رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

خارج السطر

بذكاء وعذوبة وتخييل جذاب يلتقط الروائى الفذ أشرف العشماوى ملفات قديمة من أرشيف العدالة ليُحولها إلى روايات شيقة، تحمل من الجمال والمُتعة والسحر قدراً كبيراً، استحق من أجله المُبدع المنتم لمهنة العدالة، مكانة أدبية رفيعة حازها عن استحقاق خلال أقل من عشر سنوات.

فى عمله الأحدث «مواليد حديقة الحيوانات»، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، يُقدم ثلاث روايات قصيرة فى نحو مئتين وخمسين صفحة، تركز جميعها على قيمة العدالة بمفهومها الواسع فى مُجتمع مُضطرب مُلتهب بصراعاته حول الهوية، والأعراف، والقضايا الشائكة.

يبدو أشرف العشماوى متحمسا لممارساته التجريبية فى عالم السرد، ليُجدد– على خلاف الشائع– فكرة الرواية القصيرة «النوفيلا» مرة أخرى، مفضلاً تقديم ثلاث روايات دفعة واحدة، وكأنه يُراهن على قدرته على الإدهاش من خلال ثلاث جولات متتالية، تمثل حكايات غرائبية غير نمطية تحدث فى ذلك المجتمع الكبير بتناقضاته والفريد بحكاياته.

رغم تصدير الكاتب للعمل بعبارة تُشعل الحيرة هى «لا يمكننى تأكيد أن الأحداث حقيقية، وفى الوقت ذاته لا أستطيع النفى»، إلا أن وجود المحكمة كعنصر قائم وأساسى فى النوفيلات الثلاث، يؤكد دون شك أن الحكايات مستوحاة من قضايا حقيقية شهدتها ساحات القضاء يوما ما. فالظلم الإنسانى من عمر البشر، عندما غرس قابيل خنجره فى ظهر شقيقه، فانفك إسار التجبر من كل سلطة أعلى تجاه من يدانيها.

ما الظلم سوى حبل طويل يلف ماضينا بحاضرنا، ويستفز خلايا الإحباط ففكر بقلق فى مستقبل أبناءنا، لنطرح السؤال الموجع عما يُمكن فعله لرد الظلم. إننا نتابع كل يوم، ظلم مَن يملكون ضد مَن لا يملكون، ومَن يقدرون ضد مَن لا يقدرون، ومَن يحالفهم الحظ ضد تعساءه. نرى وُننكر ونحاول دائما أن ننأى بأنفسنا عن معسكر الظلمة، وهذا ما يحاول المبدع فعله فى هذا الزمن، وعلى هذه الأرض، فهو لا يمتلك سوى الكلمة، وهى أمانة خالدة إلى يوم الفناء.

واللافت فى الأحداث ثمة إشارة واضحة حول تاريخ الأحداث الحقيقية للنوفيلات الثلاث يوضح أنها جرت جميعا خلال عهد الرئيس أنور السادات، باعتباره أنه العهد الذى شهد صعوداً مريباً وقاسياً للتيار الدينى فى مصر، متزامناً مع تصاعد ظاهرة الثراء السريع، وانتشار الفساد، وتفاقم أزمات الفتنة الطائفية، وبدء ظهور تحالف المال والسلطة، وما نتج عنه من مظالم جمة.

وبما أنى لست ناقداً وإنما قراءتى للعمل هى قراءة إنطباعية، متأثرة بعشقى للسرد، وهيامى باللغة، لذا تستوقفنى بعض التعبيرات المُدهشة المُعلمة التى تعبر عن جهد وحرص واعتناء. منها مثلا قول الكاتب فى النوفيلا الأولى التى تحمل عنوان «كابينة لا ترى البحر»: «إن الناس أطياف عابرة تمر برأسى، محطات لرحلة مشئومة خرجت منها تعيساً، وحيداً لا يعرف أحد شيئاً عنى». وقوله فى الحكاية ذاتها «أمامى الآن أكبر شاشة عرض لكنها بلا فائدة، بعدما تبخرت أفلام خيالى، ولم يعد متبقياً سوى مأساتى ومقولة شقيقتى: كل الصور خادعة».

ونقرأ فى الحكاية الثانية «مزرعة الخنازير» عدة عبارات ساحرة ربما كان أبرزها وصف الكاتب للعاصمة القاهرة بقوله «القاهرة الآن مدينة نداهة، مع أنها عجوز متصابية دميمة، صبغت شعرها بصفرة تؤذى الناظرين، تقتات على الزيف والكذب، بعدما رفعت برقع الحياء، لكنها لا تتخلى عن طرحتها وسجادة صلاتها حتى ينجذيوا إليها، وعندما تنزلق أقدامهم تكشف لهم وجهها القبيح».

وهذا الجمال جدير بالاحتفاء المتحقق للمبدع الكبير، الذى حلم يوماً قبل ربع قرن بأن يكون متواجداً فى كل بيت مصرى.

فالجمال المستحق توازيه محبة مستقة. والله أعلم

[email protected]