عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أحمد خالد توفيق.. الموت في منتصف النهار

بوابة الوفد الإلكترونية

كتبت - منى أبوسكين وأحمد سلامة:

«أنا يا رفاق أخشى الموت كثيراً، ولست من هؤلاء المدعين الذين يرددون فى فخر بطولى نحن لا نهاب الموت، كيف لا أهاب الموت وأنا غير مستعد لمواجهة خالقى، إن من لا يخشى الموت هو أحمق أو واهن الإيمان».. تلك هى إحدى العبارات الشهيرة  التى لخص فيها الدكتور أحمد خالد توفيق أول كاتب عربى فى مجال أدب الرعب والأشهر فى مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمى رؤيته للموت.

لم يسر توفيق أو العراب كما كان يطلق عليه فى موكب الأدباء الذين يتشدقون بمواجهة الموت فى عبارات إنشائية رنانة لكنه كان دائم الحديث عنه برؤية أخرى غير الجميع يعترف بخوفه منه وعدم الاستعداد له.

شيع توفيق إلى مثواه الأخير بمسقط رأسه بطنطا وسط دموع المئات من محبيه من الشباب، وقام تلاميذه بتنفيذ وصيته وتعليق ورقة على قبره بعد مواراة جسده الثرى كُتب فيها عبارة «جعل الشباب يقرأون» ووضع بجوارها عود ريحان.

فقد قال الراحل فى إحدى تدويناته وصية تمنى تحققها: «هناك عبارة يقولها شتاين أريد أن أكتب على قبرى جعل الأطفال يقرأون أما أنا فأريد أن يُكتب على قبرى جعل الشباب يقرأون».

رحل توفيق لكن ذكراه ستظل خالدة إلى الأبد فى قلوب وعقول محبيه.

بدأ الدكتور توفيق الذى ولد فى 10 يونية 1962 رحلته الأدبية مع كتابة «سلسلة ما وراء الطبيعة» واستمر بالعمل فى مجال الطب، رغم نجاحه الأدبى الكبير، حيث كان عضو هيئة التدريس واستشارى قسم أمراض الباطنة المتوطنة بكلية الطب جامعة طنطا.

ورغم أن أدب الرعب لم يكن سائداً فى هذا الوقت، إلا أن السلسلة حققت نجاحاً كبيراً واستقبالاً جيداً من الجمهور شجعته على استكمال السلسلة، وأصدر بعدها سلسلة فانتازيا عام 1995 وسلسلة سفارى عام 1996.

قام أحمد توفيق بتأليف روايات حققت نجاحاً جماهيرياً واسعاً وأشهرها «يوتوبيا» عام 2008 والتى ترجمت إلى عدة لغات وأعيد نشرها فى أعوام لاحقة، وكذلك رواية «السنجة» التى صدرت عام 2012، و«مثل إيكاروس» عام 2015 ثم رواية «فى ممر الفئران» التى صدرت عام 2016 بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مثل: «قصاصات قابلة للحرق» و«عقل بلا جسد» و«الآن نفتح الصندوق» والتى صدرت على 3 أجزاء.

أشتهر أيضاً بالكتابات الصحفية حيث انضم عام 2004 لمجلة الشباب التى تصدر عن مؤسسة الأهرام، وكذلك كانت له منشورات عبر جريدة التحرير والعديد من المجلات الأخرى، كان له نشاط أيضاً فى الترجمة، حيث قام بنشر سلسلة «رجفة الخوف» وهى روايات رعب مترجمة، وكذلك قام بترجمة رواية «نادى القتال» الشهيرة من تأليف تشاك بولانيك، وكذلك ترجمة رواية «ديرمافوريا» عام 2010 وترجمة رواية «عداء الطائرة الورقية» عام 2012.

«الموت أكبر استفتاء جماهيرى يمكننا تصديقه؟ والتابوت صندوق الانتخابات الشعبية الوحيد الذى يصعب تزويره؟، كم الموت منصف، إنه يقزم الأحياء ويعيد تصويب أحجام الراحلين» بتلك العبارات كتبت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمى رثاءها فى الدكتور والأديب أحمد خالد توفيق والذى وافته المنية ليلة الاثنين الماضى وشيعت جنازته ظهر الثلاثاء فى مشهد جنائزى مهيب غاب عنه كبار المسئولين فى الدولة وحضر فيه آلاف الشباب من قرائه وتلاميذه ومحبيه.

