رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تساؤلات حول اختراق الضاحية

أثار الاستهداف الإسرائيلى لما وصفه بالمقر المركزى لحزب الله فى قلب الضاحية الجنوبية ببيروت، العديد من التساؤلات، فحسب الخبر الذى تناولته كل وسائل الإعلام العربية والعالمية، فقد قصف طائرات «إف-35» المقر بواسطة قنابل خارقة للحصون والهدف هو مقر هيئة أركان حزب الله والمستهدف الرئيس هو زعيم حزب الله حسن نصر الله، حسبما قالت إذاعة الجيش الإسرائيلى والتى أشارت الى أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية لا تستبعد أن تسفر الغارات عن مقتل عدد من كبار قادة فيلق القدس الإيرانى، ومؤكدة عن مصادر أن حسن نصر الله كان فى المقر المستهدف ولكن لا دليل قطعيا حتى الآن يؤكد مقتله.
مع نهاية الخبر يطرح التساؤل مجددا حول كيفية اختراق الضاحية والوصول لمعلومة مؤكدة بزيارة خاطفة لحسن نصرالله ومجموعة من القيادات لضاحية بيروت الجنوبية وعقد اجتماع، فمن أين لإسرائيل بهذه المعلومات وكل هذه الاختراقات الكبيرة التى جعلت الجميع فى ذهول وترقب؟؟
فقد كثرت النظريات خلال الأشهر الماضية حول أسباب تمكّن إسرائيل من اغتيال أكثر من مئات من عناصر وقيادات «حزب الله»، أكثر من 100 منهم يعتبرون من كبار القادة العسكريين فى الحزب. فأغلبية عمليات التصفية نفذتها طائرات مسيّرة إسرائيلية، مستخدمة صواريخ دقيقة جداً. كما استخدمت إسرائيل مقاتلاتها الحربية فى استهداف مقاتلى «حزب الله» فى منازل تواجدوا فيها – بعضها كانت منازل المقاتلين أنفسهم. وأحدث هذا الأمر بلبلة فى صفوف الحزب وداخل بيئته، حيث تصاعد الحديث عن جواسيس وعملاء ومندسين يقومون بتسريب المعلومات للإسرائيليين. كما أن أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله تناول هذا الموضوع فى أكثر من مناسبة، متهماً الهواتف النقالة بأنها هى العميل والأداة التى مكّنت الإسرائيلى من استهداف هؤلاء المقاتلين بهذه الدقة.
وعلى الرغم من تحدث تقرير أخير لوكالة «رويترز» عن تخلى «حزب الله» عن استخدام وسائل الاتصال اللاسلكية والإلكترونية، والعودة إلى وسائل اتصال قديمة، بخاصة السلكية منها. وخرج الخبراء بنظريات عدة حول الوسائل التى استخدمتها إسرائيل لتحديد أماكن الشخصيات المستهدفة. أكثر نظرية أجمع عليها الخبراء هى رصد إسرائيل الهواتف النقالة لرصد تحركاتهم وتتبعهم عبر المسيّرات، واستخدام الذبذبات الإلكترونية الصادرة من الهواتف فى توجيه الصواريخ لتصفية حامليها.
وسيلة الرصد والاغتيال هذه ليست جديدة، استخدمها الأمريكيون والروس فى عمليات اغتيال عديدة فى حروبهم السابقة. كما تُستخدم تكنولوجيا التعرف على البصمة الصوتية عند التنصت على الهواتف أو الاتصالات اللاسلكية، لتحديد هوية المتحدث تمهيداً لتصفيته إن كان مطلوباً.
وتحدث بعض المحلّلين أيضاً عن نظرية وجود عملاء داخل الحزب أو مخبرين فى مناطق عمليات الحزب، يزودون الإسرائيليين بالمعلومات بشكل آنى عن أماكن تواجد عناصر الحزب وقادته لاستهدافهم حينها. وهذه نظرية ممكنة، ولا يمكن استبعادها، على الرغم من نفى الحزب وجود عملاء داخله. وهناك نظرية اختراق إسرائيل منظومات كاميرات المراقبة فى الشوارع ومداخل المصارف ومنشآت أخرى، تمكّنها من رصد تحركات عناصر الحزب فى هذه البلدات أو القرى. أن ومن المؤكد حسب تقارير أن الحزب عطّل كاميرات المراقبة فى البلدات الحدودية، حيث تنشط العمليات العسكرية.
قد تستخدم إسرائيل كاميرات مزودة بعدسات زووم قوية مثبتة على متن مسيّراتها لكشف وجوه الأشخاص وتحديد هويتهم عبر تكنولوجيا التعرف على الوجه. فهذه التكنولوجيا شهدت تقدماً كبيراً فى السنوات الأخيرة، خصوصاً فى الولايات المتحدة، حيث بات هناك برامج إلكترونية تستطيع التعرف على وجه شخص مطلوب بسرعة ودقة كبيرتين، بمجرد أن يتم أخذ صورة واضحة له من كاميرا مزودة بعدسات تستطيع أن تظهر المنطقة بين أسفل الأنف والعينين والجبين. وتحدثت تقارير غربية عن وجود هذه التكنولوجيا اليوم على الأقمار الاصطناعية، الأمر الذى أثار اعتراض جمعيات تدافع عن خصوصية الأفراد، وتعتبر وجود هكذا قدرة تمكّن الدولة من تحديد تحركاتهم بانتهاك للخصوصية، ما يتعارض مع بعض قوانين الحرية الشخصية فى الغرب. وفى حال كانت إسرائيل تستخدم تكنولوجيا التعرف على الوجه عبر مسيّراتها أو حتى أقمارها الاصطناعية، فهى ستتمكن من التعرف على عناصر الحزب المستهدفين فور خروجهم إلى أماكن مفتوحة فى مناطق العمليات ومن ثم تتبعهم تمهيداً لاغتيالهم.
