رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الإخوان لا يؤمنون بالهوية المصرية

بوابة الوفد الإلكترونية

المصريون ظنوا أعضاء الجماعة «بتوع ربنا».. وأصيبوا بخيبة الأمل

إسرائيل هى العدو الأول والأكبر والدائم لمصر والوطن العربى

حصولى على «جائزة النيل» تتويج لمسيرتى خلال نصف قرن

الوفد صاحب تاريخ وطنى طويل.. والديمقراطية لا تتحقق دون أحزاب

اتهام المثقفين بالعزلة فى أبراج عاجية.. باطل

القومية العربية هى وحدها القادرة على توحيد كلمة العرب

لابد أن يبدأ الأزهر تجديد الخطاب الدينى حتى يعود منارة ساطعة

الكاتب الكبير محمد سلماوى نموذج للمثقف الموسوعى الشامل، فهو الأديب والصحفى والسياسى، درس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة وتخرج عام 1966، وحصل على دبلوم فى مسرح شكسبير بجامعة أكسفورد بإنجلترا عام 1969، والتحق بالجامعة الأمريكية وحصل على درجة الماجستير فى الاتصال الجماهيرى عام 1975، عين مدرسًا للغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1966، وانضم إلى جريدة «الأهرام» ليعمل محررا للشئون الخارجية، كما انتدب وكيلًا لوزارة الثقافة للعلاقات الخارجية عام 1988، كما اختاره نجيب محفوظ ممثلًا شخصيًا له فى احتفالات «نوبل» فى ستوكهولم عام 1988.

«سلماوى» أحد كبار الأدباء الذين تركوا بصمة واضحة فى الثقافة المصرية والعربية، وهو أحد أعضاء لجنة الخمسين التى صاغت دستور مصر 2014، حيث كان قريبًا من الأوساط السياسية، حيث ربطته صداقات قوية بالساسة الكبار.

الكاتب الكبير رأس العديد من المؤسسات الثقافية وعلى رأسها اتحاد كتب مصر والعالم العربى، كما أسس ورأس تحرير «الأهرام إبدو» وانتخب عضوًا بمجلس نقابة الصحفيين وكان وكيلًا لوزارة الثقافة ومساعدًا لوزير الإعلام، قدم العديد من الأعمال المسرحية مثل «الجنزير» و«القاتل خارج السجن» و«فوت علينا بكرة» و«اتنين تحت الأرض» و«سالومى» كما صدرت له مؤلفات قصصية وروائية منها «الخرز الملون» و«وأجنحة الفراشة» وغيرهما، حصد العديد من الجوائز الدولية والعربية والإفريقية، كما حصل على العديد من الأوسمة من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وفلسطين والسنغال، وهو من كبار الكتاب الذين تعددت مواهبهم فقد كتب القصة القصيرة والرواية إضافة إلى أن النقاد يعدونه كاتبا مسرحيا من الطراز الأول، عقب فوزه بجائزة النيل التى تعتبرها جائزة كبرى فى مسيرته الثقافية والأدبية

«الوفد» التقت فى هذا الحوار محمد سلماوى:

 بداية.. سادت حالة من البهجة فى الأوساط الثقافية عقب حصولك على جائزة النيل.. فهل توقعت الحصول عليها؟

 لا أستطيع القول إننى كنت أتوقع الفوز، لكنى كنت أعرف أنى مرشح، وهذه هى السنة الرابعة التى يتم ترشيحى للجائزة، لذلك أنا سعيد جدًا أننى نلتها، لأنها تأتى بمثابة تتويج لمسيرتى خلال نصف قرن من الزمان وباعتبارها أكبر الجوائز المصرية جميعًا. 

 كيف تقرأ المشهد السياسى الحالى على الصعيد الداخلى والخارجى لمصر؟

المشهد الحالى فى مصر يجب أن ينظر إليه بالمقارنة للمشهد الإقليمى كله الذى تسوده الصراعات الداخلية فى كثيرٍ من الدول المحيطة بنا مثل ليبيا ولبنان وسوريا والعراق واليمن، فبينما تعانى هذه الدول من التجزئة والاقتتال وكثير من الفوضى نجد مصر متماسكة وتخوض معركة بناء وتنمية تتقدم كل يوم بخطى جديدة. 

