رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حلت أمس ذكرى رحيل فارس الكلمة والرأى مؤسس صحيفة «الوفد» المرحوم مصطفى شردى، الذى لقى ربه راضيًا مرضيًا عنه فى 30 يونيه عام 1989. واليوم أتحدث عن الأستاذ الكبير والفارس الراحل وكلى مرارة وأسى، أن تبوأت مكانه فى ظل ظروف حرجة وصعبة. وتواجه الصحيفة معاناة مالية قاسية، وهناك جهاد مرير للحفاظ على إصدار الصحيفة، بعدما ارتفعت أسعار الورق والأحبار وكافة متطلبات الطباعة بشكل يفوق الخيال، وباتت هناك فجوة بشعة بين الموارد والنفقات.

مصطفى شردى ليس كأى صحفى أنجبته الأمة العربية. فقد كان عملاقًا منذ نعومة أظافره، لأنه يكاد يكون الصحفى الوحيد الذى مارس المهنة وهو لا يزال طفلًا صغيرًا فى مكتب جريدة المصرى الناطقة بلسان حزب الوفد عام 1952، وانتقل إلى «أخبار اليوم» عام 1954. ولا يخفى على أحد أن هذا الصحفى، التقط صور البشاعة ضد المصريين فى مدن القناة على أيدى الاحتلال، وطاف بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ليكشف عن هذه الجرائم أمام الرأى العام العالمى. ومن يومها أدى مصطفى شردى دورًا وطنيًا منقطع النظير لا يدانيه أى صحفى فى الأمة العربية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وهو فى سن صغيرة.

مصطفى شردى الذى لا تعرفه الأجيال الجديدة، هو الذى أسس صحيفة الوفد عام 1984 عندما أوكل إليه هذه المهمة الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين، والذى يعد هو الآخر مدرسة وطنية ومناضلًا عظيمًا من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأحد الفرسان الذين ندر وجودهم والمحارب الشديد ضد الظلم والقهر وكشف الفساد وفضح مدعى السياسة الذين اغتالوا الوطن عقوداً طويلة. وخاض مصطفى شردى معارك من أجل الحرية والديمقراطية ومدافعًا عن حق المواطن فى الحياة الكريمة، وخاض بإيمان ويقين يسجله له التاريخ فى مصر والأمة العربية وبشجاعة يفتقدها الشارع السياسى، عمليات التصدى للفساد والمفسدين.

لقد قام أستاذى ومعلمى مصطفى شردى، بترسيخ الدور المهم للرأى الآخر فى الصحافة العربية على حساب صحته وأعصابه. وأعطى زهرة شبابه مدافعًا عن القيم والشرف والنزاهة. وكان رائدًا من رواد الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان. واجه سلطة مبارك وجبروتها بقلمه، واستطاع أن يعيد للصحافة كرامتها. وأن يمارس المهنة بأسلوب راقٍ وحضارى يدفع بصحيفة «الوفد» التى انتسب إليها إلى المقدمة، وأصبحت بفضلة منبرًا حرًا صادقًا لا تزال تسير عليه حتى الآن من خلال تلاميذه الذين تولوا مواقع القيادة بها حاليًا.

لقد كان مصطفى شردى أستاذى ومعلمى، نموذجًا فريدًا شهده عالم الصحافة ندر ما تجود به هذه المهنة الجليلة. فقد أعطى المهنة كل طاقاته وقدراته، وخاض التجربة بزخم سياسى وعزيمة لا تدانيها أية عزيمة.. ويوم وفاته المفاجئة التى كنت شاهدًا عليها فى غرفته بالمستشفى مع الراحل الكريم سعيد عبدالخالق طيب الله ثراه اجتمع الجميع، الخصوم قبل المؤيدين يذكرون محاسنه ومواقفه الوطنية الرائعة ودوره فى تأسيس مدرسة «الوفد» الصحفية التى ما زالت تؤدى دورها الوطنى رغم الظروف الصعبة والمريرة التى تهاجم الصحيفة بين الحين والآخر. نعم كما أجمع الكتاب والصحفيون بعد وفاته أن مصطفى شردى كان بكل تأكيد من فرسان الكلمة، ومات وهو ممسك بالقلم وهذا شرف لا يدانيه أى شرف آخر.

كانت وصيته الأخيرة مصر..وهى آخر ما نطقه أمامى قبل أن تفيض روحه الطاهرة وحينها كتبت فى مثل هذا اليوم عام1989

مات أبى.. مات أستاذى.. رحل الأستاذ مصطفى شردى رئيس تحرير «الوفد»، عن عالمنا.. عالم الكذب والنفاق والتطبيل، والنهب والسرقة والغش والخديعة.. وقد كتب الله على أن أكون مع سعيد عبدالخالق نائب رئيس التحرير، ليموت مصطفى شردی بین أيدينا فى مستشفى السلام بالمعادى، كانت الساعة حوالى السابعة إلا خمس دقائق عندما توجهت والأستاذ سعيد إلى المستشفى. وكنا نتحدث خلال الطريق من مقر «الوفد» العمل وكذا وكذا... بالمنيرة إلى المعادى، عن كفاح مصطفى شردى وعن وطنيته الصادقة، وإخلاصه.

