عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طـــلاق.. فــــي خــريـــف الـعــــمر!

أشخاص مسنّون
أشخاص مسنّون

 سنوات طوال قضوها معًا تحت سقف واحدٍ.. تقاسما الأحلام والأوهام، الآمال والآلام، الابتسامات والجراح.. وفي خريف العمر انتهى كل شيء بينهما، وقررا الطلاق ومضى كل منهما في طريق.

 

اقرأ أيضًا:

"الوفد" تكشف المسكوت عنه خلف الأبواب المغلقة:
التحرش بالصغار.. جريمة لا تسقط بالتقادم

 

مشكلات متعددة بعد الطلاق أبرزها حق الرؤية

الأرقام الرسمية تقول إن معدلات الطلاق تتزايد عامًا بعد آخر حتى بلغت العام الماضى حالة طلاق كل دقيقتين!

وإذا كان مقبولًا أن ينفصل بعض الأزواج فى سنوات زواجهما الأولى، لاكتشافهم استحالة العشرة بينهم، إلا أن الغريب والمثير للأسى أن ينفصل أزواج وزوجات عاشوا سويًا عمرًا مديدًا، وفجأة في نهاية العمر قرروا الفراق دون أن يُلوّح أي منهما للآخر بتلويحة وداع.

 

قطار العمر ولّى.. ولّى مُدبرًا ولم يُعقب، ماضٍ لا محالة غير آبهٍ ولا مكترثٍ لأمنيات البقاءِ، محطمًا السنينَ والأيام، راسمًا الضعف تجاعيدَ على الوجوهِ وانحناءً فى القاماتِ، ثم نمكث الأيام الطوال لنحصى ساعات الفرح فإذا هي سويعات.

 

مواطنون أمام مجمع المحاكم ينتظرون الفصل فى الدعاوى القضائية

إنه طلاق خريف العمر.. انفرطت فيه «عشرة السنين»، ولم تتبقَ من أحلام البقاء سوى حفنة ذكريات، لأزواج جمعهم الشباب وفرّقهم المشيب.

 

هذا الملف يرصد ملامح من وجع الانفصال فى نهاية العمر!

 

أزواج وزوجات: رصيد الحب نفد بعد سنوات طويلة!

 

«رصيدنا من الحب نفد وحياتنا أصبحت كالموظفين».. بهذه الكلمات وصف «أشرف. م» حياته بعد زواج ابنه الأستاذ الجامعى وابنته الطبيبة.. وقال: بعد زواج دام 30 عامًا اضطررت لطلاق زوجتى ونحن فى خريف عمرنا، وكان لا مفر من وقوع الطلاق بعدما كانت حياتنا مثالية، وكانت قصة حبنا مثارًا لحسد المحيطين والمقرَّبين، فكانوا يضربون المثل بها وببيتنا الذى لم يعرف الحزن أو الشجار إلا في السنوات الأخيرة، انقلب الحال بعد زواج ابنتى «منى»، اختفت من حياتنا صيغة المثنى، لم نعد نتشارك شيئًا، وفي آخر أيامنا باتت تمضيها برفقة ابنيها دونى غير مكترثةٍ لغيابى، فأقضي وقتي على المقهى أو بالمنزل متسمرًا أمام هاتفي، وصِرنا نحيا كالغرباء تحت سقف واحد، حتى أوقات الإجازات والمصايف لم نعد نتجاذب فيها أطراف الحديث كما كنا في الماضي، أعترف أننا حاولنا كثيرًا أن نعيد أيام الحب والاستقرار لكن دون جدوى، فكان لا بد من الطلاق مع علمنا بأنه سيترك آثاره السلبية على أبنائنا.

أزواج وزوجات: رصيد الحب نفد بعد سنوات طويلة!

