رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بعد حصول طلابها على 90% وأكثر:

«مدارس الغشاشين» طعنة فى قلب «التربية والتعليم»

بوابة الوفد الإلكترونية

لجان أولاد الأكابر أفسدت التعليم فى كليات الطب والهندسة وسرقت فرحة المتفوقين 

خبراء: لجان الغش تقضى على تكافؤ الفرص وتؤكد انهيار قيم المجتمع 

مطلوب تحقيق وزارى فعلى وتغيير نظام الامتحانات وإعادة الأسئلة المقالية وتغيير نظام القبول بالجامعات

 

ما زالت أصداء نتيجة الثانوية العامة تتردد فى أجواء مصر، وما زالت ظاهرة «مدارس الغشاشين» تطفو على الأحداث، فكل يوم نكتشف الجديد فى تلك الظاهرة التى انطلقت منذ عدة أعوام ولم تتوقف حتى الآن، وهى ظاهرة لجان «ولاد الأكابر» الذين يتم تسريب إجابات الامتحانات إليهم لتأتى نتائجهم شبه متطابقة وجميعهم يحصلون على مجاميع فوق الـ90%، بل ويلتحقون بكليات القمة وتكون نتائجهم فيها كارثية. 

هذه الظاهرة انتشرت أولا فى محافظات اسيوط وسوهاج خلال الأعوام الماضية، ثم انتقلت إلى محافظات الوجه البحرى، حيث تم رصدها هذا العام فى مدرستين بمحافظتى الدقهلية والشرقية، وحصل فيهما أكثر من 800 طالب وطالبة على مجاميع فاقت الـ90%.

هذه الوقائع ليست الأولى من نوعها، حيث شهدت محافظة سوهاج وقائع مماثلة عرفت بلجان ولاد الأكابر فى امتحانات العام الدراسى 2022/ 2023، والتى شهدت غشا جماعيا نتجت عنه مجاميع عالية لجميع الطلاب المنتمين لعائلة واحدة، لذا فى امتحانات الثانوية العامة 2024، قررت وزارة التعليم، وضع 5 مدارس من المدارس المعروفة بلجان أولاد الأكابر فى بسوهاج تحت الإشراف المالى والإدارى للوزارة، وهى مدرسة النيل الخاصة وابن عطاء الخاصة بمدينة دار السلام، ومدرسة المناهل الخاصة ومدرسة دريم بإدارة أخميم التعليمية، ومدرسة ضيف الله الخاصة سيتى.

وبعد إعلان نتيجة الثانوية العامة هذا العام تبين تكرار نفس الأمر فى محافظتى الشرقية والدقهلية، وأثار نشر النتيجة موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعى، حيث اعتبرها الكثيرون تكرارا لجرائم الغش الجماعى التى حدثت فى السنوات الماضية.

جدير بالذكر أن نتائج اختبارات طلبة الفرقة الأولى بكليات الطب جامعة أسيوط كشفت كارثة ما يحدث فى اختبارات الثانوية العامة، حيث رسب 60% من طلاب الفرقة الأولى بها، وكشف الدكتور علاء عطية عميد الكلية، أن 60% من طلاب الفرقة الأولى بالكلية رسبوا فى الامتحانات، مشيرا إلى أن عدد الطلاب المقيدين بالكلية يقارب الـ1207 طلاب، وأوضح أن النسبة الكبيرة من الطلاب الراسبين للوافدين من الخارج، وعددهم يصل لـ339 طالبا.

وفى 2022، شهدت مواقع التواصل فى مصر ضجة كبيرة بسبب رسوب 229 طالبا من أصل 671 طالبًا بالفرقة الأولى بكلية الطب بجامعة سوهاج، وبلغت نسبة الناجحين ربع عدد الطلاب فقط، نفس الأمر تكرر فى كلية الطب بجامعة أسيوط، والتى رسب فيها 720 طالبا من إجمالى 1207 طلاب، بينما رسب أكثر من 70% من طلاب الطب البشرى بجامعة جنوب الوادى، وفى كلية طب الأسنان بنفس الجامعة لم ينجح سوى 52 طالبا فقط بنسبة رسوب وصلت 80%.

