رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مصر تدخل رسمياً «المناخ الصحراوى»

الطبيعة غاضبة.. والعالم يواجه خطر الفناء

بوابة الوفد الإلكترونية

شهدت مصر خلال هذا الصيف تغيرات مناخية قاسية، ربما تكون الأغرب والأعنف طوال تاريخها، وهو ينبئ بأننا على أعتاب مرحلة جديدة ستشهد انقلابا مناخيا يؤثر فى جميع مناحى الحياة، خاصة أن الخبراء يصنفون مصر حاليا بأنها دخلت ضمن المناخ الصحراوى.

الأزمة ليست مصرية فقط، فالتغيرات المناخية شبح يهدد الأخضر واليابس فى الكرة الأرضية بأسرها، وبالأخص الدول النامية بالقارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

غضب الطبيعة يتجسد فى ملامح كثيرة فى مقدمتها ارتفاع درجات الحرارة بسرعة بلغت ضعف المتوسط العالمى، وندرة هطول الأمطار، التى تؤدى إلى جفاف الأنهار، وتراجع إمكانية التنبؤ بها، بجانب ذوبان الجليد والأعاصير والفيضانات الطاحنة، مما يؤدى إلى تفاقم الصراعات التى تلقى بآثارها السلبية على الشعوب سياسيا واقتصاديا.

وإضافة إلى الخسائر البشرية، فإن لتغير المناخ تكاليف صحية واجتماعية وبيئية باهظة، وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، أدت الأنماط المتغيرة لدرجات الحرارة وسقوط الأمطار إلى تآكل متوسط دخل الفرد، وإحداث تغيير كبير فى الناتج والوظائف، بجانب ظهور حالات التصحر، نتيجة لقطع الأشجار وقلة المساحات الخضراء بالمدن السكانية وغيرها، وقد دفعت هذه التغيرات الدول لإعداد مبادرات ومشروعات تنموية خضراء لمواجهة التغيرات المناخية، منها «تحضر للأخضر» وتعزيز مجال الطاقة النظيفة «الجديدة والمتجددة».. الملف التالى يرصد مخاطر غضب الطبيعة وتأثيراتها على مصر، وكيفية مواجهتها.

 

التغيرات المناخية العنيفة تهدد مليار طفل

 

على الرغم من أن الأطفال هم الفئة الأقل مسئولية عن أزمة تغير المناخ، إلا أنهم الفئة الأكثر تضرراً، وحالياً، يشهد العالم انخفاضًا فى إمدادات المياه ونقصاً فى خدماتها، ما يؤثر بالسلب على صحة الأطفال العقلية والبدنية.

وأكد السفير مصطفى الشربينى، الخبير الدولى فى الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ والمراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة، أن الأطفال هم الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.. وقال: المراهقون الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، أكثر عرضة من عامة السكان للتأثيرات الصحية الناجمة عن تغير المناخ وذلك للأسباب التالية:

أولا: تتطور أجسام الأطفال جسديًا، مما قد يجعلهم أكثر عرضة للمخاطر المرتبطة بالمناخ مثل الحرارة وسوء جودة الهواء.

ثانياً: يميل الأطفال إلى قضاء وقت أطول فى الهواء الطلق مقارنة بالبالغين، مما يزيد من تعرضهم للحرارة والبرد والمطر والثلج ومسببات الحساسية الخارجية ولدغات الحشرات.

ثالثا: يشرب الأطفال كمية من الماء أكبر من البالغين لكل رطل من وزن الجسم، وهم يبتلعون كمية من الماء تعادل ضعف ما يبتلعه البالغون أثناء السباحة، وهذا من شأنه أن يزيد من تعرضهم لبعض الملوثات فى المياه الترفيهية وخطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمى أو غيرها.

رابعا: يتطور الأطفال عاطفيًا، حيث تستمر أدمغتهم فى النمو طوال فترة المراهقة، وقد يتعرض الأطفال لتأثيرات على صحتهم العقلية نتيجة للعواصف الكبرى والحرائق وغيرها من الأحداث المتطرفة التى من المتوقع أن تزداد مع تغير المناخ، كما قد يعانون من تغيرات أخرى، مثل الاضطرار إلى الانتقال بسبب التهديدات المناخية.