«وليد. ا» يقول: بلغت من العمر أرذله واعتلى المشيب رأسى، ولى قصة مع طليقتى التى تحملت استهتارها وعشوائيتها سنوات طويلة من أجل الأولاد، فهى امرأة لا تعرف مسئولية، كونها زوجة وربة منزل.. تترك ما يتعلق بأمور البيت للخادمة، وتلقى على عاتقها مسئوليات هى أولى الناس بالالتزام بها، حتى متطلباتى الشخصية والزوجية تتذيل قائمة أولوياتها، كل ما يعنيها فى الحياة هو لقاء صديقاتها والخروج والسفر والتسوق، تحمّلت الكثير من تصرفاتها المثيرة للاستفزاز ومقارنتها المستمرة بزيجات صديقاتها حتى كبر أبنائى واشتدّ عودهم، فلم أعد أتحمل الاستمرار فى علاقة سامّة ومزيفة، وكان الطلاق هو الحل الأسلم والأمثل، تزوجت بأخرى لعلّها تُرجع لى شعورى بكيانى كإنسان وتصلح ما أفسدته الأولى وأذوق طعم الأمان فيما تبقى من عمرى.

 

«حملت لقب مُطلقة في الرابعة والخمسين من عمري».. هذا ما بدأت به «راوية. م» حكايتها، قائلة إنها عاشت 27 عامًا تحت وطأة الذل والإهانة على يد زوجها. وتضيف: «كان حلم ارتداء الفستان الأبيض يراودنى، تمنيت الزفاف فى موكب تحيطه الفتيات من الجانبين، وأكون كالملكة المُتوّجة على عرش بيتى، فوافقت على أول شخص يطرق بابى، وسرعان ما عقد القران بعد أشهر قليلة، وما إن أُغلق علينا باب بيت واحد حتى تبددت أحلامى وانطفأت سعادتى، اكتشفت أننى سطّرت بيدى طريق شقائى، وبدأت أدرك حجم الجُرم الذي ارتكبته في حق نفسى بتسرعى وسوء اختيارى، لأصطدم بطباع زوجى الحادة ولسانه السليط، ويده الطائشة التى كانت تطالنى لكماتها وصفعاتها بسبب ومن دون سبب، صبرت على ضيق حالى من أجل حلم تكوين بيت وأسرة، وبالفعل صبرت سنوات حتى كوّنت أسرة من أربعة أبناء».

 

وتواصل «راوية» حكايتها قائلة: «تحملت الكثير، كانت حياتى عبارة عن مسلسل تنازلات، فضّلت الصمت على أفعاله حفاظًا على استقرار البيت والأسرة ومستقبل الأبناء الأربعة، وخشية أن أحمل لقب مطلقة فى مجتمع لا يرحم، وكنت أغفر له ذلاته كل مرة، زوجت 3 أبناء والأخيرة التحقت بكلية التجارة، ولم أعد أحتمل فطلبت الطلاق منه لأعيش ما تبقى من عمرى فى هدوء واستقرار، فوافق بشرط تنازلى عن نصيبى من البيت الذى نعيش فيه، رغم أنى تكبّدت آلاف الجنيهات فى بنائه، ولكن مقابل راحة بالى تنازلت له واحتسبت أجرى عند الله، أما أبنائى فباركوا طلاقى لأنهم لم ينسوا ما تحملته من ضرب وإهانة من أجلهم طيلة سنين شبابى».

 

«زوجى عايش مراهقة متأخرة وضحى بعِشرة السنين».. هكذا بدأت «صباح. ر» الزوجة الخمسينية حديثها وهى شاردة الذهن، شاخصة البصر، تصارع شبح ذكريات عاشتها مع رجل ستّينى ضحت بعمرها من أجل إسعاده، وفى نهاية المطاف تزوج بأخرى.

 

تقول: طعنة الغدر شديدة المرارة حينما تأتى من رفيق دربك وعشرة عمرك الذى كافحت من أجله، لأساعده فى تجاوز أعباء الحياة، وقبلت أن أعيش معه فى غرفة مسقوفة بألواح خشبية فى أحد الأحياء الشعبية الفقيرة، شتاؤها قارس وصيفها نار، يغمرها ماء الصرف ويشاركنا الحياة فيها الفئران والحشرات، وبمجرد أن عرف المال طريق جيبه، وصار صاحب محال تجارية بعد أن كان موظفًا بسيطًا خان عشرة السنين وبحث عن امرأة أخرى.

