رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المستشار الجليل بهاء المرى، له العديد من المؤلفات القانونية التى ترقى إلى مصاف الأدب القضائى، فهوا أحد رجال مصر العظام من أعضاء السلطة القضائية، الذين يحكمون بين الناس بالعدل لأن إقرار العدل إلزام إلهي، بقوله تعالى: «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» الآية ٥٨ من سورة (النساء)، فقد خص الله هذا الفقيه الجليل، بأن يحكم بشريعة الحق والعدل والإنصاف، مستمدًا هذه الأحكام من الشريعة الإسلامية الغراء، وما أوجبه القانون الوضعى فى قواعد نصوصه الآمرة، وعلى أثار تكريس هذه الأحكام والنصوص يسود حكم العدل فى الأرض، وعلى أساسه يطبق القانون على الجميع دون محاباة لأحد، حتى يطمئن الناس على حياتهم وعلى حقوقهم المادية وحرياتهم الشخصية، تلك هى الروح والعقيدة التى يسدى بها أعضاء السلطة القضائية، فى أداء مهام واجباتهم الوظيفية لحماية الحق، وينطقون الحكم بلسان العدل لكى ينبلج الحق ويستبين فى حماية حقوق المتقاضين.

وأنا أطالع مباحث من كتاب «النَّجْمُ الذى هَوَى»، أجد أن المؤرخ المستشار المرى قد عرض سيرة إبراهيم الهلباوى، بأسلوب واضح المعنى فى تخيره لحسن الكلمات وسلاستها، وأسهل الألفاظ وأعذبها بحكمته البليغة التى تسكن العقول والقلوب وتصغى لها الآذان، عندما نطوف ونبحر فى محيط جلال وجمال الكلمات، نجد أن الكاتب يدخل بنا فى عبق التاريخ، ويسرد لنا شخصية الهلباوى، بأسلوب علمى وضح فيه كل الشواهد الأدبية عندما بدأ حياته الوطنية الصادقة، بكتابة عدة مقالات فى الصحف ظهرت فيها مقاومته للظلم والاضطهاد وفساد الحكومة، وعندما تطلع لممارسة المحاماة كأنه كان يرسم لنفسه مستقبل حياته الوطنية والسياسية والفكرية، ومقاومته المستمرة لقوات الاحتلال الإنجليزى، حتى أصبح المثل الأعلى والقدوة لكل من يسلك مهنة المحاماة، بعد أن كان ينظر المجتمع إليها نظرة محدودة فى نطاق ضيق كما وصفها الكاتب بقوله كانت «مهنة لا مهنة له»، ولكن بعد أن اتخذ الهلباوى المحاماة مهنة له، جعلها رسالة وعقيدة أكثر شموخًا ورسوخًا لم تعد تتفق مع نظرة المجتمع فى نظرته السطحية الأولى لها،وبعد أن أقام الهلباوى الأساس القانونى والقواعد المنظمة لكل من يريد أن يمتهن هذه المهنة.. وقد تطرق المرى إلى الجانب الشخصى فى حياة الهلباوى، بوصفه من عظماء الرجال فى قوة شخصيته وشجاعته وذكائه وإخلاصه لوطنه وانشغالة بقضيته الوطنية، رغم أنه لم يدرس القانون ولم يلتحق أو ينتسب إلى مدرسة الحقوق ولا الأزهر الشريف، إلا أن مبدأ ومنهج حياته هو أستاذه جمال الدين الأفغانى، والذى تتلمذ على يديه وقد أثبت ثباتًا عظيمًا بنبوغ فكره وروعة عبقريته النادرة، التى جعلته محاميًا بارعًا حاضر الذهن فصيح اللسان، يستعمل كلماته بالترافع فى معانيها الحقيقية دون خطأ أو تعقيد فى تركيب معانى الكلمات للالفاظ.. وهذه روعته وفراسته وحضور بديهته بأنه كان ناجحًا باهرًا فى مهنته، بتأثيره الخطابى وأسلوبه الفطرى اللغوى البليغ، حتى أصبحت تتجه إليه عقول وقلوب الناس، وهذه النزعة النفسية التى سيطرة على جماهير الشعب نحوه، جعلته أشهر محامٍ فى زمانه والجميع يتعقب أخبار مرافعاته لكى يستمع إليه فى نشوة وسرور.