خامسا: يعتمد الأطفال الصغار على البالغين فى سلامتهم ورفاهتهم، وقد يؤدى هذا الاعتماد إلى تعريض الأطفال لخطر أكبر أثناء الأحداث المتطرفة، على سبيل المثال، بدون مساعدة البالغين، قد لا يتمكن الأطفال من إبقاء رؤوسهم فوق مياه الفيضانات أو الوصول إلى بر الأمان أثناء العاصفة.

وأشار السفير مصطفى الشربينى إلى أن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين فى أذربيجان خلال نوفمبر القادم 2024، يمثل نقطة تحول حاسمة فى مكافحة تغير المناخ، ويتعين على زعماء العالم والمجتمع الدولى اتخاذ خطوات حاسمة من أجل الأطفال لرفع مستوى احتياجات الأطفال وحقوقهم فى إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لضمان كوكب صالح للعيش، والارتقاء بالأطفال ضمن القرار النهائى لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين وعقد حوار بين الخبراء بشأن الأطفال وتغير المناخ.

وقال «الشربينى» إنّ الفشل العالمى فى مواجهة أزمة المناخ تهديد كبير يواجهه الأطفال ويخلق أزمة حقوق الطفل، وهو ما يعرض للخطر الحق الأساسى لكل طفل فى الصحة والرفاهية، كما أن تكييف الخدمات الأساسية، والتعويض عن الخسائر والأضرار، والحد من مخاطر الكوارث، والإنذار المبكر، وزيادة الاستثمار فى إزالة الكربون، كلها أمور يمكن أن تحدث فرقا بين الحياة والموت، والمستقبل أو الكارثة، بالنسبة لأطفال الكوكب.

وأوضح أن الحرارة الشديدة ترتبط بزيادة مشاكل الصحة العقلية، بما فى ذلك اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين، كما تنتشر أمراض الطفولة القاتلة بشكل متزايد بسبب التدهور البيئى وتغير المناخ، فالأطفال ليسوا كالبالغين الصغار، فأجسادهم وعقولهم معرضة بشكل فريد لتأثيرات تغير المناخ مثل التلوث والأمراض القاتلة والطقس المتطرف، الأطفال أكثر عرضة للإصابة بتلوث الهواء من البالغين، يُعد الرضع والأطفال الصغار أقل قدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم وأكثر عرضة للجفاف، مما يجعلهم أكثر عرضة للخطر أثناء موجات الحر الشديد.

وأكد أن 40 مليون طفل يتعرضون للانقطاع عن الدراسة كل عام بسبب الكوارث المناخية والتى تفاقمت بسبب تغير المناخ، وهذا العدد فى ازدياد مستمر، كما يتفاقم سوء التغذية لدى الأطفال بسبب فشل المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما يتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار المرتبطة بتغير المناخ.

وأضاف: أزمة المناخ لا تغير الكوكب فحسب، بل تغير الأطفال أيضًا منذ لحظة الحمل حتى وصولهم إلى مرحلة البلوغ، حيث تتأثر صحة وتطور أدمغة الأطفال ورئتيهم وأجهزتهم المناعية وغيرها من الوظائف الحيوية بالبيئة التى ينشأون فيها، حتى فى البلدان ذات الدخل المرتفع.

وأوضح أنه على الرغم من ضعفهم الفريد، فقد تم تجاهل الأطفال إلى حد كبير فى الاستجابة لتغير المناخ، إذ لا يدعم سوى 2.4% من التمويل المناخى من صناديق المناخ المتعددة الأطراف الرئيسية المشاريع التى تتضمن أنشطة تستجيب للأطفال، وكما أشارت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، فإن أخذ حقوق الأطفال وآرائهم فى الاعتبار من شأنه أن يؤدى إلى سياسات أكثر طموحاً وفعالية فى مجال حماية البيئة، ومع ذلك، لا يلعب الأطفال أى دور رسمى تقريباً فى سياسات وقرارات المناخ، ونادراً ما يتم أخذهم فى الاعتبار فى خطط وإجراءات التكيف مع المناخ أو التخفيف من آثاره أو التمويل القائمة.