الغش محطم الآمال

ومن جانبها، قالت جهاد محمود دكتورة مناهج وطرق تدريس اللغة العربية، إن الغش محطم الآمال، حيث كثرت ظاهرة الغش فى المدارس عامة، وفى مرحلة الثانوية العامة خاصة، على الرغم كل وسائل مواجهة الغش كل عام، ولكن هيهات! فسرعان ما نجد تسريب الامتحانات قبل بدء موعدها بساعات وأحيانا أثناء تأدية الامتحان، واستفحل الأمر فى بعض اللجان بالمحافظات حيث يترك المراقبون الحبل على الغارب للطلاب لدخول الامتحانات بسماعات وأجهزة محمول والغش الجماعى، وأيضا السماح لبعض الأشخاص خارج اللجان باستخدام مكبرات الصوت وغيرها من وسائل لتوصيل الإجابات للطلاب، فلماذا يحدث ويتكرر هذا كل عام؟ ولصالح من؟ وهل لجان الامتحانات أصبحت مباحة لمن يدفع أكثر؟

وتابعت الدكتور جهاد محمود قائلة: هذا الأمر يحتاج إلى وقفة من كل شخص مهموم بقضايا هذا المجتمع وبمستقبل أبنائه، ويحتاج إلى تدخل سريع وحاسم، فقد سمعنا خلال الأعوام السابقة عن رسوب كثير من الطلاب فى كليات الطب بأسيوط وسوهاج، لأنهم دخلوا هذه الكليات بالغش وليس بمجهودهم الذاتى، فلماذا لا نستفيد من الأخطاء السابقة ويتم معاقبة كل مسئول أيا كان منصبه عن عمليات الغش؟ 

وأضافت هذا العام تكررت ذات المشكلة فى الشرقية وأسيوط والمحلة وغيرها وحصل كثير من الطلاب على مجموع فوق الـ90% مما يؤهلهم لدخول كليات الطب والهندسة، أيعقل هذا؟ ولصالح من؟ كما أن هذا الغش تسبب فى رفع مؤشرات تنسيق المرحلة الأولى، وحرم المجتهدين من الالتحاق بالكليات التى يرغبون فيها.

وأكدت الخبيرة التربوية، نحن أمام مشكلة تعليمية اجتماعية سياسية تتداخل فيها عناصر إجرامية خسيسة متعددة تسعى لتخريب هذا المجتمع، والحصول على أعلى مجموع لأبنائهم بطرائق غير مشروعة، وهنا لا بد من وقفة حقيقية لمثل هؤلاء الذين يسرقون الأحلام ويحطمون آمال الطلاب وأسرهم، مؤكدة أن التعليم أمن قومى وقاطرة المستقبل لمواكبة التطور التكنولوجى ومواجهة تحديات العصر.

ولفتت إلى أنه وجب التصدى لتلك الأزمة المتفشية فى مجتمعنا وذلك من خلال: التفتيش اليومى على السماعات والمحمول وكل وسائل الغش قبل دخول اللجان، ومنع أى أشخاص لا علاقة له بالامتحانات من الوصول إلى اللجان، مع وجود حراسة أمنية حازمة داخلية وخارجية، ونظم مختلفة للامتحان وذلك بإعادة الأسئلة المقالية للامتحانات والتى تتطلب التفكير وإعمال العقل والإبداع فى جميع المواد الدراسية والتقليل من الأسئلة الموضوعية التى تساعد على التخمين والغش، وأن يضع أسئلة الامتحانات متخصصون على أعلى مستوى من الناحية الأكاديمية والتربوية والمهنية، وأن تكون هناك مرونة وشفافية فى التعامل الفورى والسريع مع وسائل التواصل الاجتماعى التى تقوم بتسريب الامتحانات، ومعرفة من المتسبب فيها وملاحقته بشكل عاجل وسريع، ووضع لجان حازمة على الكنترول لمنع تزوير وتبديل النتائج والأوراق، ولمنع تسريب النتائج كما حدث ويحدث كل عام.

سلبيات 

ومن جانبه، طالب النائب عصام العمدة عضو مجلس النواب بأهمية القضاء على ظاهرة الغش من جذورها ومحاربة لجان الغش والشغب، حيث إن لهذه الظاهرة سلبيات كثيرة تؤثر على العملية التعليمية فى مصر، وتؤدى إلى تدنى مستوى التحصيل العلمى للطلاب.

