رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الزاد

تكتب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتركيا، صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة. فمن المعروف أن العلاقات المصرية التركية لها أهمية خاصة متأصلة الجذور بحكم التاريخ القديم المشترك الذى امتد لعدة قرون، ما أسفر عن روابط دينية وثقافية واجتماعية تتسم بالقوة والمتانة. كما أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد تأسيس الدولة الحديثة فى تركيا عام 1925 شهدت تعاوناً فى أعلى درجاته بدءاً من القائم بالأعمال فى القاهرة، وصولاً إلى السفراء فى عام 1948. 

وخلال السنوات الأخيرة كانت العلاقات بين القاهرة وأنقرة قد شهدت بعض التوتر على خلفية ملفات سياسية شائكة، لكنها بدأت تتحسن تدريجيًا منذ عام 2020، مع تبادل الزيارات بين المسؤولين من كلا البلدين، ما يثبت أنها سحابة صيف عابرة أو خلاف فى وجهات النظر بين أشقاء لا يصل إلى حد القطيعة.

تطور تلك العلاقات بين البلدين ستكون له انعكاسات واسعة على أمن المنطقة، بالنظر إلى البعد الاستراتيجى للدولتين، فى وقت تتصاعد فيه المخاوف من اتساع دائرة التهديدات بالنظر لاستمرار القتال فى جبهات شتى، سواءً ما يحدث فى غزة، أو ما يدور فى السودان، أو القضايا التى كانت تمثل نقاطاً خلافية، وعلى رأسها الأزمة الليبية وقضية ترسيم الحدود البحرية وملف الطاقة بالبحر المتوسط.

ونظراً لأهمية الدولتين فى محيطهما الجغرافى، فقد نجحتا فى استئناف الاتصالات على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين إيماناً من الجانبين المصرى والتركى بأهمية التعاون فى بعض الملفات الإقليمية. وبدأت محاولات إذابة الجليد بالتدريج، عبر لقاءات مختلفة على هامش مؤتمرات ومناسبات دولية، ثم قام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة لمصر فى فبراير الماضى، إلى أن أتيحت الفرصة وكانت تركيا على موعد أمس الأول مع زيارة تاريخية للرئيس عبدالفتاح السيسى، لتنتقل بذلك العلاقات بين البلدين إلى مستوى أفضل وأرحب من العلاقات، سوف يجنى ثمارها الشعبان المصرى والتركى، خاصة فى المجال الاقتصادى، وهو الأمر الذى تأكد من خلال التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين حكومتى الدولتين فى مختلف مجالات التعاون.

أما فى المجال السياسى فقد اتفقت كل من القاهرة وأنقرة على التعاون المشترك فى مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لشعب غزة، ودعم القضية الفلسطينية، وحل النزاع فى سوريا، ودعم سيادة واستقرار العراق، ودعم العملية السياسية فى ليبيا، وضمان أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقى، وحل أزمة السودان سلمياً، وهى قضايا شائكة أتصور أن اتفاق الدولتين على حلها يمثل نقلة كبيرة سوف تتأثر بها إيجابياً الدول التى تشهد صراعات إقليمية فى المنطقة.

وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال مؤتمر صحفى مشترك مع الرئيس أردوغان أنه تم الاتفاق على تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى فى ليبيا، وطى صفحة تلك الأزمة من خلال عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وخروج القوات الأجنبية غير المشروعة والمرتزقة من البلاد، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة. كذلك رحب «السيسى» بمساعى التقارب بين تركيا وسوريا، داعياً فى النهاية إلى تحقيق الحل السياسى ورفع المعاناة عن الشعب السورى وفقاً لقرار مجلس الأمن فى هذا الشأن، مع الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها والقضاء على الإرهاب.

الرئيس أردوغان شدد خلال المؤتمر على دور تركيا ومصر الحيوى فى حفظ السلم والاستقرار فى المنطقة، مؤكداً رفضه أكاذيب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ضد مصر. وعلى صعيد الاتفاقيات المشتركة، قال أردوغان إن تركيا أكدت إرادتها فى تعزيز التعاون بين البلدين فى كل المجالات، بما فى ذلك الصناعة والتجارة والدفاع والصحة والبيئة والطاقة، وفى قطاعى الغاز الطبيعى والطاقة النووية، مشيراً إلى أن بلاده من أكبر 5 شركاء تجاريين لمصر. كما أكد عزم تركيا على رفع حجم التبادل التجارى إلى 15 مليار دولار سنوياً خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

تصريحات «السيسى» و«أردوغان» تعكس المستوى الذى وصلت إليه العلاقات من الثقة المتبادلة، خاصة أن زيارة الرئيس السيسى لتركيا، كما وصفتها القاهرة هى زيارة تاريخية بمعنى الكلمة، لأنها جاءت بعد انقطاع طويل، وبالتأكيد سوف تسفر عن نتائج إيجابية للشعبين وكذلك المنطقة، لما لمصر وتركيا من تأثير ومكانة بين شعوب الدول العربية والإسلامية.

شخصياً، أشعر بسعادة غامرة لطى صفحة التوتر بين مصر وتركيا، لأنه رغم اختلاف اللغة بين الشعبين، إلا أن هناك أموراً كثيرة متشابهة على مستوى العادات والتقاليد خاصة فى المدن الصغيرة البعيدة عن العاصمة، وهى تقاليد ينبع أغلبها من الدين الإسلامى، وبالتالى عندما تزور ريف تركيا أو حتى المدن والبلدات الحدودية سوف تشعر بأنك تزور مدناً مصرية مثل مطروح وسيناء، حيث تجد العائلات الكبيرة وثقافة القبائل. وقد كنتُ على ثقة خلال السنوات الماضية، أنه مهما شهدت العلاقات السياسية من فتور فى بعض الأحيان، فإن الارتباط الدينى والثقافى والتاريخى يعيد الأمور إلى مجراها.