وذكر السفير «الشربينى» أن تقرير مؤشر مخاطر المناخ للأطفال لعام 2021 الصادر عن اليونيسيف وجد مليار طفل معرضين لخطر شديد من تأثيرات أزمة المناخ وفحص ثمانية مكونات من الصدمات والضغوط المناخية والبيئية، يستند هذا التقرير إلى مؤشر مخاطر الكوارث ويتناول أحد هذه المكونات، ندرة المياه إلى جانب ضعف المياه، سواء كان التغير المناخى أكثر مما ينبغى أو أقل مما ينبغى أو ملوثا للغاية، فإن تغير المناخ ينعكس على المياه، ويتعرض 739 مليون طفل لندرة المياه المرتفعة أو المرتفعة للغاية، كما يعيش 436 مليون طفل فى مناطق معرضة بشدة أو شديدة لخطر نقص المياه، وهو ما يعنى أن مليار 175 مليون طفل فى خطر بسبب التغيرات المناخية.

 

 

 

وذوبان الجليد كارثة

 

شهدت الفترة الأخيرة وقائع مأساوية جراء حدوث سيول وأمطار غزيرة تطورت إلى فيضانات وأعاصير بجانب الزلازل، كإحدى تداعيات ظاهرة التغيرات المناخية التى تسعى جميع دول العالم لكبحها والعمل على خفض نسبة الاحتباس الحرارى وانخفاض درجات الحرارة التى تلعب دورا كبيرا فى ذوبان الجليد والقمم الجليدية فى القطب الشمالى والقارة الجنوبية «انتراكتيكا»، الأمر الذى يهدد بارتفاع مستوى سطح البحر، وغمر المدن الساحلية بالإضافة إلى تهديد حياة الكائنات البحرية.

قال الدكتور مصطفى سرحان تونى، أستاذ الجيوفيزياء والزلازل بكلية العلوم، جامعة حلوان، إن مشكلة التغيرات المناخية، بدأت بالظهور فى الثورة الصناعية من 1760، حيث صناعة المحركات والمواتير، ينبعث منها بعض الغازات والانبعاثات والمواد، بجانب بخار المياه الموجود فى الجو.

وأضاف «تونى» أنّ التغيرات المناخية تتسبب فى ارتفاع درجات الحرارة، وبالتالى تؤثر على ذوبات الجليد، خاصة فى القارة القطبية الجنوبية «أنتاركتيكا»، والقارة القطبية الشمالية، يأتى ذلك من عدة جوانب، منها ارتفاع درجة الحرارة نتيجة الانبعاثات وامتصاص درجة الحرارة وتخزينها تساعد فى انفصال القمم والجبال الجليدية وبالتالى تؤدى إلى ذوبان الجليد والتى تصب فى النهاية المياه بالمحيطات.

وأوضح «سرحان» أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدى إلى انفصال الكتل الجنوبية فى الأماكن الجليدية كالقارة القطبية الجنوبية، وتنفصل القمم الجليدية، على هيئة صفائح تسمى الصفائح الجليدية، تذوب وتساهم فى ارتفاع مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى تمدد المياه، وهذا له تأثيرات بيئية واجتماعية، حيث ستحدث غمر للمناطق الساحلية تهدد الحياة البحرية كالأسماك التى تعيش فى تلك الأماكن، بالإضافة إلى أنها تشكل تهديدا للسكان والمدن المحيطة، مع حدوث الفيضانات والأعاصير.

وأشار إلى أن ذوبان الجليد سيؤثر على المدن الساحلية وحياة السكان، يؤدى إلى فقدان الأراضى، حيث مساحات تغمرها المياه، كما سيكون هناك عرضة لحدوث الفيضانات بشكل متكرر خاصة خلال العواصف والأمواج العالية، كما أن الفيضانات لها تأثير على الممتلكات والبنية التحتية وتشريد السكان من المدن بالإضافة إلى العامل النفسى الذى يخلق أزمات اجتماعية وصحية.

وأوضح أن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدى إلى اختلاط المياه المالحة بالمياه العذبة، وبالتالى يهدد مياه الشرب والصالحة للزراعة فى هذه المناطق، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية فى تلك المدن، سواء كانت خطوط صرف، خطوط مياه، خطوط كهرباء، وحتى إن لم يحدث تدمير فسيكون هناك تكلفة عالية لأعمال الصيانة وبناء حواجز على البحار لحماية المدن من الفيضانات وارتفاع سطح البحر، كما أن الفيضانات التى تحدث نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، ممكن أن تؤدى إلى انتشار الأمراض التى تنتقل عبر المياه، على سبيل المثال «الكوليرا».