طبعاً هناك الكثير مما لم يتحقق بعد لكن الذى تحقق منذ قيام ثورة يناير ٢٠١١ كثير، فقد وجدنا تراجعًا ملموسًا فى النشاط الإرهابى الذى عانينا منه سنوات، كما وجدنا اهتمامًا أكبر بالرأى العام الذى كان يعتبر قبل الثورة كمية مهملة، وربما كان المثال على ذلك هو ما تم أخيرًا من سحب الحكومة لعددٍ من مشاريع القوانين من مجلس النواب نزولًا على رأى نواب الشعب، بالإضافة لحرص الحكومة على التصدى للشائعات أولًا بأول. لكن مازال علينا التقدم فى التعليم والإعلام والبيروقراطية الحكومية والحريات. 

أما على الساحة الدولية فقد استعادت مصر الكثير من مكانتها الدولية وعادت تمارس دورها العربى وتدخلها الأخير فى الأزمة الفلسطينية خير مثال على ذلك. 

كنت وكيلًا للمجلس الأعلى للصحافة.. فما تقييمك لأداء الصحافة اليوم وما الآليات التى تراها مناسبة لضبط فوضى الإعلام؟

الإعلام من المجالات التى حدث فيها تراجع ملحوظ، فالأداء الإعلامى لم يؤت تأثيره المطلوب بعد أن فقد الكثير من مصداقيته، وأنا أتحدث عن الإعلام المقروء والمشاهد والمسموع وبشقيه الحكومى والخاص، وهناك بالطبع مؤسسات إعلامية أفضل من غيرها، لكنها كلها تحتاج إعادة نظر من حيث المنظومة ذاتها وأسلوب أدائها والهدف المرجو منها. لقد كان دور الإعلام فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى دورًا تعبويًا، ثم قيل لنا فى السبعينيات إن الدور سيكون إعلاميًا بهدف إعلام القارئ بما يحدث من حوله، لقد رفعت وقتها الرقابة عن الصحافة القومية لكن رئيس التحرير المعين من الحكومة صار هو الرقيب، واليوم مع الفضاء الإعلامى الذى خلقته وسائل الإعلام الحديثة من فيسبوك وإنترنت و«تويتر» و«انستجرام» تغير دور الإعلام فى العالم بعد أن سبقته الوسائل الحديثة فى توصيل الخبر للقارئ، لكن الإعلام عندنا لم يجد دوره الجديد وأسلوب أدائه المختلف وما زال يتعامل مع القارئ والمشاهد وكأننا فى أواسط القرن الـ٢٠. وأتصور أن إحدى أهم المهام التى ينبغى أن تقوم بها الهيئات الإعلامية الجديدة هى المشاركة مع المؤسسات الإعلامية الكبرى فى بلورة هذا الدور الجديد الذى يتفق مع معطيات عصر السموات المفتوحة الذى نعيشه.

 بصراحة شديدة هل أفادتك الصحافة فى كتاباتك الأدبية أم لا؟

 أفادتنى الصحافة كثيرًا فى عملى الأدبى لأنها وضعت يدى على نبض الجمهور وحالت دون انعزالى فى البرج العاجى الذى كثيرًا ما ينغلق داخله الأديب، لكن الأدب أفادنا هو الآخر فى عملى الصحفى، حيث ارتقى بأسلوب كتابتى للمقال الصحفى. 

تنتمى لجيل ثورة يوليو بما يحمله من مبادئ مثل العدالة الاجتماعية والقومية العربية وتحدى القوى الخارجية وكان لك موقف معارض للسياسة فى السبعينيات بسبب انهيار هذه المبادئ حتى تعرضت للاعتقال.. فهل ترى أن هذه المبادئ فى سبيلها للتحقق فى العصر الراهن؟

 هذه المبادئ التى تربينا عليها وشكلت وجداننا الوطنى والسياسى لم تكن حكرًا على الستينيات، وإذا كانت تلك الفترة هى التى بلورتها ومضت بها خطوات واسعة إلى الأمام، فإنها لم يكن من الممكن أن تحقق ذلك التقدم لو لم تكن هى فى الأصل مبادئ متأصلة فى الإنسان المصرى، وإذا كان جمال عبدالناصر هو أكثر من بلور مفهوم القومية العربية وأكثر من أكد انتماء مصر العربى، فإن الوفد كان له باع كبير فى إرساء دعائم هذا الانتماء فى سنوات ما قبل الثورة، وكان انتماء مصر العربى واضحًا فى حقبة الأربعينيات التى شهدت تأسيس الجامعة العربية وتوقيع اتفاقيات الدفاع العربى المشترك، والحقيقة أن مصر لم تدخل حرب ١٩٤٨ إلا من المنطلق القومى العربى. 

