رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«يا خبر»

تولى الولايات المتحدة اهتماما كبيرا باستطلاعات الرأى ودراسة الحالة بشأن الكثير من القضايا والأحداث سواء فى الداخل الأمريكى أو حتى القضايا الخارجية التى تؤثر بشكل مباشر أوغير مباشر على الولايات المتحدة, ولديها العديد من المؤسسات الدولية المتخصصة الموثوقة فى هذا الشأن. 

دفعنى الفضول لأعرف أين تقف استطلاعات الرأى الأمريكية من الحرب الدائرة فى غزة منذ 11 شهرا, أو بمعنى أدق لماذا تتبنى الولايات المتحدة دائما السردية الإسرائيلية وتساندها بكل قوة ودعم, كانت الإجابات لا أقول صادمة ولكن كاشفة, لعل أبرزها أن شعبية إسرائيل داخل الولايات المتحدة تزيد على شعبية الرئيس الأمريكى جو بايدن شخصيا!! 

فلنتأمل مثلا ما كشفت عنه استطلاعات للرأى تجريها مؤسسة جالوب الأمريكية بصورة دورية منذ 1975 تقول إن شعبية إسرائيل تزيد على شعبية الرؤساء الأمريكيين, وأظهر استطلاع أجرته المؤسسة خلال الفترة من (3 إلى 18) فبراير الماضى أن شعبية إسرائيل تبلغ 75%، وهى ثانى أعلى نسبة بعد نسبة 79% المسجلة فى عام 1991 بعد حرب الخليج.. وتزيد نسبة تأييد إسرائيل بين الأمريكيين هذا العام على نسبة تأييد الأمريكيين للرئيس جو بايدن، حيث بلغت نسبة التأييد له ولسياساته 53% مقابل معارضة 43% طبقا لاستطلاع أجرته شبكة «سى إن إن» على 1044 أمريكيا بين 21 و25 من إبريل الماضي, وتظهر الاستطلاعات أيضا أن النظرة إلى إسرائيل إيجابية من قبل أغلبية جميع المجموعات الحزبية على مدى العقدين الماضيين وفى آخر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة جالوب، رأى 85% من الجمهوريين إسرائيل بشكل إيجابى، مقارنة بـ77% بين المستقلين و64% بين الديمقراطيين.

إن مصدر القوة الكبيرة للمنظمة الصهيونية الأمريكية هو تعدد وتنوع اتصالاتها، ومعرفتها الدقيقة بأولئك الذين يتحكمون فى الموارد البشرية التى يستطيعون الاعتماد عليها داخل الولايات المتحدة, ومن هنا نستطيع الإجابة لماذا لم تنتهِ هذه الحرب فى غزة حتى الآن؟ ولماذا يكرر الساسة الأمريكيون فى اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأمريكان داخل اللوبى الصهيونى المسيطر فى أمريكا أنهم لن يفرضوا حلا للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على الإسرائيليين أو الفلسطينيين، ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل فى عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين.

منذ الأيام الأولى لنشأة الكيان الصهيونى، حرص قادة الكيان, على إقامة علاقات خاصة مع الولايات المتحدة ودعم سياسة العداء والتآمر ضد المصالح الوطنية للدول العربية وهذا الدور خططت له الصهيونية قبل قيام إسرائيل ونذكر هنا النداء الذى وجهه يهود أمريكا إلى الرئيس هارى ترومان فى أكتوبر ١٩٤٧ وقالوا نصا: «إن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد فى الأيام القادمة على حليف حازم، خير من دولة يهودية فى ذلك الجزء من العالم».

اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل نقطة انطلاق أمريكية فى الشرق الأوسط، ولعل هذا يفسر لنا الجملة الشهيرة للرئيس بايدن التى قالها عام 1986 عندما كان عضوا فى مجلس الشيوخ «إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط، لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها فى المنطقة». 

على مدار عشرة أشهر جاء الساسة الأمريكان وعلى رأسهم الرئيس بايدن إلى المنطقة رافعين شعار التفاوض والحل, لكن كلنا يذكر فى الزيارة الأولى لبايدن ووزير خارجيته أنتونى بلينكن لإسرائيل قال كل منهما: «لقد جئت إلى هنا كيهودى صهيونى»!! وكأن لسان حالهما جئنا هنا لتنفيذ مطالب إسرائيل أولا وما يتبقى هو ما سنتفاوض عليه!!

ليس خافيا أن معظم الإدارات الأمريكية المتعاقبة تضمنت شخصيات صهيونية مؤثرة وهذا يفسر لنا تشابك الدور الذى تلعبه إسرائيل مع خطط السياسة الخارجية للولايات المتحدة, حيث إن مصير إسرائيل مرتبط باستراتيجية الولايات المتحدة، التى تريد أن تظل إسرائيل مسمار حجا فى الشرق الأوسط من وجهة نظر براجماتية بحتة بغض النظر عن الرؤية التاريخية الدينية, فعلى سبيل المثال لا الحصر ضمت إدارة الرئيس الديمقراطى ليندون جونسون فى الستينيات اثنين من أبرز اقطاب الصهيونية الكبار هما «والت روستو» العقل الاقتصادى الكبير الذى شغل منصب مستشار الرئيس للأمن القومى، وآرثر جولدبيرج الممثل الدائم للولايات المتحدة فى الأمم المتحدة وهو صهيونى متطرف لم يخفِ أبدا انحيازه المطلق لإسرائيل, ولعب دورا خبيثا فى مجلس الأمن خلال حرب يونيو ١٩٦٧ بمشاركته مع وزير خارجية بريطانيا لورد كارادون فى تمرير القرار ٢٤٢ بصيغته الملتوية الخبيثة التى تضاربت بشأنها التفسيرات، وكان دائم التحريض لاسرائيل بعدم الانسحاب وتمكينها من البقاء فى الاراضى العربية التى احتلتها عام 1967 وأن تضع أمنها فوق كل اعتبار.

فى ادارة الرئيس الجمهورى ربتشارد نيكسون عام ١٩٦٩، برز الثعلب هنرى كيسنجر الألمانى الناجى مع أسرته من المحرقة النازية فى الثلاثينيات, يهودى صهيونى جمع بين منصب مستشار الرئيس للأمن القومى ووزير خارجيته، منذ عام ١٩٧٣ فى سابقة لم تحدث من قبل، كان نفوذه مطلقا وبلا حدود، أمسك كل الخيوط بيده وكان وراء كل ما جرى فى الشرق الاوسط من تحولات سياسية واستراتيجية جذرية شاملة وتحديدا منذ حرب اكتوبر ١٩٧٣.. كان كيسنجر محامى اسرائيل فى كل المباحثات والاتصالات مع الرئيس السادات فى مرحلة ما بعد حرب 1973 وفض الاشتباك.. وكان دائم التنسيق والتشاور مع رئيسة وزراء اسرائيل جولدا مائير وكانت موافقتها المسبقة شرطا اساسيا قبل أن يتقدم بأى طلب أو اقتراح للسادات وبخاصة حول شروط عملية فض الاشتباك بين القوات فى سيناء.. وهو لم يكن يتفاوض هنا بصفته وزيرا لخارجية الولايات المتحدة ومستشارها للأمن القومى وانما كيهودى صهيونى عاشق لإسرائيل. 

أخيرا مازلت أكرر إذا رغبت الولايات المتحدة في إنهاء حرب عزة فى يوم وليلة لفعلت والقرار بيدها, لكن ثمة توازنات كثيرة تضعها فى الاعتبار وعلى رأسها مصلحة إسرائيل وموقع الأخيرة داخل الولايات المتحدة.