رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

البيض «يبيعوه» والعيش «يشتروه» والبيوت بلا طيور:

اﻟﻐﻼء ﻳﻠﺘﻬﻢ ﺧﻴﺮ اﻟﻔﻼح

بوابة الوفد الإلكترونية

ألقى الغلاء بظلاله على مناحى الحياة فى مصر، ودفع سكان القرى إلى ترك الكثير من عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم القديمة، فتركت نساء الريف تربية الطيور على أسطح المنازل، بسبب غلاء أسعار الأعلاف والذرة، كما أخفى الغلاء خلف أنيابه رفاهية المأكل، فحرم أسر الريف من إنتاجهم سواء الطيور أو بيض المائدة أو منتجات الألبان، فأصبحت نساء القرى يأكلن «خبز التموين» وأطفأن الأفران، وهجرن تربية الطيور ورؤوس الماشية، ووجهوا إنتاجهم لأسواق المدن بحثًا عن الثمن. 

تروى سيدات القرى، إنهن ورثن تربية الطيور فوق أسطح المنازل وفى الحظائر والأراضى القريبة من الترعة منذ قديم الأزل، لم يكن يحملن هما لشراء البروتينات «خير البيوت كان سترها». ولكن أعباء الحياة لم تترك لأسرهن رفاهية المأكل، كما كانت الأمور تسير أيام الرخاء، مضيفات: «أقل بيت فى القرى كنت تجد فيه البيض البلدى والسمن والخبز «البلدى والبتاو» والجبن، أما الآن فمن يستطيع تحمل تكلفة تربية الطيور يبيع الإنتاج إلى التجار الذين يجوبون القرى يوميًا، فالغلاء حرم أهل القرى من خيرهم

التقت الوفد بعدد من سيدات القرى، لمعرفة أين أختفى دور الريف كوحدة إنتاجية مكتفية ذاتيًا، وكيف معظم إنتاج القرى إلى أسواق المدن؟ وكيف تُدار الحياة اليومية فى بيوت القرويات مع ارتفاع الأسعار؟ 

 

 

«أم عبيد»

 

تحكى «أم عبيد» امرأة خمسينية  أرملة وأم لابنتين وولد، تعمل فى تجارة «الطيور والأرانب»، أنها خرجت إلى العمل منذ سنوات طويلة بعد وفاة زوجها، الذى عمل سائقًا لعربة كارو، لنقل مواد البناء بين القرى، إلى أن توفى فى حادث سير أثناء عمله، بعد 12 عامًا من الزواج. 

وتواصل أهل زوجى يعملون فى تجارة الطيور بمختلف أنواعها منذ قديم الأزل مهنة متوارثة عن أجداد الأجداد، و«سلفى الأكبر وزوجته» يعملان بها منذ نعومة أظافرهما فـهما أبناء عمومة، ومع وفاة زوجى خرجت مع حماتى وسلفى وبدأت علاقتى مع السوق والتُجار، وبمرور الوقت قسمنا العمل بيننا وأصبحت أعمل فى تجارة الحمام والأرنب بشكل أساسى إلى جوار الدواجن البلدى والبط والأوز. 

وتروى «أم عبيد»: «نذهب إلى أسواق صفط اللبن وسوق الجمعة وأسواق قبلى «العياط وبنى سويف»، نشترى الطيور بمختلف انواعها من الفلاحين فى أسواق القرى، وفى المواسم تختلف الأسعار عن الأيام العادية، متابعة: أهل القرية يعرفون المنزل ويأتون إلينا فى غير أيام الأسواق، ونعمل أربعة أيام فى الأسبوع من الثلاثاء إلى الجمعة.

وتابعت: «الطيور قلت والناس أغلبها لم تعُد تُربى فى المنازل بسبب غلاء الأعلاف والقمح والذرة، وأسعار الطيور فى السماء «الكتكوت البلدى عمر يوم وصل سعره لـ20 جنيه»، والبط بمختلف أنواعه أغلى نوع كان الجوز بـ«20 جنيه» وصل لـ70 جنيهًا، وذلك أثر على حركة البيع، زمان كنا ننزل أى سوق بالعربية محمل عليها 20 قفص طيور، الآن لو كملنا قفصين «نحمد الله». 

واسترسلت: «الناس خائفة من الغلاء ومن بكرا وكثيرون يسألون عن الأسعار ويمرون مرور الكرام دون شراء، حركة البيع واقفة». 

