخذ التاريخ المرضى للعائلتين وضح احتمال اصابة أحد أفراد العائلة بمرض وراثى مثل "تأخر ذهنى، تكرار سقط، تشوهات خلقية، تكرار وفاة أطفال، عقم عند الرجال أو النساء وغيرها"، فيجب تشخيص هذه الحالات لمعرفة الخلل الجينى وعندها يتم الكشف عليه عند المقبلين على الزواج واعطائهم الاستشارة المناسبة.

 

 أما إذا كان المقبلين على الزواج ذو صلة قرابة ولا يوجد فى العائلة أى احتمال لمرض وراثى يتم عمل مسح للمواليد  لبعض الأمراض الشائعة والتى تورث بصورة متنحية أى أن الزوجين يكونوا حاملين لهذا المرض ويحتمل ظهوره فى أطفالهم، وفقًا للدكتورة مني عبد الرازق.

 

الشهادة الصحية إجراء روتيني.. والنتيجة كارثية

كالكثيرون، لم تهتم "ر.ع"، صاحبة الـ 29 عامًا، حين تزوجت في العام 2018 من إبن عمها، بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، والنتيجة كانت قاسية عليها

وعلى زوجها، بفقدان جنينها بعد 7 أشهر من الحمل، بسبب مرض وراثي.

 

تحكي "ر.ع"، من محافظة الإسكندرانية، للوفد، ما حدث معها، وأن الشهادات الصحية المطلوبة قبل الزواج، كانت مجرد إجراء، والمأذون هو الذي قام بعملها بمعرفته "إحنا حتى مروحناش للمستشفي ولا أي حاجة".

 

 الحمل الأول لـ "ر.ع" حدث بعد زواجها بشهر، الأمور كانت تسير بشكل طبيعي في الشهور الأولى وهي في غاية السعادة والشوق لانتظار مولدها الأول، ولكن مع نهاية الشهر الخامس تغير الحال كليًا، وكانت الصدمة.

 

وقتها، الطبيب التي تتابع معه حملها، بعد الكشف بـ "السونار العادي" سألها عن ما إذا كانت هناك صلة قرابة بينها وبين زوجها، فكانت إجابتها: نعن، أولاد عم، فعلى الفور طلب منها عمل "سونار 4D"، ومن خلاله اكتشفوا أن الجنين لديه تكيس في الكلى (كيس الكلى موجود لكنه فارغ، لا توجد به كلى)، بالإضافة لوجود ثقب في القلب، وكان لابد من أن يتم اجهاض الجنين، لأنها سيموت في كل الأحوال، وفي الشهر السابع، تمت ولادة الطفل في الشهر السابع من خلال اعطاء الأم للطلق الصناعي، وبالفعل توفى.

 

بدون كشف أو عينة، استخرجت آمال، الشهادة الصحية اللازمة عند زواجها في عام 2010، من إحدى المستشفيات العامة بمحافظتها ببني سويف، فتقول "عملنا الشهاده كده بس مفيش كشف ولا عينة، المستشفى مكنتش بتكشف وقتها أصلا، والشهادة بتطلع وخلاص".

 

الشهادة الصحية التي أفادت بأنه لا مانع من إتمام الزواج وخلو الزوجين من أية أمراض تعيق الزواج، لم تكن سوى مجرد كلمات على ورق، وفاجعة آمال كانت كبيرة، ولا تزال تعاني منها، بعد وفاة إثنان من أطفالها، بسبب أمراض وراثية. 

 

تقول، للوفد، "أنا وزوجي أقارب من نفس العائلة فقط، وليس أقارب درجة أولى"، أنجبت آمال طفلة اكتشف أن لديها مرض في القلب وقشرة سمكية، وفقدتها بعد 3 شهور من ولادتها، وقبل نحو أربعة أشهر، فقدت آمال طفلها الثاني بعد أسبوع فقط من ولادته، بسبب الأمراض الوراثية نفسها التي كانت تعاني منها شقيقته "مرض في القلب وقشرة سمكية".

 

في 2016، ذهبت أمل ( إسم مستعار)، إلى المستشقى، قبل زواجها في دمياط، لإجراء الكشف الطبي المطلوب، وقتها لم يُطلب منها أي تحاليل ولم يتم حتى الكشف عليها، كل ما حدث معها، كانت مجرد أسئلة شفوية عن الأوراق فحسب.