فى غرفة بالدور الخامس بمستشفى السلام، استقبلنا الأستاذ مصطفى شردى، بالحب والترحاب. وجلسنا إلى جواره ودار هذا الحوار وكان هو المتحدث فى البداية:

. كيف الحال؟

- تمام والحمد لله.

كيف حال الجريدة.

- بخير وعلى ما يرام. ما أهم أخبار الجريدة اليوم؟

كذا وكذا وكذا.. إلخ. لماذا أرهقتم أنفسكم بالحضور والجريدة أحق بهذا الوقت؟

- سنعود على التو إلى الجريدة.. نعم يجب العودة إلى مقر «الوفد»، فالخبر الفلانى يستحق وجود الزملاء فى العمل لإجراء التغطيات الصحفية اللازمة.

قلنا له لا ترهق نفسك يا ريس. قال أنا غير مرهق وكل الذى أفكر فيه فقط هو حال هذا البلد.

كان رحمه الله، أستاذاً كبيراً ومعلماً نادراً.. نعم لقد علمنا الكثير والكثير، ولم يبخل بشيء إلا ولقنه لنا نحن محررى «الوفد»... كنا نتسابق إليه ننهل من علمه، وحنكته السياسية.. كنت أتصل به فى أى وقت من أوقات الليل أستشيره فى موضوع الخبر الفلانى، وأتلقى منه الدروس والخبرة.. والحنكة.. أجلسنا على مكتبه ونحن فى سن صغيرة، وحملنا المسئولية ونحن ما زلنا فى مهد صاحبة الجلالة، وكان يقول بالحرف الواحد أنتم محررو «الوفد» لم يغرس فيكم بعد الخوف.. أنتم نجوم المستقبل وأمل الأمة.

نعم استطاع مصطفى شردى أن يخلق جيلاً جديداً ومدرسة صحفية جديدة، قوامها الأول الوطنية الصادقة، وعمادها تحمل المسئولية... إن كل العاملين والزملاء الصحفيين بـ«الوفد» هم من جيل الشباب، الذين استطاع شردى، أن يقود بهم حملات ضارية ضد الفساد والطغيان.

كنت أزعج الأستاذ مصطفى شردى يوميا فى مكتبه، فهو رحمه الله لم يعرف أن يضع حاجبا على مكتبه.. ولم ينهرنى يوما واحدا، أدخل عليه وهو يكتب، أستشيره وأتلقى منه تعاليم مقدسة، أحفظها عن ظهر قلب وأنفذها حرفيا.. لقد تعلمت منه كيف تقدر المسئولية وكيف أحفظ العهد والوعد وكيف أكون عند حسن الظن، رحل فارس الصحافة المعارضة فى المشرق العربى.. رحل مصطفى شردى الإنسان، الذى كان يقف صلبا، لم تثنه الأيام ولا الأحداث مرها وشرها.. كان الفقيد الغالى، يطمئن بنفسه على سير العمل بالجريدة، يقف فى صالة التحرير يشد من أزر المحررين، ويقف داخل صالة الجمع التصويرى يتابع بنفسه صف الحروف، وداخل صالة المونتاج، يراقب الوضع بعين فاحصة صاحبة حنكة وخيرة. نعم كان مريضا ومرهقا ويصعد السلم، ليعيش وسط المحررين يعلمهم ويساندهم، ويأخذون منه المشورة والحكمة.

كان دائما مصطفى شردى مثالا للرجل الشجاع الذى لا يرهب الحق، يقوله أينما كان... زرع فينا نحن الشباب حب التضحية وإنكار الذات.. وتعلمت وزملائى أن نلتصق بالجريدة، لا نبرحها حتى الساعات الأولى من الصباح حباً فى العمل.. نسينا أهلنا ونسينا أنفسنا، ولم ننس ما غرسه فينا شردى.. كان رحمه الله إنسانا قبل أن يكون صحفيا ناجحا وكاتبا لامعا، وسياسيا خطيرا.. يعرف كيف يضع الكلمة فى موضعها. كان يطمئن بنفسه على أحوال الزملاء المحررين وغيرهم، يصنع فينا الحب والوفاء والإخلاص للعمل، لم يشعر محرر ما بضائقة أياً كانت إلا ويلمحها فى عين المحرر، فتغدو الضائقة وكأنها لم تكن.. والأمثلة كثيرة لا تحصى ولا تعد.. وعرف كيف يلين وقت اللين، ويقسو فى موضع القسوة..

رحم الله الأستاذ المعلم، وأقول له فى قبره لقد غادرت «الوفد» اليوم ونفذت تعاليمك قدر الاستطاعة.