رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ونس الدكة

من أمتع الدراسات التى يمكن قراءتها حول قصيدة النثر وما يثار حولها من مفاهيم ومصطلحات، وحالات الانقسام حولها بين من يؤمن بأنها مجلوبة من التجربة الشعرية الغربية، وبين من يجدها تطور طبيعى أتى من تراكمات النصوص الصوفية، تأتى دراسة الدكتور قدور رحمانى أستاذ الأدب بجامعة– المسیلة– الجزائرية المعنونة «قصیدة النثر وملامحها فى الكتابة الصوفیة» التى نشرت فى عام 2007.

ففى البداية يطالب الدكتور قدور رحمانى بتفحص نسيج العلاقات والوشائج بين كتابات المتصوفة كفضاء إبداعى تراثى، وبين ما ترسخ من قيم فنية وجمالية فى ظل قصيدة النثر العربية كفضاء فنى جديد يقال عنه إنه مستجلب من الغرب ولا علاقة بينه وبين أشكال القول الأدبى فى الثقافة العربية الأصيلة.

معتبراً انه قبل البحث فى إمكان وجود علاقات عميقة بين مكنوز بعض الكتابات الصوفية وبين المفهومات الناشئة على أطراف قصيدة النثر وحوافها التى وجدت لها تطبيقات عملية من خلال نصوص شعراء القصيدة النثرية كأدونيس وأنسى الحاج ويوسف الخال ومحمد الماغوط وسواهم. لابد من الوقوف– ولو عاجلا- عند هذا الشكل الشعرى الجديد فاحصين أهم المفهومات المنظرة له كأفق فنى مخالف للشكل الخليلى المستنزف ولقصيدة التفعيلة والشعر المنثور. ثم نعرج– بعد ذلك على فحص شىء من النصوص الصوفية التى رقمها بعض أعلام رجالات الطائفة من أجل الكشف عن ملامح القصيدة النثرية التى لا يراها بعض الشعراء غريبة عن الإرث الثقافى العربى، على حين تراها ثلة أخرى من المثقفين والنقدة والشعراء صناعة غربية خالصة.

يقول الدكتور قدور رحمانى إننا إذا رجعنا إلى ذلك الحوار الذى أجراه جهاد فاضل مع الشاعر الكبير الراحل «نزار قبانى» فيما يتعلق بالحداثة الشعرية والقصيدة النثرية ومستقبل الشعر العربى ألفينا نزاراً لا يعترض على هذا الشكل مبدياً إعجابه به، بل إنه يذهب أبعد من ذلك مستشرفاً أن تكون القصيدة النثرية هى فن الكتابة الشعرية المستقبلية. وإضافة إلى كل ذلك يؤكد أن النثيرة مصطلح جديد لمفهوم قديم. فهى– حسب رأيه- ذات جذور تضرب فى عمق التراث العربى والإنسانى. ومن هنا فإن أصول قصيدة النثر كانت حاضرة حية فى الكتب المقدسة وهى نشيد الإنشاد والمزامير، كما يمكن أن نلامس لها حضور فى القرآن الكريم، خاصة فى قصار السور، وفى طويلها كالرحمن ومريم. وهكذا فإن نزاراً لا يرى القصيدة النثرية وجهاً غريباً عن ميراث اللغة العربية التى يمكن أن تقال فيها العبارة الأدبية الواحدة بصيغ شتى متعددة.

ويتخذ الدكتور قدور رحمانى الشاعر العربى الكبير أدونيس– وهو أبكر منظر لقصيدة النثر ومن أكبر شعرائها– نموذجاً لا يستهان به فى الإقبال على الإرث الأدبى الصوفى وجعله من أهم الروافد فى تشكيل رؤياه الجديدة لفن الشعر وقد ظهر ذلك جلياً من خلال قصائده النثرية ومن خلال كتاباته عن تجارب السادة الصوفية وعن إضافاتهم الخصبة لهذا العالم المتجلية بين تضاعيف إبداعهم الأدبى والفلسفى.