وأضاف أنّ ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن ذوبان الجليد، يؤثر سلبياً على النظام البيئى بالمناطق الساحلية نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، وبالتالى يحدث هنا تأثير على التنوع البيولوجى لأن الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، يؤدى إلى تدهور بعض المستنقعات المالحة والشعب المرجانية، والتى تعتبر خصائص بيئية وميزة فى تلك الأماكن بالمناطق الساحلية والتى أغلبها يكون سياحية، حيث ارتفاع مستوى سطح البحر يؤثر على الأنشطة السياحية فى تلك الأماكن، منها الصيد، وأعمال الملاحة ببعض الموانئ الموجودة بالسواحل.

وأوضح «تونى» أن ذوبان الجليد له مكاسب وخسائر، ولكن مكاسبه أقل من خسائره، ومن ضمن تلك المكاسب، فتح مسارات مائية جليدية، وتساهم فى نقل الركاب والبضائع ومنها توفر الوقت والجهد، يساعد ذوبان الجليد فى كشف بعض الموارد الطبيعية مثل الغاز والمعادن واستخراجها، وزيادة السياحة عن طريق اكتشاف مناطق جديدة مغطاه بالجليد، تساهم فى زيادة الدخل وتوفر فرص عمل، أما الخسائر، فمن بينها تأكل السواحل، غمر مساحات من الأراضى، كما يؤثر على حياة بعض النباتات والحيوانات، حيث انقراض بعض الحيوانات مثل «الدببة»، وتخل بالتوازن الكيميائى فى المحيطات، وزيادة نسبة الحموضة، مما قد يعمل على قتل بعض الكائنات الحية الموجودة، كما أن الجليد له سطح شفاف يعكس أشعة الشمس، وبالتالى يعمل على زيادة ارتفاع درجات الحرارة.

 وقال «تونى»: التغيرات المناخية، المتمثل فى ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحرارى، تعمل على زيادة تبخر المياه وبالتالى حدوث رطوبة فى الجو، والتى تسبب فى حدوث أمطار غزيرة، تكون فى صورة فيضانات أو سيول، مما يؤدى إلى تغير توزيع أماكن سقوط الأمطار بشكل عنيف، ومن ضمن الأسباب التى عملت على زيادة السيول إزالة الغابات، بالإضافة إلى التوسع العمرانى التى أدت إلى زيادة السيول والفيضانات من خلال تغير قدرة الأرض على تصريف المياه.

وتابع: «ليست هناك علاقة مباشرة بين الزلازل والتغيرات المناخية، فالزلازل ظاهرة جيولوجية تحدث نتيجة حركة الصفائح أو التكتونية المكونة للأرض، ولكن إذا حدث تغير بيئى أدى إلى تأثر جيولوجى بالأرض يعمل على تسريع الألواح التكتونية تساعد على حدوث زلازل، على سبيل المثال ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر يؤدى إلى امتلاء بعض السدود الكبيرة أو البحيرات، حيث يكون هناك بعض التصدعات أو الفوالق الأرضية، فزيادة كمية المياه ووزنها يؤدى إلى إجهادات فى القشرة الأرضية فى قاع البحيرات يحفز على حدوث الزلازل.

وأوضح أنّ الدول تتأهب للأعاصير والفيضانات، من خلال التخطيط لمواجهة الأزمات والطوارئ، والعمل على بناء سدود، وتقديم وتجهيز أنظمة الإنذار المبكر للسكان بالتنسيق مع هيئة الأرصاد، بجانب مبادرات التوعوية والتثقيف للتعامل مع تلك الكوارث الطبيعية، لأن نسبة الخسائر قد تزيد من تجاهل الناس فى التعامل معها، خاصة فى الزلازل والفيضانات.

 

 

مصر تواجهه بـ100 مليون شجرة

 

يعتبر التصحر قضية عالمية لها آثار خطيرة على التنوع البيولوجى والفقر والاستقرار الاجتماعى والاقتصادى والتنمية المستدامة على الصعيد العالمى، وحُدّد التصحر وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجى كأكبر التحديات التى تواجه التنمية المستدامة.

وقال الدكتور إسماعيل عبدالجليل، رئيس مركز بحوث الصحراء، الأسبق، إن التغيرات المناخية لها تأثير كبير على عملية التصحر، خاصة أنها تؤثر سلبا على الإنتاج والمحصول الزراعى، نتيجة لحالات الجفاف وندرة المياه، وملوحة الأرض مع ارتفاع درجات الحرارة.

