رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

30 عامًا بصناعة منابر المساجد.. الوحدة الوطنية التي أوجدها نجّار قبطي!

كاراس جرجس
كاراس جرجس

الوحدة الوطنية التي أوجدها ذلك النجّار القبطي الأميّ الذي لم ينل قسطًا من  التعليم؛ كانت مُغايرة ومختلفة وهي صادقة ولا رياء فيها لأن صاحبها والمبادر بها كان شخص على فطرته تمامًا، رجل بسيط كتب فصلًا مجيدًا من فصول الوحدة الوطنية، دون أن يُخطط لذلك، قضي الرجل نحو 30 عامًا من عمره فى صناعة منابر المساجد! 

 

أدوات الوحدة الوطنية! 

قــلم رصـاص وأزميل ومنشار وألواح خشب وقطع أرابيسك وبدن فارع الطول منحنى وأنامل خشنة متشققة ووجه طيب، تلك هي أدوات صناعة الوحدة الوطنية البسيطة جدًا والتي ابتكرها «كاراس جرجس ميخائيل»  ذلك النجار القبطي البسيط الذي قضى عمره حتي رحيله، في صناعة منابر المساجد لأشقائه المسلمين.

 

 ذلك المواطن المصري وهو شخص على فطرته وربما لم ينل قسطًا من التعليم؛ حل اللغز الذي تعثر على كثيرين حله .. بادر بأدواته البسيطة بتقديم حلولا لتلك الإشكالية الصعبة التي استعصى على كثيرين حلها ورحوا يعقدون الحلقات النقاشية في الغرف المغلقة ويديرون المساجلات والمجادلات، ربما يجدوا الإجابة على السؤال وهو كيف تصنع وحدة وطنية في بلد اغترب فيه مواطنيه ؟ 

وكأن كراس جرجس يجيب أن الحل يكمن أن يبدأ كل شخص بنفسه فكيف تطلب من الآخرين أن يخرجوا القذى الذي في أعينهم وأنت لم تخرج بعد الخشبة التي في عينك؟!. 

كاراس جرجس ميخائيل

 

العم كاراس، لم يكن يرهق نفسه أبدا في استدعاء فصولا من العلاقات الحميمة بين المسلمين والأقباط الموروثة مثلما جرت العادة عندما يتحسر الجانبان على الأيام الفائتة أو عندما يتصافى مسلم وقبطي بعد أى نزاع، هو يرى أننا يمكن أن نشعل شمعة بدلا من أن نلعن الظلام قد يشع نورها ولو كان بصيصا للأجيال نالت قسطا كبيرا من ثقافة الكراهية للآخر وإنكاره ونبذه. 

 

30  عامًا فى الصنعة 

 كاراس جرجس،  لم يضع وقته منذ 30 عامًا هذا هو تاريخه المجيد في صناعة الوحدة الوطنية التي بدأها بصناعة أول منبر لمسجد أقيم بالجهود الذاتية فتبرع بأجره ليساهم مع المسلم في إقامة ذلك المسجد. 

 

 صنع كاراس جرجس،  أول منبر منذ أن تعلم مهنة النجارة وهو بلا آية خبرات في صنعة المنابر التي تتطلب حرفية عالية ودقة في تجميع التكوينات الخشبية وخاصة في الأرابيسك الذي يحلى جانبي المنبر وكان عليه أن يتحدى نفسه ويستغل موهبته الفطرية ويوظفها في صناعة أول منبر ليس لينال التقدير المعنوي من المتبرع ببناء المسجد بعد تبرع باجره أنما ليبدأ رسالته الممتدة التي انتهت برحيله. 

 

تلك الرسالة التي كان يلخصها هو ببساطة شديدة في جمل تخرج من فمه بصعوبة ودون أى زخرفة أو مبالغة «صنعة المنابر هي خدمة لربنا الجامع زيه زي الكنيسة» . 

 

 وتلك الثقافة الرائعة هي جزء الشخصية المصرية التي نبحث عنها الآن تلك الشخصية ذات الخصوصية التي تتداخل فيها تكوينات مثل الهوية والثقافة الواحدة فالإرث الحضاري والتاريخي المصري بتنوعه  كان مبدعًا في إنتاج مواطنين كانوا حتى وقت قريب يشكلون تركيبية شخصية مغايرة عن سكان المنطقة العربية بأثرها ـ  رغم اختلاف العقائد ـ من ناحية التسامح الديني وقبول الآخر. 

 

 وتلك التركيبة كنّا نراها في عمنا «كاراس» ليس على سبيل مسايرة الأوضاع؛ بل هي قناعات شخصية لا يمكن أن تتبدل يوما لديه تلك القناعات هي ذاتها التي جعلت ذلك النجار القبطي أن يرفع صلاته إلى الله ليعيد إليه ابنه الغائب في المسجد! 

 

نعم في المسجد هناك وأثناء تركيب المنبر بكى العم «كاراس» وأغلق على نفسه الباب وصلى أن يعود ابنه الغائب ونذر نذرا بان يهب الثلث من أجره للمسجد الذي سيوضع فيه المنبر الذي يصنعه له وقد عاد الابن وإلتزم «كاراس» بنذره هكذا يقول ويقنعنا أن المسجد عنده مثل الكنيسة كلها بيوت الله.

 

 

لا أحد يخلف الرجل: 

صنع كاراس جرجس ميخائيل، مئات المنابر لمئات المساجد في الصعيد وهو لا يستطيع أن يحصى عددها ولكنه يتذكر باعتزاز ذلك المنبر الفخم الذي صنعه لمسجد العارف بالله سيدي عبدالرحيم القناوى بمدينة قنا منذ سنوات والذي استغرق في صناعته 20 يوماً.

 

ظل الرجل رغم تقدم العمر وانحناء الظهر ومتاعب الحياة، يمارس رسالته، وفى فبراير من العام الماضي 2022، رحل العم كاراس جرجس بعد عمر مديد، صنع خلاله بحرفته المئات من المنابر لمساجد القرى فى شمال محافظة قنا وجنوبها، رحل الرجل وقد ترك رسالة تحتاج لمن يفهمها. 

مات العم كاراس جرجس ميخائيل، بعد أن كتب فصلًا مجيدًا وعذبًا فى كتاب الوحدة الوطنية، ولكنه ذلك الفصل قد إنتهي بموته ولم يوجد من يخلفه!