جميع النظريات أعلاه واردة وممكنة من الناحيتين العلمية والمنطقية. إلا أن إسرائيل لن تستطيع تطبيق أى منها إن لم تكن تملك معلومات مسبقة عن العناصر المستهدفة. فالمنطق يقول إنه حتى تتمكن إسرائيل من استخدام الهواتف النقالة أو تكنولوجيا التعرف على الوجه، فهى بحاجة لبيانات أعضاء “حزب الله” وقياداته بشكل كامل: أى أنها بحاجة لاسم المقاتل ومركزه ودوره فى الحزب، إضافة إلى عنوان سكنه ورقم هاتفه وصورته الشخصية. فهى لا تستطيع رصد الهواتف كافة لتعرف أيها لهذا الشخص أو ذاك. كما أنها لا تستطيع التعرف على شخص لا تملك صورة له، ولا تستطيع أن تطلب من مخبرين التجسس على شخص من دون أن تزودهم بمعلومات عن شكله ومكان سكنه. وبالتالى، منطقى الاستنتاج أن هناك اختراقاً إسرائيلياً كبيراً حدث قبل هذه الحرب، مكّنها من الحصول على بيانات مقاتلى الحزب كافة والتعرف على هيكليته القيادية والعملياتية.
لكن كيف تمكنت إسرائيل من الحصول على بنك البيانات هذا؟ هناك ثلاثة احتمالات: الأول، الاختراق الإلكترونى لحاسوب عليه بيانات مقاتلى الحزب كافة؛ الثانى، عملية كوماندوس إسرائيلى على منشأة لـ”حزب الله” تحتوى على بيانات المقاتلين وسرقتها، كما حدث فى إيران عندما سرق الكوماندوس الإسرائيلى بيانات خاصة بالبرنامج النووى الإيرانى قبل سنوات؛ والثالث، إقدام أحد عناصر الحزب ممن يستطيعون الوصول إلى هذه البيانات، على تمريرها للإسرائيليين بعد الفرار خارج البلاد.
وبالرغم من ارتفاع حجم الإدراك الأمنى لعناصر الحزب وقادته، ومعرفتهم بالوسائل التى يمكن أن يستخدمها الإسرائيلى للتجسس عليهم. فجميع أجهزة الحاسوب الخاصة بالحزب والتى عليها معلومات حساسة، غير موصولة بالإنترنت بتاتاً منعاً لأى اختراق إلكترونى، وبالتالى، مستبعد أن تكون بيانات الحزب موجودة على حاسوب موصول بالإنترنت. هذا يُسقط الاحتمال الأول. كما أن عناصر الحزب لا تسمح لأى شخص غريب أن يُدخل معه أى أجهزة إلكترونية وكاميرات إلى المكاتب الخاصة أو المنشآت الحساسة، ويجرى تفتيش الجميع بشكل تام. أما بالنسبة إلى احتمال عملية الكوماندوس لسرقة البيانات، فهو ضعيف جداً، نظراً لصعوبة تنفيذ ذلك فى مناطق الحزب التى تشهد اكتظاظاً سكانياً وإجراءات أمنية مشدّدة.
يبقى الاحتمال الثالث، وهو فرار أحد مسئولى الحزب ببنك البيانات وتسليمه لإسرائيل، وهو الأكثر ترجيحاً. لا تقارير وافية عن هكذا حادثة على الرغم من وجود بعض الإشاعات. هذا أمر ستكشفه الأيام أو الأشهر المقبلة. لا منظمة أو جيش أو حكومة فى العالم لم تشهد حالات خيانة، وهو أمر وارد فى كل زمان ومكان. ولـ”حزب الله” جهاز أمن وقائى عمله كشف الجواسيس والخونة داخل صفوفه وتحييدهم، ويملك إنجازات فى هذا الإطار. إنما من الواضح أنّ هناك خرقاً إسرائيلياً لبيانات أعضاء الحزب مكّنها من اغتيال هذا العدد الكبير من القيادات الميدانية الرفيعة، التى لم يسمع معظم الشعب اللبنانى بأسمائهم، ويدرك مكانة كل منهم، قبل أن تطالهم الصواريخ الإسرائيلية. فمن أهم مميزات قيادات الحزب هو التكتم الشديد، بشكل حتى أن جيرانهم لا يعلمون مراكزهم فى الحزب وحجم دورهم فيه.
ولا بد أن تقلل إجراءات الحزب الأخيرة، مثل تغيير وسائل الاتصال وتغيير القادة لأماكن سكنهم ومبيتهم وحتى وسائل التنقل وكسر الروتين، وهذا كله يقلل من النجاحات الإسرائيلية فى اغتيال القيادات الميدانية. تبقى هناك مسألة السيطرة الجوية التى تمكّن المسيّرات الإسرائيلية من رصد تحركات مقاتلى الحزب فى الخطوط الأمامية واستهدافهم أحياناً عند تنقلهم مشياً أو على الدراجات النارية. كما أن إمكانية استخدام إسرائيل تكنولوجيا التعرف على الوجه قد تدفع مقاتلى الحزب إلى استخدام الأقنعة لإخفاء هوياتهم.

كاتب متخصص فى الشئون الإقليمية والدولية