وأنا ممن يعتقدون أنَّ حل المشاكل التى يعانى منها الوطن العربى فى الوقت الراهن من الفوضى والتجزئة والاقتتال وغياب البوصلة السياسية ما بين دولة عربية وأخرى، يكمن فى القومية العربية، فهى وحدها القادرة على لم شمل الشعوب العربية وتوحيد كلمة العرب. 

لكن لأن الدنيا تغيرت فقد أصبح لزامًا علينا اليوم أن نعيد صياغة مفهوم القومية العربية، وفق معطيات العصر الحديث، ومصر وحدها هى المؤهلة لهذا الدور، لأن فيه خلاص الأمة العربية مما نعانى منه الآن، وذلك باجتهادات مفكريها ومثقفيها وكتابها وأدبائها وفنانيها وهم جيش كبير ويزيد عددهم على تعداد بعض الدول المجاورة لنا بما فى ذلك إسرائيل.

فى روايتك «أجنحة الفراشة» هل كنت تتنبأ بثورة ٢٥ يناير، خاصة أن هناك من يرى أن الرواية تضمنت شخصيات من الواقع السياسى بالفعل فهل قصدت ذلك وهل الأدب قادر على التنبؤ بما هو قادم؟

 فى رواية «أجنحة الفراشة» لم أكن أقصد أن أتنبأ بثورة يناير ٢٠١١ التى وقعت بعد صدور الرواية بأسابيع قليلة، لكنى كنت أصور الوضع الذى كان قائمًا فى السنوات الأخيرة لحكم الرئيس حسنى مبارك، وقد قادتنى الأحداث بتطورها إلى حدوث انفجار شعبى فى ميدان التحرير يسقط النظام، وهذا الاستشراف ليس بغريب على الأدب الذى كثيرًا ما تقوده نظرته التأملية إلى استشراف المستقبل. 

وينطبق نفس الشىء على مسرحية «الجنزير» التى عرضت لى عام ١٩٩٥ وهى من إخراج جلال الشرقاوى، حيث حذرت فيها من تنامى جماعات الإسلام السياسى وممارساتها الإرهابية مصورًا عائلة مصرية اتخذها الإرهابيون رهينة وهو ما حدث بعد ذلك حين وقعت مصر بالفعل رهينة فى يد الإخوان عام ٢٠١٢.

 كان لك وصف شهير فى أحد إصداراتك عن حكم الإخوان بأنَّه «مسدس الطلقة الواحدة» فماذا تقصد وهل مثل الإخوان تهديدًا حقيقيًا للهوية المصرية؟

 كانت هناك حالة من الفوضى الأمنية بعد سقوط حكم مبارك وبدأ المواطنون يشعرون بعدم الأمان فى بيوتهم وفى أماكن عملهم فأخذوا يبحثون عن السلاح لكى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وعن أسرهم، وابتدع البعض نوعًا بدائيًا من المسدسات مصنوع يدويًا كان لا يطلق إلا طلقة واحدة فقط ثم يتم الاستغناء عنه، وانتشر هذا المسدس بشكل كبير، وقد وجدت فيه أفضل رمز لحكم الإخوان الذى جربه المصريون لسنة واحدة فقط ثم أسقطوه غير راغبين فى العودة إليه من جديد، لذلك حين أصدرت كتابى عن مصر تحت حكم الإخوان أسميته «مسدس الطلقة الواحدة». 

والحقيقة أنَّ الكثير من المصريين كانوا يتوقون لحكم الإخوان باعتبارهم «بتوع ربنا» ولذلك سيسود العدل فى عهدهم ولن يكون هناك فساد وستحل بقدومهم البركات، لكن الذى حدث كان العكس تمامًا، مما أصاب المصريين بخيبة أمل كبيرة، وخلال ما لا يزيد على السنة كانت الناس جميعًا قد أدركت زيف الشعارات الإخوانية وهاهم  قدر عدم الكفاءة التى يتسمون بها والافتقار إلى الخبرة فى حكم البلاد، فانقلبت الملايين ضدهم وانتهى بذلك تاريخيًا تطلع المصريين لتجربة حكم الإخوان. 

