رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أوراق مسافرة

أواصل معكم ما بدأته الأربعاء الماضى بأن أى مجتمع يظهر معدنه الحقيقى ومدى ترابطه وتراحمه فى وقت الأزمات، أو بالطبع يظهر مدى أنانيته، ومؤكد أن الشعور الفطرى والإنسانى يسير بالجماعة دونما إرادة تجاه النجاة والرغبة فى الابتعاد عن أى خطر، لكن رغبة النجاة لا يجب أن تكون فردية نرجسية على حساب حياة وسلامة وأمان الأخرين. فأى شعور إنسانى بالراحة والسعادة هذا يمكن أن يكون إذا ما بنينا راحتنا، ثراءنا، سعادتنا على أطلال الآخرين وعلى حاجتهم وفقرهم وقهرهم بالعوز وضياع الحق؟ مؤكد الطبيعى على الفطرة الإنسانية لن يفعل ذلك أبدًا، كما لن يفعل أيضا ذلك من تعرض للظلم والقهر والعوز، بالطبع باستثناء من أصيبوا بأمراض نفسية لما عانوا منه مثلًا فى مرحلة ما، فأصبح لديهم هذا الشعور الغبى الوحشى بالانتقام من كل ممن حولهم بأى وسيلة ليذيقوهم نفس ما طعموه من الألم والظلم. ولعلنى أسوق هنا مثالًا حيًا على ما أقوله فى تلك الشعوب التى ذاقت ويلات الحروب، على غرار الدول الأوربية فى الحربين العالمية الأولى والثانية، لقد عانت تلك الدول من ويلات القتل والخراب الإقتصادى والدمار بالبنية التحتية والإذلال فى المأكل والمشرب للشعوب، وخرجت هذه الدول من الحرب مستنزفة أيما استنزاف، لكن ما أن وضعت الحرب أوزارها، إلا وانتفضت صحوة كالمارد داخل مجتمعات هذه الدول، صحوة وطنية لا مثيل لها لإعادة بناء الوطن كل منهم فى مكانه، الكبير، الصغير، المسن، حتى المعاقين من ذوى الإحتياجات أصبحوا يبحثون عن أدوار فى المجتمع للعمل قدر إمكاناتهم لبناء وطنهم والدفع به للأمام بقوة واحدة لا تنافر فيها ولا تنازع ولا بحث عن أدوار للبطولة ولا عن مكاسب شخصية، الكل كان يعمل فى اتجاه واحد، اتجاه البناء والتنمية، والويل كل الويل لمن يعمل عكس الاتجاه. توافقت قمة الهرم الاجتماعى من القيادات والساسة مع القاعدة من الشعب فى نغمة واحدة «لنا وطن سنبنيه معا»، لذا كان دستور أى دولة من هذه الدول مع حزمة قوانينها حاسمة، واضحة، مشددة، قوانين تكفل الحياة الآدمية الجيدة للجميع دون تفرقة، وتشدد فى نفس الوقت الحماية للمال العام ومقدرات الدولة الاقتصادية بكل ثرواتها ومؤسساتها الإنتاجية. وسارت هذه القوانين المشددة العقوبات لتكيف جريمة المساس بالمال العام جريمة غليظة تفوق فى بشاعتها جرائم قتل النفس، فسرقة المال العام والإضرار به أو تعطيل مسيرته التنموية بالفساد والرشوة والمحسوبية، إنما جريمة عقوبتها اكبر من عقاب قتل الإنسان، فهى فى تكييفهم جريمة قتل مجتمع بأكمله بسرقة حقه أو التلاعب به أو تعريضه للأذى لإفقاره وتعطيل اقتصاده وتنميته. وهو أمر متناقض تمامًا مع ما يحدث فى بلدنا الحبيب، فعقوبة القاتل السجن مؤبد أو الإعدام، وعقوبة سارق أموال الشعب ومخربها ومفسد الاقتصاد ومدمره عقوبات لا تذكر بالسجن بضع سنوات، هذا إن تمت المعاقبة أصلًا، لأن الأغلب يفلتون من العقاب ليتمتعوا بأموال الشعب وبكنوز البلد المنهوبة فى أمان. وهكذا اتفقت قوى الشعب بتلك الدول الأوروبية الخارجة من الحرب مغ القوى السياسية على البناء فى اتجاه واحد للأمام، لخلق وطن جديد من لا شيء، وطن قوى يصمد أمام أى حرب جديدة محتملة، سواء صمود بالتسليح، بالبناء والإعمار، أو بالاقتصاد القوي، وكان الهدف متمثلًا فى عبارة قوية «وطن قوى يصمد ولا ينهار أمام أى حرب أو اهتزازات اقتصادية»، ومعلوم أن تلك الدول ركزت على بناء الاقتصاد والإنتاج المحلي، وإغلاق باب الاستيراد قدر الامكان، وادى التركيز على الإنتاج الداخلى إلى استقرار قيمة العملة قدر الإمكان وعدم اهتزازها أمام الدولار أو الين، وتم الاعتماد على المساعدات والدعم من دول اخرى على رأسها امريكا وخطة مارشال لإعادة الإعمار، وتجنب الديون قدر الإمكان لعلمهم ان الديون هى افقار للدولة بعد حين. فى حين تعاونت القوى السياسية بمختلف توجهاتها الأيديولوجية، يسار، يمين، وسط، ليبراليين، اتفقت على التوافق ولا أقول الإندماج والذوبان، توافقت فى حكومات ائتلافية غالبا، يتنافس فيها الجميع بشرف وقوة من أجل خدمة الوطن، وتقديم أفضل الأفكار والخطط والحلول لمشاكل البلد والشعب، ولا تكاد الخلافات السياسية ولا الصراعات الحزبية تذكر فى بلدان أوروبا فى تلك السنوات التى تلت الحرب العالمية الثانية، ويمكن القول بأريحية بل وحتى الأن، فقد كان التنافس فقط على تقديم الخطط الأفضل للدولة فى كافة المجالات من أجل إثراء وطن ورفاهية شعب بكل فئاته دونما أى تفرقة، وأصبح المجموع يعمل لمصلحة الجميع، وللحديث بقية..

fekria63 @yahoo.com