وأضاف «عبدالجليل» أن مفهوم التصحر يصل للبعض بشكل خاطئ، حيث إن البناء المعمارى على الأرض الزراعية أحد مظاهر التصحر، حيث أن الرقعة الزراعية لا تستهلك مياه بقدر ما تستهلكه الرقعة السكانية، كما تشير عملية التصحر إلى تدهور فى إنتاجية الأراضى الزراعية.

وأوضح أن هناك مليون ونصف فدان من أراضى الدلتا تتأثر بارتفاع درجات الحرارة والسرطان والملوحة بشكل كبير، بجانب أن هطول الأمطار الغزيرة التى تسببها التغيرات المناخية وتعمل على فصل الأملاح عن التربة والعمل على غسلها من البكتريا والفطريات.

وأضاف أن البعض يعتقد مصر 96٪ منها صحراء، ولكن الصحيح أن 86٪ منها تقع فى منطقة شديدة الجفاف، و14% من باقى البقعة الجغرافية لمصر تظهر فيها أمطار متواضعة، على السواحل الشمالية.

وأكد «عبدالجليل» أن مصر تواجه مشكلة فى التعامل مع تداعيات وتنبؤات التغيرات المناخية، حيث إن مجلس الوزراء يتسلم بشكل دورى تقريرا من الأمم المتحدة، معنىّ بالمناخ، يتضمن سيناريوهات المتوقعة للتغيرات المناخية، ولكن للأسف «محلك سرك»، وهو ما يظهر لنا فى تعامل المحافظين مع الكوارث الطبيعية التى تحدث نتيجة للأمطار وعمليات الجفاف، التى تفاقم الكثير من الأزمات، على رأسها الزراعة.

 وأضاف: لمواجهة التصحر وتداعيات التغيرات المناخية لابد من عملية الرصد المبكر من قبل الخبراء، والعمل بجدية من قبل الحكومة دون تقاعس منها على وضع سيناريوهات للتعامل مع تلك الأزمات ووضع حلول مسبقة لها حتى لا تتفاقم ويصبح الوضع خارج السيطرة.

وقال إنّ مصر ضمن المناطق شديدة التأثر بالتصحر، مشددا على ضرورة اهتمام الحكومة بالتنسيق مع المحافظات على وضع سيناريوهات تخص التغيرات المناخية، للتعامل مع الكوارث مثل الجفاف والزلازل والأعاصير، واستشهد بأزمة محصول الخوخ فى شمال سيناء عندما تعرض لحالة جفاف والذى عمل حالة ارتباك للمزارعين وقتها.

واقترح رئيس مركز بحوث الصحراء، الأسبق وضع برامج تنفيذية لمعالجة القضية، كإنشاء «بنك الاستثمار البيئى» كجهة تمويلية، لدعم المشاريع والمبادرات التى تخص تداعيات التغيرات المناخية. مشيرا إلى أن اللجنة التنسيقية العليا لمواجهة التصحر لم تعمل منذ 10 سنوات، وهذا يدل على تقاعس كبير من قبل الحكومة فى العمل على مواجهة التغيرات المناخية.

ومن جانبه، أكد الدكتور محمد جلال مدير عام حدائق الحيوان والطيور والأسماك بوزارة الزراعة، أن الحفاظ على الأشجار واجب وطنى، لدورها المهم فى تخفيف حدة الحرارة، وقال: الأشجار والنباتات الخضراء تعمل على انخفاض درجات الحرارة بالحدائق وبالتالى خلق بيئة رطبة للحيوانات الموجودة، وبالنسبة لتوجه بعض الجهات لقطع الأشجار فهذا للمصلحة العامة، وكل مسئول يقطع شجرة يعمل على غرسها بالمكان المناسب.

قال الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، إن مصر من الدول التى تكافح التصحر، لافتًا إلى المبادرات والجهود التى تقوم بها الدولة فى زراعة الأشجار منها زراعة 2 مليون نخلة فى توشكى، ومبادرة 100 مليون شجرة، بالإضافة إلى اتحضر للأخضر.

وأضاف أن عمليات قطع الأشجار كان لها ضرورة حتمية وليس قطع عشوائى، سواء كان لتوسعة طريق أو إزالة بعض أنواع النخيل النادرة فى منطقة المنيل على سبيل المثال نتيجة لإصابتها بسوس النخيل مما تطلب مكافحتها، وأشار إلى ضرورة تنفيذ برامج تدريبية لرفع قدرات العاملين بالإدارات المحلية فى مجال التشجير.