 

التقطت الزوجة من حقيبتها الجلدية منديلًا تمسح به دموعها المتناثرة لتُكمل: بدأت المأساة منذ أشهر قليلة، قُرب خروج زوجى على المعاش من عمله، حيث تعرّف عليها هناك، كانت دائمة التردد عليه، وسرعان ما نشبت علاقة بينهما، وسمعته يبادلها عبارات الحب والهيام والكلمات المعسولة عبر الهاتف، سمعته صدفة وهو يحادثها، وقررت مواجهته بالأمر، فلم ينكر وأخبرنى بأنه يريد الزواج منها.

 

«جوّزت العيال وعاوز أعيش لى يومين».. هكذا برّر زوجى العجوز موقفه، ساردًا على مسامعى مواقفه وأزماته تجاه أولادنا الثلاثة منذ نعومة أظافرهم وحتى زواج آخر ابن منهم، لأقطع حديثه بمقولة «هذا دور كل أب»، فإذا به يُدير ظهره لى ويرحل ولم أره منذ ذلك الحين، وارتمى فى أحضان غيرى ضاربًا بعشرة 25 عامًا عرض الحائط متغافلًا تضحياتى ووقوفى إلى جواره كل هذه السنوات، وكل خوفى أن يأتينى الموت وحيدة ولا يشعر بى أحد.

 

خبراء طب نفسى: قرار انفعالي.. وتأثيرات خطيرة على الأبناء

 

اتفق خبراء علم النفس على أن طلاق آخر العمر هو فى حقيقته قرار انفعالى، يتصور من يقرره أنه سينعم بعده بالهدوء والسكينة، ولكن هذا الهدف لا يتحقق أبدا رغم الطلاق، ويخلف آثارا نفسية خطيرة على الأبناء.

 

الدكتور مصطفى عبده، استشارى الطب النفسى، يقول بأن الحياة مبنيّة على مراحل، ومن الخطأ التعامل مع مرحلة الارتباط فيها كأنها مرحلة نهائية، وليست قابلة للجهد والإصلاح والتعديل، بمعنى أن الإنسان يتعامل مع الزواج على أنه نهاية المطاف وليس مساحة لاكتشاف بعضنا البعض، ولا بد من وجود هامش دائم لاحتمالية إنهاء العلاقة، مما يدفعنا للحفاظ على العلاقة بشكل راق.

الدكتور مصطفى عبده

 

وأضاف استشارى الطب النفسى أن واحدة من المشكلات الرئيسية تكمن فى أن المتزوجين من كبار السن عادةً ما يمرون بتغيرات فسيولوجية ونفسية بمرور الوقت وكذلك تغيرات فى مساحة الوقت الذى يقضونه سويًا، وهناك حالات واقعية عدة لسيدات تجاوزن سن الخمسين مررن بمراحل اكتئاب أو قلق أو خوف من الموت أو اضطرابات شخصية بحكم السن واضطرابات سلوكية نتيجة الضغوط العصبية والتغيرات الهرمونية، تؤثر عليهن وتجعلهن أكثر غضبًا وأكثر حسياسية، فيتذكرن كل مساوئ الفترات الماضية، وبالتالى تصبح العلاقة فى حالة تعثر.

وأشار الدكتور مصطفى عبده إلى أنه فى معظم الأوقات لا يتفهم الزوج طبيعة هذا التغير الفسيولوجى وأنه ناجم عن تعب وأن زوجته فى حاجة لدعم فقط، ولكنه يقابل الأمر بالتعصب الشديد، ومن هنا تنشب الخلافات بين الزوجين، ويزيد الأمر سوءا أن الزوج بعد بلوغ سن المعاش، يجد أن حياته اقتصرت فقط على زوجته، بحكم مكوثه معها طويلا، فيرشقها بسهام الانتقادات ويثير غضبها وتحتدم الخلافات، أو أن الزوج بعد زواجه واستقراره وإنجابه أولادا يشعر بأنه ضحّى بحياته لأجل الآخر ولم يفعل شيئًا لنفسه.