تاجر طيور 

يقول عاشور رشدان، ستون عامًا، أقدم تاجر طيور فى قرية العزيزية ـ جنوب الجيزة، إنه يعمل فى تجارة الطيور وجمع البيض من أهل القرية، منذ أن كانت بيوت العائلات فى القرى لها دوارا، ويعمل لديهم الأنفار بأعداد كبيرة كما نرى فى الأفلام القديمة، لم تكن هناك أسواق للطيور فى القرى قديمًا، كان التاجر يذهب إلى بيوت الفلاحين الذين يُربون رؤوس الماشية ولديهم حيازات زراعية بعشرات الأفدنة، ومن الطبيعى أن يربوا الطيور بمختلف انواعها فالغلة متوفرة. 

ويروى «رشدان» عملت فى تلك المهنة طيلة سنين عمرى وإلى الآن، قديمَا لم نشعر بالفقر رغم قلة المال ولم نمر بمثل تلك الأيام، كان الفلاح الغنى لديه ما يكفى حاجته ويزيد حتى يُغرق سوق المدينة بمختلف الطيور، والفلاح الفقير لديه مختلف أنواع الطيور فى بيته، وإن لم يعمل فى الأراضى أو مع عمالة البناء يأكل من خير بيته، فالأراضى الزراعية كان إيجار القيراط لا يتجاوز الـ300 أو 400 جنيه منذ ثلاث سنوات، وكل فلاح فى القرى كان يأجر فدان أو نصف فدان حسب قدرته المالية من أصحاب الحيازات الزراعية الكبيرة، ويزرع القمح والذرة والبرسيم وكل المحاصيل الذى يحتاجها بيته، الآن دخل الغلاء أكل خير الفلاحين وخرج ناس كثيرة من الزراعة وتربية الطيور، معقبًا: «سعر إيجار قيراط الأرض وصل فى بعض المناطق إلى 1600 جنيه».

وتساءل فى دهشة: «الفلاح من غير دخل، فكيف سينفق على الأرض واحتياجاتها وإيجارها؟، وفى النهاية لن يكسب ما يغطى هذه التكالف لذلك تركوا الأرض لأصحاب الحيازات، ومن هنا قلت المحاصيل فى بيوت الفلاحين وقلت الطيور وذهب الخير والبركة، مضيفًا: «الفقر طال الغنى والفقير». 

بائعة الخبز: لا بيع ولا شراء 

تحكى أم أحمد عبدالمجيد، امرأة ستينية من قرية الدناوية بمركز العياط، تعمل فى صناعة الفطير والرقاق والخبز المنزلى وتبيعه فى الأسواق، إنها تبدأ يومها من الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حيث تقوم بنخل الدقيق وتحضير عجين الفطير والرقاق بمساعدة فتياتها الثلاث وتسويته فى الفرن الغاز. 

 

وتقص بائعة الفطير ذكرياتها مع المهنة قبل أفران الغاز، قائلة: «كنت أكبر إخواتِى البنات، وأمى كانت تخبز فى بيوت الفلاحين بالكيلة سواء قمح أو ذرة، فكانت تذهب كل يوم إلى بيت من بيوت القرية أو القرى المجاورة، بعد الاتفاق معهم على ثمن خبيز عدد الكيلات، وكان الخبيز فى الفرن الطين، وورثت هذه المهنة عنها،  وبعد زواجى منعنى زوجى عن ممارسة المهنة، إلى أن ماتت أمى التى كانت تساعدنى بالقوت وتدهور حال زوجى مع كثرة أبنائى، وبدأت أفكر فى العمل ولكنى لا أتقن غير خبيز العيش البلدى والباتو والفطير والرقاق، لكن زوجى أصر على موقفه القديم، وبعد فترة اقترحت عليه أن نبيع بعض كيلات من الغلة ونشترى «الدقيق الزيرو» لعمل الفطير والرقاق و«المبروم» وأبيعه فى سوق القرية.

وأضاف أم أحمد مع قدوم أفران الغاز قل اعتماد الناس على خبز الفرن البلدي، وبدأت الناس تستسهل وتشترى عيش الحكومة وقل إقبال الناس على العيش البلدى فى القرية.

وتابعت: ضاق الحال فى القرى لا بيع ولا شراء، وترك الفلاحون الأراضى وأصبح العمال بلا عمل، والبناء موقوف منذ سنوات، ففكرنا فى الخروج إلى المدن، وأصبحنا نحضر شغلنا ليلًا ونذهب إلى أسواق المدينة فى الصباح، معقبة: «منتجات الريف سواء فطير أو رقاق أو عيش بلدى فاكهة فى أسواق المدن ولها زبونها ومكسبها معقول مع الغلاء الحالي، وقليل الفصال والمناهدة». 