يضاف إلى ذلك ما ذكرته فى سؤالك من تهديدٍ للهوية المصرية، فالإخوان لا يؤمنون بالوطنية ولا بالقومية، ويتصورون أنَّ الانتساب للأمة الإسلامية يجب أن يلغى الانتماء للوطن، وحين قال مرشدهم كلمته الشهيرة «طُز فى مصر» كان ذلك تعبيرًا دقيقًا رغم سوقيته عن رؤيتهم للقضية الوطنية وهى قضية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية الهوية، فإذا لم تكن تؤمن بأنك مصرى عربى فستهتز هويتك. 

 هناك اتهام يتردد من آن لآخر بأن المثقفين ينعزلون فى أبراج عاجية عن الشعب وأن هناك انفصامًا بين الطرفين فما ردك على هذا الاتهام؟

هذا اتهام باطل لأنك فى كل المواقف الوطنية الكبرى تجد المثقفين فى الطليعة، وهذا هو دورهم، ففى الثورة ضد الإخوان على سبيل المثال كان المثقفون هم الذين توجهوا إلى وزارة الثقافة واعتصموا بمكتب الوزير الذى عينه الإخوان ولم يغادروه إلا بعد أن غادر الإخوان الحكم، كما أننا فى اتحاد الكتاب عقدنا جمعية عمومية طارئة شارك فيها جموع الكتاب وأصدرنا بيانًا رسميًا بسحب الثقة من رئيس الجمهورية الإخوانى فى واقعةٍ غير مسبوقةٍ فى تاريخنا، ثم انظر إلى ثورة ١٩١٩ التى كان المثقفون فى طليعتها وهم الذين مهدوا لها الطريق. 

المثقفون لا يتقاعسون عن أداء دورهم، وعدد من تعرض منهم للسجن والاعتقال والملاحقة والفصل من العمل هو أكبر دليل على عدم تهاونهم، أما إذا خفت صوتهم فعليك أن تلوم محاولات تكميمهم.

 هل الثقافة صناعة؟ وإذا كانت كذلك فلماذا لا يتم الاستثمار فيها؟

نعم الثقافة فى جانب منها صناعة، وهى صناعة مربحة أيضًا، لكن القوانين الحالية لا تشجع رأس المال الخاص على الاستثمار فيها، فقد تغيرت القوانين المنظِمة للنشاط الاقتصادى على مدى السنوات الماضية، لكن

ليس تلك المنظمة للنشاط الثقافى بحيث تشجع رأس المال الخاص على تمويل الأنشطة الثقافية بما ينعش ذلك النشاط ويسهم فى ازدهار مختلف الفنون، وقد تقدمت أكثر من مرة للمسئولين فى عهود مختلفة بتصورٍ متكاملٍ فى هذا الشأن وكانوا جميعًا يتحمسون له ويوجهون لى كثيرًا من الشكر لكن لا ينفذونه.

 كتبت فى المسرح كثيرًا.. ما تقييمك لحالة المسرح المصرى الآن وما سر تحولك إلى الرواية وهل حقًا نحن نعيش زمن الرواية؟

 نعم نحن نعيش زمن الرواية ليس فقط فى مصر والوطن العربى وإنما فى العالم كله، لكن هذا لا يعنى ألا يكون هناك مسرح، ففى إنجلترا وفرنسا وأمريكا تأتى الرواية فى مقدمة النشاط الأدبى، لكن المسرح عندهم منتعش جدًا، وكلما زرت لندن أو نيويورك لا أتمكن خلال فترة إقامتى لمدة أسبوع أو أسبوعين من مشاهدة كل العروض المسرحية التى تهمنى، وأذكر أننى فى مرة شكوت من ذلك لمايكل بيلينجتون الناقد المسرحى لجريدة «الجارديان» فقال لى: أنا أعيش فى لندن لكنى لا أتمكن فى كل موسم من مشاهدة كل العروض المسرحية التى أريدها. أما عندنا فوضع المسرح محزن للغاية بعد النهضة المسرحية التى عشناها فى الستينيات الماضية. ومن الواضح أن المسرح لا يأتى ضمن أولويات اهتمام أجهزتنا الثقافية.