 

وأنجبت أمل، طفل مُصاب بـ متلازمة مارفان _ هي اضطرابٌ وراثي نادر في النسيج الضام، يُؤدي إلى تشوُّهات في العينين والعظام والقلب والأوعية الدمويَّة والرئتين والجهاز العصبيّ المركزي_.

 

و توفي الطفل بعد 16 يوم من ولادته، وتقول والدته لنا، حسب ما عرفناه من الأطباء أن 70٪ ممن يصابوا بهذا المرض وراثة و30٪ طفرات جينية".

 

وبعد بحث، وجدنا أن هناك غياب للإحصائيات الرسمية حول عدد الشهادات الصحية قبل الزواج أو عدد الذين يقومون بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لإتمامه في كل عام، وكذلك غياب للأرقام الدقيقة حول عدد أصحاب الأمراض الوراثية في مصر.

 

التحايل واستخراج الشهادات الصحية للزواج بدون فحص طبي حقيقي

حاولنا التواصل مع وزارة الصحة والسكان من خلال خطاب رسمي موجه من جريدة الوفد للوزارة، وكذلك الاتصال هاتفيًا بالمتحدث الرسمي بإسم الوزارة، الدكتور خالد مجاهد، ومراسلته على "واتساب" بالإضافة إلى مراسلة صفحة الوزارة الرسمية على "فيس بوك"، لإمدادنا بالاحصائيات والأرقام المتعقلة بشهادات الزواج والأمراض الوراثية لدى الأبناء، بالإضافة إلى مواجهة الوزارة  بعدم كفاية التحاليل التي تجريها المستشفيات التابعة لها (السكر العشوائي وصورة الدم)، للتحقق من خلو الزوجين من الأمراض التي توثر على حياتهما أو على الزواج، أو على صحة نسلهما كما ينص القانون، وكذلك إهمال اجرائها غالبية الوقت، لكن لم تكن هناك إستجابة  أو رد علينا من خلال أية وسيلة.  

 

وفي المقابل، وجدنا هناك دراسة صدرت قبل عدة سنوات عن المجلس القومى للسكان تحت عنوان "اتجاهات الشباب من الجنسين نحو قانون الفحص الطبى قبل الزواج بحث مقارن بين المفهوم والتطبيق"، أشرفت عليها الدكتورة إيناس أبو يوسف، الاستاذ بكلية الاعلام جامعة القاهرة، بالتعاون مع الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة، ومعهد التدريب والبحوث بالإسكندرية، تقول أن 41% من الشباب الذين تزوجوا حديثا، لم يجروا فحص ما قبل الزواج بشكل حقيقى، وتحايلوا من أجل الحصول على شهادة مختومة من أحد المستشفيات بأنهم أجروا الكشف.

 

وطبقت الدراسة على عينة عشوائية من 700 شاب وفتاة، فى الفئة العمرية من 18 ــ 30 عاما من الريف والحضر، من المقبلين على الزواج ومن المتزوجين حديثا، فى ست محافظات هى الاسكندرية والبحيرة والمنوفية ومطروح وبنى سويف والاسماعيلية.

 

وهناك بعض الدراسات التى قامت بها عيادات الوراثة بالمركز القومى للبحوث وعيادات الأطفال والوراثة بجامعة عين شمس، أوضحتها للوفد الدكتورة منى عبد الرازق الجمال، أستاذ الوراثة الاكلينيكية والرئيس الأسبق لشعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينوم بالمركز القومى للبحوث، أظهرت أن أكثر الأمراض الوراثية انتشارًا هي أمراض الجهاز العصبى و تمثل حوالى 2%، وتمت هذه الدراسات على مستوى محاقظتى الجيزة و القاهرة.

 

وهناك دراسات أخرى فى عدة محافظات، أظهرت أن نسبة زواج الأقارب فى الأمراض الوراثية حوالى 50%، ولذلك تنصح الدكتورة منى عبد الرازق الجمال، المقبلين على الزواج من الأقارب الأهتمام بالاستشارة الوراثية ومتابعة المواليد.