تقدم أعضاء فى مجلس النواب بأسئلة وطلبات إحاطة للحكومة بشأن ظاهرة قطع الأشجار فى الميادين والحدائق الرئيسية مما أدى إلى انخفاض المساحات الخضراء، وطالب النواب بالتحقيق فى هذه الظاهرة، مع العمل على زيادة حجم المساحات الخضراء فى كل أنحاء البلاد.

وفى المقابل، نفت الحكومة، فى بيان لوزيرة البيئة ياسمين فؤاد «وجود خطة ممنهجة لقطع الأشجار»، وأكدت أن الدولة «حريصة على زيادة المسطحات الخضراء»، مدللة على ذلك بصدور تشريع لتجريم الاعتداء على الأراضى الزراعية، وإطلاق مبادرة 100 مليون شجرة، كما أشارت إلى أن هناك بعض وقائع قطع الأشجار فى عدد من الأماكن مما يتطلب اتخاذ الآليات التى تضمن عدم تكرارها.

وعلى هامش استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP28 فى شرم الشيخ فى 2022، تم إطلاق مبادرة رئاسية لزراعة 100 مليون شجرة فى كل المحافظات على مدار 7 سنوات حتى 2029، بإجمالى تكلفة 3 مليارات جنيه (62 مليون دولار)، وفق بيان رسمى.

يتولى تنفيذ المبادرة وزارة التنمية المحلية وتستهدف زراعة 80 مليون شجرة، وبالفعل قامت الوزارة بزراعة 7.6 مليون شجرة العام المالى الماضى، كما زرعت 2.5 مليون شجرة أخرى خلال العام الحالى، وتعتزم زراعة 500 ألف شجرة خلال الشهور المقبلة، فيما تتولى وزارتا البيئة والإسكان زراعة 20 مليون شجرة فى المدن الجديدة.

 

 

 

178 تريليون دولار خسائر العالم

 

يلقى تغير المناخ بظلاله المتشعبة على مجمل النواحى الاقتصادية، كونه من أكبر التحديات التى تواجه العالم اليوم ومستقبلا، بعد أن أصبحت حالات الجفاف والفيضانات والعواصف وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة أكثر شيوعاً فى كل قارات العالم، فى وقت يشهد فيه العالم تغيرات هائلة فى الظروف البيئية، نتيجة لزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

وأكدت العديد من الدراسات، أن التغيرات المناخية ستؤدى إلى تقليص الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى 2050 بحوالى 38 تريليون دولار.

وقالت الدراسات إن البقاء تحت عتبة درجتين مئويتين زيادة فى درجات الحرارة يمكن أن يحد من متوسط خسارة الدخل الإقليمى إلى 20% مقارنة بـ60% فى سيناريو تكون فيه نسبة الانبعاثات عالية.

وتوقع أندرس ليفرمان، الخبير بمعهد بوتسدام الألمانى لبحوث تأثير المناخ أن تعانى الدول الأقل مسئولية عن تغير المناخ خسارة فى الدخل أكبر بـ60٪ من الخسارة التى ستلحق بالدول ذات الدخل المرتفع وأكبر بـ40٪ من خسارة الدول ذات الانبعاثات الأعلى.

قال الدكتور السيد خضر، الباحث والخبير الاقتصادى، إن أزمة التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الإفريقى بشكل عام من خلال التأثير على قطاع الزراعة والأمن الغذائى بسبب الموجات الحرارية والجفاف والفيضانات المتزايدة، حيث انخفاض الإنتاج الزراعى وتهديد الأمن الغذائى، لاسيما فى دول القرن الإفريقى، مما يؤثر على زيادة أسعار الأغذية والضغوط على الميزان التجارى.

وأضاف الخبير الاقتصادى أنّ التغيرات المناخية تؤثر أيضا على الموارد المائية، حيث ندرة المياه وتدهور جودتها بسبب الجفاف والتصحر وزيادة الصراعات والنزاعات عليها، بجانب تهديد إمداداتها للاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية، فضلا عن تضرر البنية التحتية (طرق، كهرباء، إسكان) بسبب الكوارث الطبيعية، وارتفاع التكاليف الاجتماعية والاقتصادية لمواجهة هذه التحديات، مع تراجع السياحة بسبب موجات الحر والكوارث الطبيعية، كذلك تكاليف أعلى لتوليد الطاقة عن الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية.