إلى أن تدور الأيام بالاحداث دورتها ويذهب الهلباوى إلى قرية «دنشواي»، ولكن لم يدخلها محاميًا مدافعًا عن الحق من أجل حصول أهالى القرية المكلومين على حقوقهم، كما كان يتبع الهلباوى فى دفاعه قبل ذلك عن إقامة حكم العدل بين الناس واسترداد حقوق المظلومين، إلا أن سقوطه المدوى كما وصفه المرى فى كتابه، بأن يدخل القرية لكى يكون المدعى العام فى القرار الذى أصدره بطرس غالى باشا وزير الحقانية بالنيابة، بتشكيل المحكمة المخصوصة لمحاكمة أهالى قرية «دنشواى»، وقد انعقدت المحكمة فى صباح الأربعاء ٢٧ يونيه عام ١٩٠٦م، وعلى الرغم من بشاعة قوات الاحتلال الانجليزى على ما ارتكبوه من جرائم على أرواح الأهالى وممتلكاتهم وإشعال النيران فى أجران القمح مصدر قوتهم وأرزاقهم، إلا أن الحكم كان أشد قسوة واستبدادا وغابت عنه كل الضمائر الإنسانية، بعد تلاوته من محكمة مستبدة غاب عنها حكم العدل والحق، ولا يكون للمظلومين وأهاليهم المكلومين إلا أن ينفذوا هذا الحكم ولا يستطيعون مخالفته، فكانت هذه المحكمة نقمة وخطئية لا تغتفر للهلباوى، بل جعل نفسه من هذا الحكم خصمًا للشعب، وجعله الشعب من الخائنين لأبناء وطنه على فظاعة ووحشية التعذيب والانتقام من الضحايا،وأصبح الهلباوى منذ تنفيذ هذا الحكم يعرف «بجلاد دنشواي»، وهذا الوصف أطلقه عليه شاعر النيل حافظ إبراهيم.

ويركز المرى على الجانب الوطنى للهلباوى، عندما انتقد استخدام الحكومة لعمال السخرة فى حفر قنوات الرى وتطهير المجارى المائية، ثم اختياره من قبل الجمعية العمومية لنقابة المحامين لكى يكون أول نقيبًا لها فى مصر، إلى جانب تطوعه فى الدفاع عن حرية التعبير عن الرأى، بعدما عطل قانون المطبوعات الخاص باغتيال حرية الصحافة عام ١٩٠٩، ثم دفاعه عن إبراهيم ناصف الوردانى قاتل بطرس غالى باشا رئيس وزراء مصر عام ١٩١٠، وايضا دفاعه عن شفيق منصور المتهم فى اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى عام ١٩٢٤.... إلى جانب عضويته فى مؤسسات المجتمع المدنى والأهلى إلى جانب مشاركته فى وضع دستور الدولة المصرية الملكية عام ١٩٢٣ فى عهد الملك فؤاد.. هكذا سرد المرى قصة حياة ونشأة الهلباوى وجهاده فى سبيل الوطن، ومطالبه بجلاء الاحتلال عن مصر وتحبيذه لهذه الفكرة حتى كاد يمجده التاريخ كأحد أساطين الحركة الوطنية، إلا أن لهيب هذه الروح الوطنية ومضات توهجها تخبو بأحداث «دنشواى» وسقوط الشهداء من الأهالى المظلومين صرعى، لكى تصبح دماؤهم الزكية وأرواحهم الطاهرة لعنة فى عنق الهلباوى وخطيئة لا تغتفر له، وسبة ستظل عالقة فى جبينه حتى بعد مماته، لأنها سبب فى كراهية الشعب له، وعلى ذلك قد أحسن المستشار المرى فى اختيار عنوان مؤلفه «النَّجْمُ الذى هَوَى».