 

وفي يوليو 2021، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، مبادرة للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لدى حديثي الولادة وتقديم العلاج لهم بالمجان، تستهدف 19 مرضا وراثيا، إذ سيتم  إجراء المسح الطبي لحديثي الولادة بحضانات الأطفال على مستوى جميع مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والقطاع الخاص والمراكز الطبية، الكشف سيكون عبارة عن عينة تأخذ من كعب الطفل ويتم تحليلها، وإذا كانت النتيجة إيجابية، يخضع بعد ذلك لتحليل تأكيدي وإذا ثبت إيجابية تحليله من جديد، سيحول بشكل مباشر وفوري لتلقي العلاج اللازم، وفقًا لما أعلنته وزارة الصحة والسكان، في بيان سابق لها.

 

الدكتورة منى عبد الرازق الجمال، أستاذ الوراثة الاكلينيكية الوراثة البشرية بالمركز القومى للبحوث، تقول أن نسب الأمراض الوراثية  تختلف عن بعضها فليس من الممكن تحديد نسبة للأمراض الوراثية مُجمعة، وللحصول على نسبة محددة يجب عمل كشف و مسح لعدد كبير من المواليد، وذلك بعد عمل المسح الشامل لمرض الفنيل كيتونوريا و هو مرض وراثى ينتج عنه نقص فى انزيم الفنيلالانين هيدروكسيليز و الذى ينتج عن هذا النقص ارتفاع نسبة هذا الحمض الأميني بالدم و تحوله لمواد ضارة تؤثر على النمو الذهنى للطفل فى حين أن علاجه المبكر يمنع حدوث هذه المضاعافات و يصبح طفل سليم وأعلنت نسبة الاصابة 1:4500/1:5000 مولود تقريبا، وتعتبر من أعلى النسب بعد ايطاليا و أيرلندا ومماثلة لنسبة الاصابة فى الأردن و إيران.

 

وتضيف خلال حديثها، أن الأمراض الوراثية والعيوب الخلقية تمثل حوالى من 2 الى 5% فى المواليد على مستوى العالم. و نظرًا للعدد السكانى فى مصر و نسبة زواج الأقارب (من 35 الى 37 %) من المتوقع زيادة أعداد المصابين بالأمراض الوراثية.

 

العقوبة القانونية على المتحايلين غير موجودة

 أحمد مهران: مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أكد أنه لا توجد عقوبة على من يتحايل على القانون باستخراج الشهادة الصحية قبل الزواج بدون إجراء الفحص الطبي بشكل حقيقي، رغم أنه يتم التعامل مع هذه الفحوصات على أنها اجراء روتيني لاستيفاء الاوراق المطلوبة.

 

شمولية التحاليل وجديتها خَفضت أمراض الوراثة 100% بالإمارات

الإمارات نجحت في تخفيض نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية 100%، بحلول عام 2018، بعدما ألزمت مواطنيها والمُقيمين بها إجراء الفحص الطبي قبل الزواج وذلك بداية من 2006،  بعد أن كانت 12% قبل تطبيق قانون الفحص الطبي قبل الزواج.

 

ونصت المادة 27 من قانون الأحوال الشخصية لدولة الأمارات والخاصة باجراءات توثيق عقد الزواج رسميًا، على أنه يشترط لإجراء عقد الزواج تقديم تقرير من لجنة طبية مختصة يشكلها وزير الصحة، يفيد بالخلو من الأمراض التي نص القانون على طلب التفريق بسببها.

 

وشملت الفحوصات الطبية المطلوبة قبل الزواج، التي أقرتها الدولة لغير الأقارب، (تحديد فصيلة الدم، وعامل البندر، ومستوى الهيموجلوبين، ومستوى السكر بالدم، وفيروس التهاب الكبد الوبائي (ب)، و الإيدز، و مرض الزهري وتحليل السائل المنوي) بالنسبة للزوج، أما فحوصات الزوجة فتشمل (تحليل فيروس الحصبة الألمانية وهرمونات الاستروجين، والبروجيستيرون) بديلا عن تحليل السائل المنوي.

 

وحددت الامارات أيضًا الفحوصات الطبية المطلوبة للزوجين من فئة الأقارب، حيث يُضاف للزوجين تحليل الثلاسيميا وفحص الكروموسومات.

 

فيديو جراف..