رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حتى نلتقي

18 عامًا تمر هذا الأسبوع على رحيل العبقرى نجيب محفوظ، ولم يحاول أى أحد من صناع السينما أو الدراما أن يقدم رائعتيه الفاتنتين (رحلة ابن فطومة/ 1983)، و(العائش فى الحقيقة/ 1985) على الشاشة، سواء الكبيرة أو الصغيرة، وهو أمر أتمنى تداركه سريعًا، وسأشرح لماذا؟

كتب محفوظ الرواية الأولى (رحلة ابن فطومة) وعمره 72 عامًا تقريبًا، بينما أنجز الثانية (العائش فى الحقيقة) وقد تجاوز الرابعة والسبعين، أى أنه تصدى لكتابة هاتين الروايتين بعد أن عاش الحياة بطولها وعرضها.. بحلوها ومرها، إذ ولد عام 1911 فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى وعدد سكان مصر آنذاك نحو 11 مليون نسمة، ولما كتب هاتين الروايتين تضاعف العدد أربع مرات، فصار 43 مليون إنسان تقريبًا.

من هنا أدرك الرجل كيف يعتصر جوهر الحياة ويقطر أبرز خصائص ذلك الجوهر ليقدمه لنا فى نصوص أدبية بالغة العمق والروعة والجمال.

أرجو ألا تظن أن الأمر يقتصر على خبرات محفوظ المكثفة مع الحياة فحسب، بل مع اللغة العربية الفصحى أيضًا، إذ عرف صاحب نوبل 1988، بامتداد عمره الطويل وعشرات الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والمقالات التى كتبها، علاوة على موهبته الخارقة، أقول عرف كيف يطور مهاراته اللغوية مع مرور السنين لتغدو أكثر فصاحة وحلاوة وكثافة وتعبيرًا عن مكنون النفس البشرية بكل ما يموج بها من تناقضات وصراعات وأحلام وآمال وإحباطات وخيالات إلى آخره.

أعلم طبعًا أن هاتين الروايتين فى حاجة إلى إنتاج ضخم ليتم تحويلهما من دنيا الورق فى كتاب إلى عالم الأطياف على الشاشة، وأنهما فى حاجة أيضًا إلى مخرج متفرد وسيناريست متميز وممثلين أكفاء كى ينقلوا لنا، قدر المستطاع، السحر الكامن فى تلك الروايتين.. ولا أظن أن مصر ينقصها لا هذا ولا ذاك، فالأموال موجودة، والمبدعون المحترمون حاضرون، فقط ينقصنا الرغبة والإرادة، وعلينا الإلحاح على توافرهما سريعًا.

لا يغيب عن ذكاء القارئ أن المسافة واسعة بين الرواية الجيدة، وبين الفيلم المأخوذ عن هذه الرواية مهما كانت جودته، فالنص المكتوب بإتقان يمنح القارئ الحصيف العديد من المتع عندما يطلع عليه بتركيز، حتى يمكن لهذا القارئ أن يغدو، وهو يقرأ وينفعل بما يقرأ، هو البطل والمخرج والمؤلف.

صحيح أن السينما أو الدراما تعملان على انتشار الرواية واسمها وصاحبها بين ملايين الناس من الطبقات كافة، لكن يظل عشاق اللغة يثمنون النص المكتوب ويجدون فيه أرفع المتع وأكثرها رهافة وحساسية.

ولعل رواية واحدة لمحفوظ، وهى (ملحمة الحرافيش/ 1977) التى قدمتها السينما فى نحو ستة أفلام منفصلة... أقول... لعل قراءة (الحرافيش) لمن يعشق الأدب الراقي، تهبه من المتع أضعاف ما تمنحه هذه الأفلام الستة بنجومها ومشاهدها وموسيقاها التصويرية.

ومع ذلك، علينا الدعوة، بل الإلحاح، على ضرورة تقديم (رحلة ابن فطومة)، و(العائش فى الحقيقة) على الشاشة، حتى يستمتع بهما عشاق السينما والدراما وهم بالملايين.

أجل... نجيب محفوظ كنز لا يفنى.