 

وتطرق استشارى الطب النفسى إلى موقف الأبناء حال انفصال آبائهم، مؤكدًا على أنهم يحملون ضغوطًا نفسية وعصبية، مشيرا إلى أن الطلاق لا بد وأن يكون انتهاءً للعلاقة من دون نزاع، والطلاق السلمى والمريح غير موجود بكثرة فى المجتمع، والانفصال بهدوء من أجل مصلحة الأولاد نموذج أفضل من الاستمرار فى علاقة غير مريحة أو الانتهاء بطلاق فيه صدام.

 

الدكتور عبدالعزيز آدم

من جانبه أكد الدكتور عبدالعزيز آدم- عضو الاتحاد العالمى للصحة النفسية وأخصائى علم النفس السلوكي- أن الطلاق فى آخر العمر وارد حدوثه وبقوة، ولكن ليس بنسب كبيرة، فمقارنته بنسب الطلاق نجد أن مصر بها ما يقرب من مائتى ألف حالة طلاق فى السنة، أغلبها من حديثى الزواج، نتيجة الخلافات التى تدب بين الطرفين فى بداية الحياة، أما من قرروا الطلاق فى آواخر عمرهم استطاعوا - إلى حد ما - أن يتعايشوا مع المشكلات ولكن لم يحالفهم النجاح فى التغلب عليها، فالمشكلات قائمة والحياة بينهم أصبحت غير صحيّة، واستمرارهم فى العلاقة مرتبط فقط بوجود الأولاد فى حياتهم، وبمجرد الانتهاء من زواج آخر ابن أو ابنة يبدأون فى إعادة حساباتهم ويقررون هل بإمكانهم قضاء المتبقى من العمر فى سلام أم لا؟!

 

وأشار «آدم» إلى أن أغلبهم يقرر الانفصال من مبدأ أن ينعم بالهدوء والسلام النفسى، والموضوع يحمل جانبًا نفسيًا خطيرًا جدا، فقرار الانفصال من أجل السلام نوعٌ من الظن أكثر من كونه يقينًا فى هذا السلام، لأنه سرعان ما يعود للألم والضيق النفسى أضعاف مما شعر به فى وجود رفيق حياته التى عاشت معه سنوات عمره وشاركته الأفراح والأتراح، وربّت أبناءه وكان هو السند والعون لها فى كثير من المواقف، ولكن للأسف مع الخلافات تُنسى المواقف النبيلة ويظهر السلبى، وبعد الانفصال تحدث الصدمة، فحياة كل طرف أشبه ما تكون بكابوس ممل فصوله تتكرر وتزداد صعوبةً يومًا بعد يوم.

 

وأرجع أخصائى علم النفس السلوكى سبب حدوث الانفصال فى آخر العمر إلى تكرار المشكلات وانعدام مساحة الحوار الودى، فبالتالى بدأت تتأجل هذه المشكلات لمرحلة تفاقمت بها ويتخذون القرار، إلى أن يصطدموا بالواقع بعد الانفصال وأن ذلك لم يكن أفضل قرار لهما، فالقرار أحياناً يكون بالاتفاق بين الطرفين، أو طرف دون الآخر، وغالبًا يتخذ الزوج خطوة الانفصال حتى دون موافقة الزوجة ولكنه يقرر إنهاء العلاقة بمنتهى الحزم، ولكن على أية حال مُتخذ القرار هو أكثر شخص يندم، والرجوع فيه صعب لأنه أصبح هناك حاجز نفسى بينهما فى آخر أيامهما لتنتهى حياتهما بمأساة ووحدة خانقة يشعر بها كلا الطرفين.