كما تحدث أدونيس فى كتابة (الصوفية والسريالية) عن عظمة التجربة الصوفية ودعا إلى ضرورة استثمار ما فيها من زخم فكرى ومعرفى وجمالى، كما ألمح إلى أن هذه التجربة قد أفاد منها كتاب قصيدة النثر فى بناء أفكارهم وتشكيل آفاقهم الجديدة التى تتجاوز كون الشاعر مجرد تاريخ ومجرد مزمار للواقع المعيشى والحوادث والأحاسيس المفجوعة. وإذا كانت تجربة الكتابة الصوفية جديدة برفضها للتقليد وما هو مستنزف، وبمحاولة خلق لغة داخل اللغة تستطيع أن تستجيب لعمق التجربة، فإن تجربة الشعر الجديد ومنها قصيدة النثر حاولت أن تفيد من هذه التجربة التراثية العظيمة.

ويجد الدكتور قدور رحمانى أنه من خلال اطلاعه على كوكبة من نصوص القصائد النثرية خاصة التى رقمها أدونيس وانسى الحاج أكتشف ان هذه الكتابات تتجاوز كون الإنسان مجرد تاريخ متماهية مع اقاعات الكون، ذائبة داخل تنويعات الوجود وما يكتنفها من سحر وغموض.

إن هذا اللون الجديد من الكتابة بالرغم من كثرة المعارضين له يفتحنا على اللامحدود ويضيف شيئاً جديداً إلى هذا العالم، ويدعونا إلى صهر الأنا ودمجها بالوجود، كما يدعونا إلى التخلى عن الحوادث والمجتر والمشترك ويوقظ المجهول فينا واللانهائى والخفى، ويزرع فى حساسيتنا الوحدانية الرغبة فى البحث عن الميئوس من الإحاطة به أملا فى ملامسة ولو لشىء يسير من أسراره المكنونة. وكذلك كانت الكتابة الصوفية لونا خاصا يثير شوقنا إلى استكناه السحر الّذى يتمنع عن وعينا ويتخطى تخوم العقل الذى لم يكن بوسعه كما يرى جلال الدين الرومى وغيره من الصوفية أن يستوعب فيوضات الوجدان وأمواج المشاعر المباغتة والمتجددة، ولم يستطع بصرامته ووضوحه أن يتحمل عميق المعاناة وطوفان الخيالات التى تصطخب فى كيان العاشق الصوفى فتأخذه بعيداً عن الزمن الواقعى والاجتماعى ودنيا الناس التقليدية المكررة. هذا العاشق النوعى الثمل لا يشعر بتحقيق وجوده إلا خارج أحياز العقل والوعى.

يقول الصوفى الكبير جلال الدين الرومى:

أيها العاشق! ويلتا من العقل والوعي

فأنت أيها العقل مثل الماء فابتعد عن نارنا

أو فأقدم لتغلى معنا فى قدرنَا..

فإذا لم ترد أيها العاقل أن يتحطم منك أصغرك

فمت، لا تصارع الأمواج والمحيط.

إذا زعمت أنك عاشق فأمامك امتحانان

فلا تلو رأسك واحتس من خمر الرجال...

ها أنذا أصبح، لكننى من ثمل العشق

مثل قيثارتى، لا خبر لى بالصباح...

أما الشاعر أدونيس فيقول: أعيش يائساً

لكننى يائس كشجرة،

يائس كجبل،

يائس كشلال،

يائس كبحر.

أعيش راسخاً أتطاول واستشرف.

أخسر أصدقاء، أكسب أصدقاء، هذا يفرحنى.

ثمة أشياء وعلاقات يكون موقعها أحياناً

أكثر جمالاً من ولادتها.

ذلك هو، وحده، القتل الضرورى الجميل.