 كنت الأقرب من نجيب محفوظ، فما سر عشقك له.. وما أسباب غياب الكتاب العرب عن جائزة نوبل منذ فوزه بها؟

نجيب محفوظ عبقرية على الساحة الروائية فى العالم واهتمام العالم بإنتاجه الأدبى يتزايد كل يوم، وفى كل مرة أسافر إلى الخارج تطالعنى فى واجهة المكتبات ترجمات جديدة لأعماله. وقد تجاهلت جائزة نوبل الأدب العربى سنوات طويلة رغم أنه من أعرق الآداب العالمية ويعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام، لذلك كان هناك إلحاح لمنح الجائزة لأديب عربى، وأذكر أننى حين اصطحبت رئيس مؤسسة نوبل ستورى ألين لمقابلة نجيب محفوظ فى مكتبه بالأهرام أنه شكر «محفوظ» على قبول الجائزة، قائلًا إنه بذلك أكد مصداقية الجائزة وموضوعيتها. وكان البعض عندنا يقول وقتها إن حصول «محفوظ» على نوبل يفتح باب الجائزة أمام الأدب العربى، وكنت أقول إنه يغلقه، فبمنح نوبل لأديب عربى أراحت الجائزة ضميرها وانتهى الأمر، وستمر سنوات قبل أن يأتى أديب عربى آخر يفرض وجوده على الجائزة.

وتسألنى عن سبب تعلقى بنجيب محفوظ فأقول لك أضف إلى قيمته الأدبية العظمى وإنسانيته النادرة ما كرمنى به من اختيارى ممثلًا شخصيًا له فى احتفالات نوبل وأنه ائتمننى على قراءة خطابه للعالم بهذه المناسبة، وأشياء أخرى كثيرة أعتز بها. 

 كيف تسهم الثقافة والفنون فى التقريب بين الشعوب؟

مهما كانت طبيعة العلاقات السياسية بين دولة وأخرى فإن الشعب يظل يشعر بالتواصل مع الدول التى يقرأ رواياتها ويستمع لموسيقاها ويشاهد أفلامها وتلك هى القوى الناعمة التى تنشر نفوذ الدول، والأدب هو أقوى وسائل التواصل، لأنك من خلاله تعايش الشخصيات المستوحاة من هذا الشعب، ولن أنسى يوم طلب منى أحد سفراء فرنسا عند بداية تعيينه فى القاهرة زيارة نجيب محفوظ، حيث قال له: إننى مدين لك لأننى تعرفت على طبيعة الشعب المصرى من خلال رواياتك أكثر مما عرفته من كتب السياسة والتاريخ التى قرأتها.

من هنا فإن الأدب هو الذى يستطيع تغيير الصورة النمطية التى نعانى منها فى الخارج وتقديم الوجه الإنسانى للشعب المصرى بحضارته ورقيه وإنسانيته.

 بعض رموز الثقافة يتهمون الأزهر بتصدير الفكر المتطرف، بينما نجد أن معظم قادة التنوير تخرجوا فى الأزهر أمثال رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وسعد زغلول فما رأيك؟

 هذا صحيح ولو كان هناك محمد عبده فى الأزهر اليوم لما كان هذا حالنا، لكن الأزهر خلال عقود التردى الأربعة الماضية تراجع كثيرًا وصار هناك اليوم فى الأزهر من يهاجمون محمد عبده الذى اتخذته فى سؤالك مثالًا لسماحة الأزهر وتقدمه. إنَّ تجديد الفكر الدينى يجب أن يبدأ بالأزهر نفسه حتى يعود منارة ساطعة للعلم ينشر الإسلام الوسطى الصحيح فى العالم كله  كما كان فى عصوره الذهبية، ويخرج لنا من جديد محمد عبده ورفاعة الطهطاوى وسعد زغلول وطه حسين.

