رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). 

وإن أهم فارق بين العلماء الوسطيين المتخصصين وغيرهم من المتشددين هو مدى فهم هؤلاء وأولئك لقضايا الحل والحرمة, والضيق والسعة, فالعالم الحقيقى يدرك أن الأصل فى الأشياء الحل والإباحة, وأن التحريم والمنع هو استثناء من الأصل , يقول الحق سبحانه: «قل لَّا أَجِدُ فِى مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ« (الأنعام: 145) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وحدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحثُوا عَنْهَا» (رواه الدارقطني) , ويقول (صلى الله عليه وسلم): «ما أَحَلَّ اللهُ فى كتابِه فهوَ حَلالٌ، وما حَرَّمَ فهوَ حرامٌ، وما سَكَتَ عنهُ فهوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ وما كان رَبُّكَ نَسِيًّا» (الطبراني) .

أما الجهلاء والمتشددون فيجعلون الأصل فى كل شيء التحريم والمنع, ويطلقون مصطلحات التحريم والتفسيق والتبديع والتكفير دون وعى، غير مدركين ما يترتب على ذلك من آثار, وغير مفرقين بين التحريم والكراهية ولا حتى ما هو خلاف الأولى , فصعبوا على الناس حياتهم , ونفروهم من دين الله (عز وجل) وهو ما حذر منه نبينا (صلى الله عليه وسلم) , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ” (مسند أحمد) , وقوله لسيدنا معاذ بن جبل (رضى الله عنه) عندما شكا إليه (صلى الله عليه وسلم) بعض الناس أنه يطيل بهم الصلاة: «يا مُعاذُ، أفتَّانٌ أنت؟» (سنن أبى داود) .

وأما العلماء الحقيقيون فيدركون بما لا يدع أى مجال للشك أو الارتياب أو حتى الجدل أن الأديان إنما جاءت لسعادة الناس لا لشقائهم , حيث يقول الحق سبحانه: «طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى» (طه : 1 , 2) , ويقول سبحانه: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (الحج : 78) , ويقول سبحانه: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (البقرة: 185).

ويعلمون  أن الفقه رخصة من ثقة, وأن الفقه هو التيسير بدليل , وأن النبى (صلى الله عليه وسلم) ما خُيِّر بين أمرين إلَّا أخذ أيسرَهما، ما لم يكن إثمًا أو قطيعة رحم، فإن كان إثمًا أو قطيعة رحم كان أبعد النَّاس عنه. 

دور العلماء هو أن يأخذوا بأيدى الناس بالحكمة والموعظة الحسنة إلى طريق الشريعة السمحاء النقية بلا إفراط أو تفريط ، فتحت مسمى الالتزام والأحوط والاحتياط فتحت أبواب التشدد التى ساقت وجرفت الكثيرين فى طريق التطرف، حتى ظن الجاهلون أن التحوط فى التدين يقتضى الأخذ بالأشد، وأن من يتشدد أكثر هو الأكثر تدينًا وخوفًا من الله (عز وجل)، وتحت مسمى التيسير فتحت بعض أبواب الخروج عن الجادة, وديننا يريدها وسطية سوية, لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, بلا غلو ولا تقصير.

الأستاذ بجامعة الأزهر