استطاع «العراب» أن يسيطر على قلوب وعقول الشباب بأسلوبه الممتع والشيق فى الكتابة فخلق لنفسه جمهوراً عريضاً من القراء الشباب الذين وجدوا فى كتاباته ملاذاً من إحباطات الحياة وقسوتها.

أثار جدلاً كبيراً بعد وفاته بشأن تنبؤه بموعد وفاته ودفنه بالضبط فى روايته «قهوة باليورانيوم».

ففى الصفحة 62 من الرواية، بدأها توفيق قائلاً: «اليوم، كان من الوارد جداً أن يكون موعد دفنى هو الأحد 3 أبريل بعد صلاة الظهر.. إذن كان هذا هو الموت، بدا لى بسيطاً ومختصراً وسريعاً، بهذه البساطة أنت هنا، أنت لم تعد هنا، والأقرب أننى لم أر أى شىء من تجربة الدنو من الموت التى كتبت عنها مراراً وتكراراً، تذكرت مقولة ساخرة قديمة، هى أن عزاءك الوحيد إذا مت بعد الخامسة والأربعين هو أنك لم تمت شاباً».

وعن تلك الواقعة كشف أحد تلاميذ الفقيد سر تنبؤ توفيق بميعاد وفاته قائلاً: «موضوع تنبؤ دكتور أحمد بوفاته يوم 3 أبريل ليس مجرد تنبؤ, دى حقيقة حصلت فعلاً، دكتور أحمد خالد رحمه الله كان مريضاً بارتفاع ضغط دم ملازمه طول الوقت تقريباً, فى يوم 2 أبريل عام 2012, ارتفع ضغطه بشكل مفاجئ تسبب له فى أزمة أفقدته القدرة على النطق والحركة لحوالى ساعة تقريباً».

وتابع: «بعدما فاق وتحسن دخل نام لمدة حوالى ساعتين ونزل لطبيب أمراض قلب, ودفع الكشف، الطبيب بالصدفة شافه على شاشة المراقبة فدخله, دخل غرفة الكشف ونام على سرير الفحص وفجأة أصيب بسكتة قلبية, يعنى قلبه توقف عن النبض, فالطبيب أسعفه ورجع النبض, بعدها بكام دقيقة حصلت سكتة قلبية ثانية, وهنا استعمل الطبيب جهاز الصدمات الكهربية، ورجع النبض وفاق دكتور أحمد خالد, وفى هذا اليوم أوشك على الموت مرتين وراء بعض!، وفعلاً كان سيصبح يوم 3 أبريل هو يوم دفنه!، وهذه الواقعة التى تكلم عنها فى مقاله فى كتابه «قهوة باليورانيوم», لكن لأنه لا يوجد أحد يموت ناقص عمر وكل إنسان له أجل محدد لا يزيد ولا ينقص, وبالصدفة البحتة مات فى يوم 3 أبريل 2018, بعد تلك الواقعة بسبع سنين تقريباً بسبب أزمة قلبية أيضاً».

قام «توفيق» برثاء نفسه بنفسه فى بعض العبارات مثل:

– «أنا لا أخاف الموت.. لكنى أخاف أن أموت قبل أحيا».

– «ما أهون الموت حينما يكون خبراً فى مجلة أو سطراً فى حكم محكمة».

– «ستكون مشاهد جنازتى جميلة ومؤثرة لكنى لن أرها للأسف برغم أننى سأحضرها بالتأكيد».

الشعراء والأدباء بالغربية يرثون أديب الشباب.

يقول المستشار مجدى الجمل شقيق زوجة الفقيد: إن

الراحل كان متواضعاً إلى أبعد الحدود وكان يجيد فن التعامل مع الآخرين، وكان دائم القراءة فى مختلف المجالات، الأمر الذى جعله يكون ثقافات مختلفة فى كافة العلوم.

وأضاف الجمل: إن الأديب الراحل كان يتقن سبع لغات أجنبية وكانت لديه ثقة بالنفس بلا حدود وكان دقيقاً جداً فى كل شىء فكل كلمة لها معنى ومدلول.

وأضاف الجمل: إن الفقيد كان مغرماً بتفسير الأمثال وأسبابها ومعرفة أصولها وكان عاشقاً للتراث الفنى والأدبى العربى.