 

ويرى أنه لتلافى حدوث مشكلة الانفصال فى آخر العمر أو بعد سن المعاش، لا بد من وجود حوار ودّى مستمر بين الأسرة مع النية فى الإصلاح والاستمرار المحبب وتكوين نشء محب لبعضهم البعض ولوالديهم، وكل طرف لديه قابلية لتقبل الآخر وتجنب مشكلاته والتعايش مع فكرة أن كلًا منا له عيوب يمكن تقبلها وتلاشيها مع المعاشرة باعتبار أن الزواج رباط مقدس يحتم على كل طرف أن يكون عنده مساحة المحبة والود، ومغزى الزواج فى قوله تعالى «وجعل بينكم مودة ورحمة» يجب تبطيقه على أرض الواقع.

 

 

وألقت الدكتورة بسمة سليم، أخصائى علم النفس وتعديل السلوك، اللوم على المجتمع لأنه دائمًا يفرض على المرأة الاستمرار فى الزواج حتى وإن كانت العلاقة سامّة بينها وبين زوجها، إضافة إلى فكرة أن المرأة إذا كان لها أبناء، تلتزم الصمت حتى تُكمل رسالتها، وكأنها مُقيدة من العنق، خشية أنه فى حال الانفصال من الوارد أن يتنصل الزوج من مسئولياته المادية والنفسية تجاه أبنائه وتوفير عوامل الأمان لهم، فهى من وجهة نظر المجتمع تحرمهم من والدهم، دون النظر إلى ما تحتاجه المرأة وخصوصًا فى مرحلة سن اليأس بعد انتهاء ذروة الحب، فهى سيكولوجيًا تميل إلى الأمان والهدوء والراحة النفسية وليست فى احتياج للزواج فى حد ذاته.

 

وأضافت أخصائى علم النفس، أنه حتى بعد استقرار الأبناء بأنفسهم، يزيد الضرر النفسى الواقع على الزوجة بسبب ضغوط المجتمع الذكورى التى يمارسها ضدها، فالطلاق فى آخر العمر ليس وليد اللحظة، وفيما يخص موقف الأبناء أشارت إلى أن هناك ما يسمى بـ«ميكانيزمات الدفاع النفسى»، وهى عبارة عن حيل لا شعورية يستخدمها العقل اللاشعورى للتخلص من أى توتر، فالأبناء يرفضون انفصال آبائهم لمجرد الرفض رغم استقلالهم بحياتهم؛ خوفًا من نظرة المجتمع الرافضة مما يُحمل على الزوجة عبئًا من نوع آخر، فى الوقت الذى أجاز فيه الدين الطلاق، فلابد أن ينظر المجتمع للموضوع بنظرة حيادية من دون ازدواجية فى الحكم وعدم الأخذ بظواهر الأمور.

عالم أزهري: الصبر ضروري حتى تهدأ العاصفة

 

يؤكد مصطفى الحارون- أحد علماء الأزهر الشريف- أن الأسرة هى اللبنة الأولى فى بناء المجتمع؛ وبتماسكها واستقرارها يكون تماسك المجتمع واستقراره؛ فإذا تماسكت الأسرة تماسك المجتمع؛ وإذا تفتتت الأسرة تفتت المجتمع، لذلك اعتنى الإسلام ببناء الأسرة عناية بالغة بما يحقق السكن والمودة والرحمة بين جميع أفرادها؛ قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إن فِى ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، عندما نتأمل هذه الآية نجد أن الله عز وجل جعل المودة والرحمة من أسس بناء الأسرة. فالمودة فسرها بعضهم بأنها صفة تبعث على حسن المعاملة والتحلى بالصبر؛ فيحتمل كل من الزوجين ما قد يظهر من الآخر أو تختلف فيه بعض الطباع، وفسرها بعضهم

بالمحبة، والمحبة محلها القلب، والقلب متقلب.