وأوضح العمدة أن مشكلة مدارس الغشاشين لها أكثر من جانب، وهى تبدأ من منظومة التربية والتعليم والمدارس، حيث أصبح المعلمون غير متفرغين للشرح بل للدروس الخصوصية والسناتر والأون لاين، ثم التابلت والذى يكلف 6 مليارات جنيه، ولو أنه تم دفع تلك الأموال للاهتمام بالمعلمين والطلبة لكان أفضل، ثم هناك مدارس فى الصعيد يكون المعلم الواحد هو المسئول عن جميع المواد، بالإضافة إلى أنه توجد مدارس يتم فيها تهديد المراقبين إذا امتنعوا عن منح الفرصة للطلاب للغش، حيث يقوم أهالى الطلاب بالتعدى عليهم وضربهم، حيث لا توجد سيطرة على تلك المدارس، مثل مدارس «البدارى والغنايم» بأسيوط ومدرسة«ساقلته» بسوهاج، مطالبًا الوزارة بعودة هيبة المعلم مرة أخرى وإعلاء شأنه وتوفير الحماية الكاملة له، موضحا أن البرلمان ليس بيده فعل أى شىء.

وفى نفس السياق، تحدث الدكتور تامر شوقى، أستاذ علم نفس التربوى بجامعة عين شمس، مشيرًا إلى أنه ظاهرة مدارس الـ90% وأكثر أصبحت لافتة للنظر بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة فى كل عام، وهو أمر يتنافى مع كل قواعد التقويم التربوى ومبادئ الفروق الفردية بين الطلاب التى تقتضى تباين الطلاب فى درجاتهم بحيث يحصل أقل من ٣٪ فقط على مجاميع مرتفعة، بينما يحصل باقى الطلاب أما على مجاميع متوسطة أو منخفضة، لكن ما يحدث هو العكس حيث حصل أكثر من ٩٠% من الطلاب على مجاميع مرتفعة جدا، ولا يمكن تفسير ذلك إلا بحدوث غش جماعى.

وتابع «شوقى»، لا شك أن مشكلة الغش هى من أخطر المشكلات التى تؤثر بشكل كبير على عدالة العملية التعليمية، وتقضى على تكافؤ الفرص التعليمية، وتجعل الطالب الغشاش يحصل على حق الطالب المتفوق، والأخطر من ذلك هو ما قد يسببه المهندس الغشاش والطبيب الغشاش عند تخرجهما، كما أن الغشاش يجعل الشهادة مجرد ورقة لا لزوم لها فاقدة القيمة.

ووضع الخبير التربوى، عدة أسباب وراء انتشار الغش، وهو عدم اهتمام الوالدين بغرس القيم الدينية والاخلاقية لدى الطلاب فى سن مبكرة مثل الأمانة والاتقان، وافتقاد المدرسة لدورها التربوى والتعليمى، وتركيز وزارة التربية والتعليم على مكافحة الغش فى بعض المحافظات التى اشتهرت بالغش فى السنوات الأخيرة دون باقى المحافظات، وبالتالى ظهرت لجان غش جديدة فى محافظات أخرى، وتوجه أولياء الأمور نحو ضرورة تفوق أبنائهم بأى وسيلة ولو بالغش، وسهولة غش أسئلة الاختيار من متعدد فى دقائق معدودة، وصعوبة السيطرة الكاملة على امتحانات الثانوية العامة التى يتم عقدها فى كل أنحاء الجمهورية فى نفس الوقت، وصعوبة بعض الأسئلة ونظام الامتحانات نفسه الذى يدفع الطلاب إلى الغش واستخدام اجهزة رقمية حديثة جدا مثل السماعات والساعات.

وعن طرق منع الغش، أوضح شوقى أنه يجب تغيير نظام الامتحان من البابل شيت إلى البوكليت، وإعداد نماذج مختلفة من الامتحان بحيث يتضمن كل نموذج أسئلة مختلفة تماما، ومضاعفة أعداد المراقبين والملاحظين ورجال الأمن، وعودة دور المدرسة، ونشر ثقافة نبذ الغش فى جميع وسائل الإعلام ودور العبادة، واستخدام اجهزة حديثة للكشف عن الغش ومنعه.

