رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

أعرف الجميل الجميل أحمد الشهاوى مبدعا ثقيلا، صاحب مشروع متنوع الطلات، طيب الآثار. يُسمى نفسه خطأ النحاة، أو العاشق، الغريب، الوقت فى رمله، ابن شريعتين، كتاب الشك، ما بعد الغد، وما بعد الكلام.

يبدو شاعرا مُبهرا يُجبرك على الإنصات والتبتل أمام معانيه وكلماته المشاعر عندما يقول «أنا كُل الحروف التى لم يلدها اسمي/ البلاد التى فشل الجغرافيون فى وصل أياديها/ المأخوذ إلى ما وراء الظل».

 ويطربك شجنا عندما يقول فى قصيدة له متسائلا: «ماذا لو مت وحيدا فى الليل؟/ من سيُكفن لغتي؟/ من سيكفكف دمع الكتب الصاحية على رأسي؟/ ومن سيلقن شعري/ شهادة أنى كنت بلا أشجار تنبت فى كفىَّ؟/ ماذا لو ضرب الضغط دماغي؟/هل تختل موازين الأرض/تموت طيور كانت تحيى من إيقاع كلامي/ماذا لو جرؤ الموت وجلس على ركبة كرسى لي/ وخط خطاب وفاة لا رحمة فيه ولا استمهال/ من سيمدد لوحا محفوظا فوق الصدر؟/ ومن سيُهيئ سفرى للنسيان الأبقى؟»

لكن هذا الشاعر الجميل له وجه آخر مُهم، ومُعلم هو وجه الباحث المستكشف المُتتبع للسير، والمستخلص للمخبوء، وهو ما يبوح به كتابه الجميل «سلاطين الوجد» الصادر عن المصرية اللبنانية حيث يتناول فيه استقراء لسير ونصوص ثلاثة من أهم أئمة الصوفية العظام الذين صاغوا تصوراتهم عن الحب الإلهى بنقاء وسحر خلاب، وهُم ذو النون المصري، وأبوبكر الشبلي، والنفّري.

يبدو الصوفيون نماذج مُحببة على التدين الشعبي، الخال من الغلو، فهُم لا يكفرون أحدا من أية ملة، وهم زاهدون فى المال والنفوذ، وهم بعيدون عن الصراعات والتناحر، وهم مشغولون بالله فقط.

وقد لاحظ الشهاوى أن المتصوفة فى مصر مثل غيرهم فى العالم الإسلامى مستهدفون ومطاردون ودائما يساء بهم الظن، رغم أن ما تركوه من نصوص وحكم وأقوال تصب جميعا فى باب التقرب من الله.

فذو النون المصرى ابن اخميم، الذى اعتبره البعض رأس الصوفية، عاش فى مصر فى القرن الثانى الهجري، وكان حديث عصره من الناس، فحنق عليه الفقهاء، ونقلوا عنه نقولات مزورة، حتى استدعاه الحليفة فى بغداد، فُحمل إليه مكبلا بالحديد.. ولكن ذا النون دخل على الخليفة فوعظه ونصحه، فأحبه الخليفة وقال للناس إنه رجل برىء مما يقولون.

 وليس أدل على جمال ذى النون من تكرار بعض مأثوراته مثل «الكريم يعطى قبل السؤال، ويعذر قبل الاعتذار، ويعف قبل الامتناع». ومنها أيضا «من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلما من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنسا من غير جماعة». ومنها قوله « الأنس بالله نور ساطع، والأنس بالخلق غم واقع».

أما أبو بكر الشبلي، فهو متصوف كتوم، صاحب الحلاج لكنه لم يجهر بكلامه مخافة أن يساء فهمه ويُكفره العامة. وكان أبرز ما تعرض له الشبلى هو حجب نصوصه، حتى أن المصادر التى رصدتها نادرة، وهو ما دفع الباحث أحمد الشهاوى أن يجمع لنا بعض أشعاره ليكشف لنا كيف أنتجت بلادنا قبل قرون طويلة كل هذا الجمال فى الحب الإلهى والتسامح.

يقول «الشبلي» : «إن الذين بخير كُنت تذكرهم/ هُم أهلكوك وعنهم كُنت أنهاكا/ لا تطلبن حياة عند غيرهمُ/ فليس يُحييك إلا مَن توفاكا». ويقول أيضا «يُحبك قلبى ما حييت فإن أمُت/ يُحبك عظمٌ فى التراب رميمُ».

أما محمد بن عبد الجبار النفرّى فقد سبق وكتب عنه أدونيس أنه يضيء الكتابة العربية على إطلاقها بجمال بدائعه.

وفى تحليل مؤلف «سلاطين الوجد» فإن النفَّرى لديه لغة لا تشبه سوواه من الصوفيين، فهى جديدة فى حرفها ومعناها ووجدها، فهو يقول مثلا « إذا جئتنى فألق العبارة وراء ظهرك، وألق المعنى وراء العبارة، وألق الوجد وراء المعنى». وهو شخص عصى على التصنيف الأدبى الأكاديمي، موثوق بقلوب سامعيه، إذ يقول «يا عبد قيمة كل إمرىء حديث قلبه».

لقد كان الحب الإلهى محل فحص وارتياب من معسكرات التفتيش الدينى عبر العصور، لكنه انتصر، والدليل أن نصوصه وصلتنا.

والله أعلم

 

[email protected]