وشدد «خضر» على ضرورة إعادة توجيه الاستثمارات لمواجهة تحديات التغير المناخى، وعلى رأسها الاستثمار فى الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، كما تتطلب مواجهة هذه التحديات تكاتف الجهود على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لتطبيق سياسات وبرامج فعالة للتكيف مع التغير المناخى والتخفيف من آثاره، مشيرا إلى التقلبات المناخية كالجفاف والفيضانات تؤدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية، مما يهدد الأمن الغذائى العالمى ويرفع أسعار الأغذية.

وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن الأحوال الجوية القاسية تفرض تكاليف باهظة لإصلاح وصيانة البنى التحتية كالطرق والكبارى والمرافق، وارتفاع تكاليف الخدمات العامة كالكهرباء والمياه والنقل، بجانب تراجع السياحة والقطاعات المرتبطة بها بسبب تزايد ظواهر الطقس القاسية كالعواصف والفيضانات، مما يؤثر على الفنادق والمطاعم والنقل، كما أن الكوارث الطبيعية كالأعاصير والحرائق والفيضانات تكبد الاقتصادات خسائر هائلة فى الأرواح والممتلكات، وتزيد من هجرة السكان والنزوح البيئى بسبب الظروف المناخية القاسية، مما يؤثر على توافر الأيدى العاملة ويفرض تكاليف اجتماعية واقتصادية.

أما على المستوى المصرى، فقال الخبير الاقتصادى حسن خضر، إن هناك عدة خطوات رئيسية اتخذتها الدولة المصرية لمواجهة آثار التغير المناخى من خلال سياسات وتشريعات تطوير استراتيجية وطنية شاملة للتكيف مع التغير المناخى والتخفيف من آثاره، منها الاستثمارات فى المشاريع الخضراء والهيدروجين الأخضر وتقليل استخدام الوقود الأحفورى، إصدار تشريعات وسياسات داعمة لتنفيذ إجراءات المواجهة، وتطوير أساليب زراعية مستدامة مقاومة للجفاف والتغيرات المناخية، كاستخدام تقنيات الرى الحديثة وإعادة استخدام المياه المعالجة، وتطوير مصادر المياه غير التقليدية.

وأضاف «خضر» أنّ من ضمن الإجراءات التى اتخذتها الدولة لمواجهة التغيرات المناخية، تعزيز مرونة البنية التحتية للتكيف مع الكوارث الطبيعية، والاتجاه إلى صنع نهر جديد وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، وتطوير نظم الإنذار المبكر والاستجابة للكوارث، مع دمج اعتبارات التغير المناخى فى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنويع مصادر الدخل وتعزيز قدرات المجتمعات المحلية، وتوفير حماية اجتماعية للفئات الضعيفة الأكثر تضررا، منها التثقيف والتوعية من خلال رفع الوعى العام حول مخاطر التغير المناخى وإجراءات التكيف معها، ودمج التثقيف البيئى والمناخى فى المناهج التعليمية، وتشجيع البحث العلمى والابتكارات المرتبطة بالتغير المناخى.

وأكد البنك الدولى أن التكلفة الاقتصادية للتغير المناخى حتى عام 2050، قد تصل إلى 178 تريليون دولار إذا لم يتم اتخاذ إجراءات كافية للتخفيف من آثاره، كما يمكن أن يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة تصل إلى 23% بحلول نهاية القرن، أما على مستوى إفريقيا يقدر أن خسائر إفريقيا بسبب التغير المناخى قد تصل إلى 50 مليار دولار سنويا بحلول عام 2050ـ وأكثر من 200 مليون شخص فى إفريقيا يواجهون خطر الجوع والنزوح بسبب التغير المناخى، ويتوقع أن يؤثر التغير المناخى بشكل كبير على الزراعة والأمن المائى والصحة فى القارة الإفريقية.

أما فى مصر تقدر خسائر مصر الاقتصادية السنوية الناجمة عن التغير المناخى بحوالى 6 مليارات دولار، ويتوقع أن يؤدى ارتفاع منسوب مياه البحر إلى غمر مناطق ساحلية تضم 45% من سكان مصر وتنتج 12% من الناتج المحلى الإجمالى، كما سيؤثر التغير المناخى على المياه والزراعة والصحة والبنية التحتية فى مصر، مما يهدد الأمن الغذائى والمائى ما لم يتم اتخاذ إجراءات للحد من تلك الأزمة الشرسة.