وعن آخر لقاء معه قال الجمل: فى اليوم السابق للوفاة كنا نتحدث سوياً عن كذبة أبريل ومدى تمسك الغرب بها والبحث عنها والاهتمام بها فى كل عام وكنا نتساءل سوياً هل يجوز لنا كعرب أو مسلمين أن نعتقد فيها أم أنها مجرد هراء وتسلية وليست لها أى قيمة.

وعن أحمد توفيق الإنسان أكد المستشار مجدى الجمل أنه كان رقيقاً فى التعامل محباً للجميع مخلصاً وفياً لجميع أصدقائه، وكان حريصاً على أن يقضى معظم أوقاته مع ابنه محمد صيدلى ونجلته مريم طالبة بصيدلة طنطا.

وأكد الجمل أن الأديب الراحل لم يكن بشراً عادياً ولكنه كان ملاكاً يسير على الأرض.

من جانبه أكد جابر سركيس وكيل وزارة الثقافة بالغربية أن أحمد توفيق أحدث حالة فى تاريخ الأدب المصرى المعاصر من خلال كتاباته عما وراء الطبيعة، فلقد أخذنا الراحل إلى ذلك العالم السرى من خلال سلاسل مختلفة من كتاباته أمثال «ما وراء الطبيعة» و«يوتيوبيا» و«المدينة الفاضلة».

وأكد وكيل وزارة الثقافة بالغربية أن الأديب الراحل استطاع أن يجذب الشباب لأعماله، وأن يقدموا على قراءة كتبه رغم عزوفهم عن القراءة واتجاههم للإنترنت إلا أن أحمد توفيق نجح فى أن يكون له قاعدة قراء من الشباب لم تحدث من قبل.

وأكد جابر سركيس وكيل وزارة الثقافة بالغربية أن سلاسل وكتب وأعمال الأديب الراحل ستظل عالقة فى أذهاننا لأنها قدمت لنا بطريقة جديدة مشوقة وجذابة.

من جانبها أكدت الشاعرة والأديبة سماح مصطفى رئيس نادى الأدب بطنطا أن الدكتور الأديب أحمد توفيق قيمة وقامة وصاحب بصمة وعلامة فى مجال الأدب العربى لأنه يعد الكاتب العربى الوحيد الذى نقل إلينا عالم ما وراء الطبيعة إلى الواقع.

وأضافت رئيسة نادى أدب طنطا أن الفقيد كان يمثل لها المعلم والقدوة والأستاذ والأب، وأنها شخصياً كانت تنهل العلم والثقافة من مؤلفاته منذ أن كانت طالبة بالمرحلة الابتدائية.

وأضافت أن السلاسل الأدبية التى تركها لنا الراحل والتى تقدر بنحو 150 سلسلة ستظل خالدة أبد الدهر كتراث عربى أصيل ينهل منه العلم والثقافة كل مريد.

وأكدت سماح مصطفى رئيس نادى أدب طنطا أن النادى قرر إقامة حفل تأبين للفقيد يليق بقيمته وتاريخه فى طنطا يحضره كبار الأدباء والشعراء والمثقفون وكبار الشخصيات تخليداً لاسمه ومكانته فى التاريخ الأدبى المعاصر لمصر.

من جانبه أكد الشاعر والأديب مصطفى منصور أن الأديب الراحل أحمد توفيق استطاع أن يجذب إليه جمهور القراء فى زمن عزف فيه الجميع عن القراءة، كما أنه اختار لنفسه مدرسة لم يتعرض لها أى كاتب على مستوى العالم العربى ألا وهى مدرسة الخيال والتشويق والإثارة.

واستطرد منصور قائلاً: إن تلك المدرسة لاقت إعجاب الشباب الذين سئموا من الكتابات المتكررة عن الواقع الأليم ومحاولة البحث عن حلول لمشاكلنا المعاصرة.

من جانبه أكد الكاتب والأديب أحمد محيى أن مصر فقدت علماً من أعلام الثقافة والأدب، فالراحل لم يكن كاتباً أو أديباً عادياً كغيره من قرناء عصره ولكنه استطاع تكوين حالة وتوليفة غريبة لم يسبقه إليها أحد ولن يلحقه أحد، فلقد كان الفقيد فريداً فى كل شىء، أسلوبه وتفكيره وتصرفاته وأخلاقه، الأمر الذى جعله يؤثر فى جموع القراء، خاصة الشباب.