وواصلت حديثها قائلة: «نذهب عشر سيدات من القرية إلى أسواق المدينة أربعة أيام فى الأسبوع، نتفق مع سائق سيارة ربع نقل ونقسم الأجرة بيننا، ونحمل بضائعنا فجرًا، وتقصد كل منا سوقًا وآخر اليوم يأتى إلينا السائق، ونصل بيوتنا مع المغرب». 

بائعة البيض الحاجة قطة، لا أعرف اسمها الحقيقى ولكنها مشهورة بين أهالى قرية سقارة باسم «الحاجة قطة» تأتى من خلف جناين النخيل المهيبة، تلف القرية على أقدامها حاملة فوق رأسها مشنة خشب، تجمع فيها بيض المائدة من الفلاحات منذ ما يقرب من 50 عامًا. 

تحكى الحاجة قطة، أن زوجها استشهد فى حرب اكتوبر 1973، ولم يمر على زواجهما سوى عام وبضعة أشهر، أنجبت خلالها ولدها جابر، وأصبحت أرملة وأمًا فى عام، وأضافت: كان والدى يصنع منتجات الخوص ولى أخوات كثيرات، والأمر لا يحتمل إلقاء مسئوليتى وطفلى عليه، قررت أن أعيش من أجل ولدي، شمرت عن ساعدى وعملت فى بيع الليمون والخضروات بالأجل لسنوات، ووجدت نساء القرية يعرضن عليّ أخذ البيض وبيعه بالأجل، وفعلت حتى بدأت أجمعه من كل بيوت القرية وأذهب به إلى تاجر يأخذه إلى أسواق المدن. 

وأضافت: «بعت بيض المائدة أيام ما كان بـ«قروش»، والآن بلغت السبعين عامًا، ولم تعُد أقدامى تقوى على السير لساعات فى حوارى القرى،  من يعرفنى يأتى إلى المنزل ولم أعُد أجمع كميات كبيرة كما كان الحال قديمًا، متابعة: سعر البيضة الواحدة الآن وصل لـ6 جنيهات، والفلاحون يبعونها بخمسة جنيهات ليّ، والتاجر يُريدها بخمسة جنيهات وربع على الأكثر، فكيف أحقق مكسب مع هذا الغلاء وقلة الطيور فى بيوت الفلاحين بسبب نقص الغلة وارتفاع أسعارها، وأضافت: لم أعد أكسب الكثير ولكن ما باليد حيلة.

بائعة الزبد

تروى رأفة على القليوبى، امرأة مسنة من قرية أبوصير، جنوب الجيزة، إنها تزوجت فى سن كبيرة بشقة إيجار وأنجبت ولدين، زوجها كان سائقًا على سيارة أجرة، «حياتنا كانت صعبة، وكنت أبيع الجبن والزبد فى بيت أخى قبل الزواج» لذلك فكرت فى جمع الزيد من «ماكينة اللبن»، وكنت أكسب والحمد لله، فصفيحة السمن الـ10 كيلو كانت قبل الثورة بـ200 و150 جنيهًا وحتى عام 2016 كانت أحلى صفيحة سمن بـ400 جنيه  والمكسب كبير، ولكن بعد ذلك تغير كل شيء.

 

وتابعت حديثها قائلة: «ضربت سمن الصفائح على أيدى خمسين عامًا، كنت أفصل السمن عن الشرش، وأصنعه قوالب أضعها فى فريزر الثلاجة، وابيع بالكيلو لنساء القرية، كنت بحرم نفسى وأولادى من أجل شراء قطعة أرض ابنى عليها بيتا، وقد كان والحمد لله». 

وأضافت: «عشت حياة مرة كلها فقر من أجل تربية الولدين، مات على زوجى فجأة، وتركنا على الله.. أكملت الحياة شقا ما بين الأسواق والبيت ورعاية الأولاد»، وتقص فى حزن مرارة الحياة الآن، قائلة: «زمان كنت أخذ من السمنة والجبنة ونأكل، أعمل للأولاد بيض بالسمن، أذبح من طيور البيت وناكل، الآن «أنوفنا تشم الرائحة وعيون تُشاهد ما نصنعه لغيرنا ولا نذوقه». 

 

وتضيف: «طول عمرى أبيع لأهل القرية عمرى ما نزلت الأسواق البعيدة، لأنى بالكثير كنت أشترى صفيحة أو اثنتين فى الأسبوع بالأجل من أصحاب ماكينات الألبان، الآن كل شهر مرة لما اشترى صفيحة سمن، لأن سعرها وصل لـ2500 جنيه جملة.