عالم أزهرى: الصبر ضرورى حتى تهدأ العاصفة

وأضاف: دائمًا أقول للمقبلين على الزواج: مخطئ من ظن يومًا أن الحب وحده كافٍ لاستمرار الزواج؛ الحب بالكاد يوصلكما إلى عتبة باب البيت بالبدلة الأنيقة والفستان الأبيض وبعد ذلك تراحم وتفاهم وتغافل واحترام متبادل وتنازل أحياناً؛ وصبر ثم صبر ثم صبر؛ صبر على مواجهة التحديات وتجاوز العقبات، وأن تعلم يقينًا أن شريك العمر ليس ملاكًا وإنما هو بشر يصيب ويخطئ وأن الكمال لله وحده وأن من يطلب الكمال فى الناس فليبحث عن الكمال فى نفسه أولًا فإن وجده فليطلب بعد ذلك ما شاء!

 

وأضاف «الحارون»: أقول هذا الكلام والقلب ملىء بالمرارة نظرًا لارتفاع نسبة الطلاق فى بلادنا وخاصة بين الشباب؛ بل الأدهى من ذلك أن ينتشر الطلاق بين الآباء والأمهات الكبار الذين صاروا أجدادًا هل هذا يعقل؟! إن المتأمل فى القرآن الكريم يجد أن الحق سبحانه وتعالى قد سمى الزواج ميثاقًا غليظًا؛ ليلفت أنظارنا إلى وجوب احترامه؛ وليحذر من خطورة هدمه ونقضه قال تعالى «وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا».

 مصطفى الحارون

وتابع «الحارون»: دعت الشريعة الإسلامية الزوجين إلى أن ينظر كل منهما إلى شريك حياته بعين الإنصاف بعيدًا عن التهوين والتهويل؛ وأن يتأمل جوانب الخير فيه؛ وأن يتبصر جوانب الإبقاء على الحياة الأسرية قال تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا». وقال رسوله الكريم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقا رضى منها آخر»، فالكمال لله وحده والعصمة لأنبيائه ورسله ولله در القائل: من الذى تُرضِى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه.

 

وأكد أن الشريعة أمرت بالوفاء؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح الشاة فيقول اذهبوا بها إلى صويحبات خديجة؛ وتأتيه الهدية فيقول: اذهبوا بها إلى فلانة صديقة خديجة، ومرت عليه امرأة ففرش لها رداءه وجلس يكلمها ساعة، فسأله أصحابه من هذه يا رسول الله؟ فقال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة؛ وإن حسن العهد من الإيمان أى الوفاء.

 

وأضاف أنه إذا وصل الأمر إلى الظن باستحالة الحياة الزوجية، فقد أرشدت الشريعة إلى التروى حتى تهدأ العاصفة وتلين القلوب وتصفو النفوس، ويُحكّم العقل فتحدث المراجعة ويعود الوفاق حرصًا على استمرار الكيان الأسري؛ لأن الطلاق تدمير لبيت أمر الشرع ببنائه على أساس من السكن والمودة والرحمة؛ وفيه من التباغض والتشاحن وإثارة العداوات بين الناس الشىء الكثير، كما أن مخاطره وأضراره على الأسرة وعلى المجتمع كثيرة، لاسيما الأبناء بما يسبب لهم من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية يفقدون معها مقومات التربية الحسنة والتنشئة السليمة؛ مما يجعلهم عرضة للاضطراب النفسى والتأخر الدراسى؛ فيسهل انحرافهم السلوكى، أى أن الأبناء هم الذين يدفعون الثمن المر للطلاق.

 

واختتم «الحارون» قوله مستشهدًا بحديث رواه الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر بن عبدالله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة؛ يجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا؛ فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجىء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت!.. لذلك ينبغى علينا أن نعمل على الإفلات من حبائل الشيطان.