انهيار قيم المجتمع

وفى إطار آخر، تساءل مصطفى كامل، الخبير التربوى، قائلًا: «انتشار ظاهرة الغش الجماعى هل بسبب فشل منظومة التعليم أم انهيار فى قيم المجتمع» وأجاب قائلا: منذ أكثر من عشرة سنوات وظاهرة الغش الفردى والجماعى منتشرة فى التعليم المصرى خاصة فى الثانوية العامة، ما يساهم بشكل كبير فى انهيار العملية التعليمية والتى تعتبر أمنا قوميا، ولا يمكن أن نلقى اللوم على فئة أو جهة معينة ونترك الجوانب الأخرى التى ساهمت بشكل مباشر إلى الوصول إلى هذا الوضع السيئ، خاصة وأن مصر ساهمت بشكل كبير فى إنشاء وتطوير ومتابعة نجاح منظومة التعليم فى جميع الدول العربية ومعظم الدول الأفريقية.

وأضاف: كانت البداية مع ظهور شاومينج الذى ساهم بشكل سلبى فى إحداث خلل فى منظومة الامتحانات فى مصر، ومن الغريب أن الدولة بجميع مؤسساتها المختلفة لم تستطيع أن تضع حلا لوقف هذه المهزلة بل على العكس أخذ نفوذ شاومينج وانتشاره يزداد عاما بعد عام.

وتابع «كامل»، مع التقدم الملحوظ فى وسائل التكنولوجيا الحديثة من هواتف ذكية وسماعات حديثة، تطورت أساليب الغش الجماعى التى لم تستطع الدولة مواجهتها أو الحد منها، وللأسف الشديد ساهمت وزارة التربية والتعليم فى عدم السيطرة على ظاهرة عدم النظام والغش الجماعى داخل لجان الثانوية العامة، وذلك عندما كلفت عاملين فى الإدارات التعليمية، ومعلمين من خارج المرحلة الثانوية مثل معلمى رياض الأطفال ومعلمى التعليم الفنى، ممن ليس لهم خبرة بالتعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة بأعمال الملاحظة داخل اللجان، لافتًا إلى أنه لا يمكن أن ننكر أن نظام التنسيق الجامعى ساهم بشكل ملحوظ فى سعى الطلاب وأولياء أمورهم وراء الحصول على أعلى مجموع يؤهله للالتحاق بكليات القمة التى تضمن وظيفة مرموقة وواجهة اجتماعية من وجهه نظرهم.

وأوضح أنه نتيجة لظاهرة الغش الجماعى ارتفعت معدلات التنسيق الجامعى وهو ما يؤثر بالسلب على الطالب الذى حصل على مجموع منخفض بمجهوده، ومن هنا نأتى إلى مشكلة أخرى وهى انهيار منظومة التعليم الجامعى، خاصة كليات القمة التى وصلت إليها أعداد كبيرة لا تستحق الالتحاق بها والنتيجة إما استكمال النجاح بالغش، والذى ينتج عنه عدد خريجين فاشلين يساهمون بشكل كبير فى هدم المجتمع، أو الفشل فى هذه الكليات.

ووضع الخبير عددا من الحلول التى يجب أن يتكاتف الجميع معها لوقف هذا النزيف وهى تصحيح مفاهيم الأسرة والمجتمع عن الهدف من التعليم وهو إعداد خريج جيد لسوق العمل وليس فى مجال محدد، وتكليف معلمين ومعلمات المرحلة الثانوية فقط بأعمال الامتحانات فى شهادة الثانوية العامة، وإعطاء وقت كاف لعملية التصحيح دون التسرع فى إعلان النتائج، وتشغيل كاميرات المراقبة الموجودة بالفعل داخل السبورات الذكية فى جميع فصول المدارس الثانوية، وتفعيل حقيقى لدور الأمن خارج اللجان، وتفعيل دور المتابعة من المسئولين فى الإدارات التعليمية والمديريات وكذلك الوزارة، وتفعيل وتغليظ عقوبة الغش والمساهمين والمتسببين فيها، ورفع قيمة مكافأة الامتحانات للمعلمين لتحفيزهم، ونبذ ظاهرة الغش فى وسائل الإعلام ودور العبادة، وتغيير نظام التنسيق للالتحاق بالجامعات، ووضع آليات للتقويم لتتناسب مع محتوى المناهج التعليمية.