 قضية الصراع العربى الصهيونى من أكثر القضايا التى تصديت لها فى إبداعاتك القصصية والمسرحية مثل رواية «الخرز الملون» فهل ترى أنه صراع حضارى أم هو صراع سياسي؟

 تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى يثبت فى كل أحداثه عامًا بعد عام أنَّ إسرائيل هى العدو الأول والأكبر والدائم لمصر وللوطن العربى، فمهما صدعت الدعاية الإسرائيلية أدمغتنا بالحديث عن السلام، ومهما انساق بعض السذج من القادة العرب إلى التطبيع نجد إسرائيل عند كل اختبار تظهر عداءها للعرب، وما علينا إلا أن ننظر للدور الإسرائيلى فى مشروع سد النهضة بإثيوبيا، أو إلى المشروع الإسرائيلى لحفر قناة مائية تربط بين البحرين الأبيض والأحمر وتقضى على تفرد قناة السويس فى هذا المجال، ناهيك عما تفعله يوميًا بالفلسطينيين. 

كل هذا يشير بوضوح إلى أنَّ خلافنا مع إسرائيل ليس كما أسمته الإدارة الأمريكية فى عهد ترامب «خلاف عقارى» Real Estate يدور حول بضعة كيلومترات من الأرض هنا أو هناك، وإنما هو صراع بهدف إخضاع العرب للسيادة الصهيونية.

 ما تقييمك للدور المصرى فى القضية الفلسطينية وأحداث غزة مؤخراً؟

مصر أكبر الدول العربية، لذلك فإن عليها مسئوليات خاصة، ولها دور لا يمكن أن يقوم به غيرها، وقد حالت ظروف كثيرة دون اضطلاع مصر بدورها العربى خلال السنوات الماضية، لكنى أراها الآن تستعيد هذا الدور بترحيبٍ عربى وبتقدير دولى أيضًا، حيث بادرت بالتصدى لعملية إعادة إعمار غزة بعد الدمار الذى خلفه العدوان الإسرائيلى، كما بادرت بالتصدى لمشكلة الخلاف الفلسطينى الداخلى الذى يحول دون توحيد الموقف الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى. ونأمل أن يكلل اجتماع الجانبين الفلسطينيين فى القاهرة بالنجاح.

 ما رأيك فى الأحزاب السياسية على الساحة الآن؟

 وضع الأحزاب فى مصر لا يتفق مع معطيات المرحلة التى نعيشها الآن بعد اندلاع ثورة يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣ التى طالبت بالحرية وبالديمقراطية وأسقطت النظام السلطوى لمبارك وللإخوان، وكان المتصور بعد ذلك هو أن تنشط الأحزاب للقيام بدورها، وهنا تقع على حزب الوفد المسئولية الأكبر باعتباره أكبر الأحزاب والحزب صاحب التاريخ الوطنى الممتد والذى وقف ضد الاستعمار البريطانى، الذى رفع رايات الحرية والديمقراطية وكان رمزًا للوحدة الوطنية. وأقول لك صراحة ما لم تنشط الأحزاب فلن تقوم للديمقراطية فى مصر قائمة.

 هل يمكن القول إنك حققت بالفعل مشروعك الفكرى والأدبي؟

 المشروع الأدبى لأى مبدع لا يتوقف، فهو دائمًا فى حالة صيرورة، لأن الأديب لا يتوقف عن الكتابة، وهو فى كل عمل جديد يقدم إضافة جديدة لمشروعه الأدبى، حتى أن هناك بعض كبار الأدباء والنقاد مثل جان بول سارتر يقولون إنك لا تستطيع تقييم الإنتاج الأدبى لأى مبدع إلا بعد وفاته، حيث يكون إنتاجه قد توقف ومشروعه الأدبى قد اكتمل. وأنا شخصيًا مع كل عمل جديد أتصور أننى قلت كل ما أريد قوله، إلى أن يلح على عمل جديد أَجِد من خلاله قولًا جديدًا أريد إيصاله للناس. 

 أخيرًا.. هل سنشهد لك إنتاجًا جديدًا فى معرض القاهرة الدولى للكتاب نهاية هذا الشهر؟  

 نعم سيصدر الجزء الثانى من مذكراتى بعنوان «العصف والريحان»، وهو يعالج أحداث الأربعة عقود الماضية ابتداء من تولى الرئيس مبارك وحتى اندلاع الثورة ثم حكم الإخوان وانتهاء بإقرار الدستور الجديد الذى بدأت به مصر مرحلة جديدة فى تاريخها.