 

 خبراء شؤون المرأة: نهاية متوقعة بسبب ضغوط كثيرة

 

تؤكد الدكتورة جيهان جادو، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس القومى للمرأة، أن الطلاق بات شبحًا يهدد استقرار الأسر بمختلف طبقاتها ويخلف آثارًا نفسية عميقة الأثر فى نفوس الأزواج يؤدى إلى اضطرابات نفسية للأبناء، وقد اعتدنا أن أصعب سنوات الزواج هى الأولى، والتى يترتب عليها مشاحنات كبيرة وعدم تكيف كلا الزوجين مع الآخر وأن لكل منهما طباعه المختلفة وظروفه المعيشية التى تختلف عن ظروف الشريك الآخر قبل الزواج. فيبدأ الشريكان بحياة زوجية ويحلم كل منهما بالاستقرار والطمأنينة وسرعان ما ينقلب الوضع مع ظروف وضغوطات الحياة المجتمعية وبتدخلات أطراف العائلة يجد كل منهما وكأنه يعيش مع إنسان غريب عنه لا يعرفه، وتبدأ المشكلات فى التفاقم، ويصبح المنزل سجنًا بدلًا من أن يكون راحة لهما.

وتطرقت عضو المجلس القومى للمرأة إلى طلاق خريف العمر، قائلة بأنه ظاهرة خطرة جدًا، لكنه نتيجة حتمية لعلاقة غير صحية من الأساس لأن كلا الزوجين استطاع تحمل الشريك الآخر سنوات طويلة بالرغم من عيوبه، واستطاع أن يضغط على حالته النفسية، فالظروف أجبرتهما على التعايش مع الآخر من أجل الأبناء أو من أجل الظروف المعيشية التى اضطرت المرأة لتقبل إهانة شريكها لها أو تحمل سلوكياته غير اللائقة، وأيضاً الرجل الذى تحمل غطرسة زوجته وإهمالها له من أجل الأبناء.

 

وأشارت الدكتورة جيهان جادو إلى أن هناك عوامل كثيرة جدًا تؤدى للطلاق بشكل عام سواء فى بداية الزواج أو فى خريف العمر من أهمها الظروف المجتمعية المختلفة للطرفين، والعوامل المادية وظروف المعيشة والتهاون المستمر فى الحفاظ على مشاعر كل شريك وانعدام الخبرات لدى الشريكين فى تأسيس حياة مستقرة.

.. وخبراء شئون المرأة: نهاية متوقعة بسبب ضغوط كثيرة

وأضافت: تظل ظاهرة الطلاق من أخطر الظواهر التى تعرقل استقرار أى مجتمع وتخلق مشكلات كبيرة وأيضاً تخلق جيلًا غير سوى من الأبناء متأثرًا بعوامل الطلاق مما يهدد مستقبلهم. وواصلت: الطلاق فى خريف العمر لا يقل فى تأثيراته السلبية عن الطلاق فى بداية الزواج لاسيما على أفراد الأسرة، فبعد سنوات طويلة بين الزوجين وإنجاب الأولاد وتربيتهم يفاجأون بانفصال أبويهم، الأمر الذى يشكل صدمة حقيقية لهم مما يفتح لهم الباب للتساؤل والدهشة ولا يخلو الأمر من عدم ثقة الأبناء بذويهم وما يحدث للزوجين بعد عشرة طويلة مرت على زواجهما، ينعكس على عملية اختيار الأبناء لشريك الحياة وبالتالى يدخل عامل التردد عند الزواج واختيار المواصفات التى تناسب كل شخص حتى يضمن عدم تكرار تجربة فاشلة كما حصل مع والديه ويزداد الأمر تعقيدًا عندما يعرف الأبناء أن آباءهم تزوجوا بعد قصة حب.

 

وأضافت «جادو» أنه إذا نظرنا إلى أسباب الطلاق الخاص بكبار السن سنجده حالة خاصة جدًا من حالات الفشل الزوجى وأكثرها إيلامًا للنفس؛ نظرًا للعشرة الطويلة ولوجود أبناء كبار؛ وغير ذلك من الأمور، وأرى أن البحث عن الاستقلالية هو السبب الرئيسى الذى يدفع كبار السن إلى التوجه للطلاق فبعد أن شعر كل منهما بأنه أدى دوره فى تربية الأولاد، ووسط عدم العثور على الاهتمام الكافى خصوصًا فى تلك المرحلة العمرية الحرجة يرغب فى التحرر من القيود التى عاشها لسنوات طويلة جدًا، بالإضافة لعوامل كثيرة جدًا من أهمها وسائل الإعلام التى روجت لأفكار هدامة لاستقرار المجتمع على أساس تصوير أن الانفصال هو من أساليب الحرية والاستقلال ولم تضع حلولًا جذرية تعالج المشكلات المتعلقة بكل شريك فى الحياة الزوجية.

 

وأشارت إلى أن الطلاق فى خريف العمر ظاهرة خطيرة لابد من الوقوف على أسبابها وكيفيه علاجها وأيضاً دراسة وضعية المرأة المسنة أو الرجل المسن وعلى الأقل توفير أماكن سكنية لرعايتهم، وأن تتولى الدولة توفير سبل معيشة كريمة تحميهم من عواقب الطلاق بعد العمر الطويل.

د. دينا سلام

من جانبها أشارت الدكتورة دينا سلام، عضو المجلس القومى للمرأة بالدقهلية، إلى وجود بعض الحالات الخاصة التى تحتاج دراسة لتحديد آليات العلاج المناسبة خاصة حالات الطلاق التى تحدث للسيدات فى سن متأخرة على غير رضاها بعد سنوات من الخدمة والرعاية للأسرة والأولاد حيث تصبح فجأة بلا مأوى أو عائل أو معاش، فقد لا تجد مأوى لها غير الشارع خصوصًا إذا كانت لم تنجب ولم تكن حظيت بقدر من التعليم يساعدها فى الحصول على فرصة عمل.

 

وقالت عضو المجلس القومى للمرأة، إنه لا بد من تدعيم ثقة المرأة بذاتها ومحاربة كل ما يمس كرامتها الإنسانية، فالمرأة كيان لا بد من منحها كل التقدير وهى تواجه مصاعب وأزمات الحياة، وفيما تتكبد تلك النساء معاناة مستمرة، تحملهن النظرة الاجتماعية السلبية تجاههن عبئًا إضافيًا ثقيلًا، خاصة النساء اللاتى يعشن فى بيئات فقيرة.

 

وأضافت أنه على الرغم من الجهود الرسمية والأهلية المبذولة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن أوضاع غالبية النساء لم تتحسن كثيرًا مع أن أحكام القانون رقم ٢٣ لعام ٢٠١٢ أقر إضافة المرأة المعيلة ضمن الفئات المستفيدة من خدمات الهيئة العامة للتأمين الصحى، حيث يعطى هذا القانون للسيدات المعيلات الحق فى الحصول على الخدمة الصحية المقدمة من الهيئة إلا أننا نتطلع إلى المزيد حيث توجد نقاط عدة تستطيع الدولة تقديمها، فى مقدمتها تأمين حصولها على خدمة طبية جيدة ولائقة من جهات معنية بهذا الخصوص، وأيضاً تأمين معاش يضمن لها حياة كريمة خاصة بعد زواج الأبناء أو فى حالة تخطى سن التقاعد أو تدهور الحالة الصحية، مع توفير ما يلزمها من سلع من خلال بطاقات التموين المختلفة على أن تتسع البطاقة لتشمل سلعًا أكثر، وتخفيض المصروفات الدراسية للأبناء.

 

وأكدت ضرورة توفير دور لرعاية السيدات فوق الستين اللاتي يعشن بمفردهن ولا يجدن من يقوم على خدمتهن فى مقابل أسعار مناسبة.

 

موضوعات ذات صلة:

ابن أمه.. عروس تطلب الخلع بعد سنة زواج

جبروت رجل.. ذئب ينهي حياة ابنته بمساعدة شقيقيها

العم الذئب.. استغل غياب أخيه واغتصب ابنته المعاقة

لقراءة المزيد من التحقيقات والحوارات اضغط هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا