رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

حتى نلتقى

بينى وبين القاهرة قصة عشق راسخة فى أكرم أركان القلب، فقد ولدت فى شبرا البلد، وقضيت صباى الأول فى مدارس شبرا، ثم التحقت بكلية الفنون الجميلة بالزمالك عام 1979، أرقى أحياء القاهرة فى ذلك الوقت، ومنذ 1977 وأنا شبه مقيم فى قلب القاهرة بجناحيها الأوروبى والإسلامى، أى ما يسمى بوسط البلد، الذى أسسه الخديو إسماعيل (1863/ 1879) ثم امتد شرقاً وغرباً، وهذا هو الجناح الأوروبى، أما الجناح الإسلامى، فيشمل أحياء الأزهر والحسين والحسينية وباب الشعرية والسيدة زينب والخليفة والدرب الأحمر والقلعة إلى آخره.

ولما قست القاهرة بشدة على شبابها فى زمن مبارك، غضبت من تلك القسوة وكدت ألعنها، فلما سكت عنى الغضب سامحتها، وانتهزت فرصة أن جاءتنى دعوة للعمل فى دبى فغادرت العاصمة العتيدة فى يناير 1999، باحثاً عن حياة أكرم فى مدينة أخرى.

ومع ذلك لم تنقطع الأسباب لحظة بينى وبين معشوقتى المتفردة، فكان لا يمر أكثر من ثلاثة أشهر، إلا وقد لبيت نداء الحب، فحلقت عائداً إلى الحبيبة الغالية، وقد امتلأ وجدانى بأنهار الغرام للعاصمة الفريدة التى سكنت القلب والعقل والروح.

هكذا قضيت عدة أيام مؤخراً فى قاهرتى العزيزة، التقيت الأهل والأقارب والأصدقاء والأحباب والتلاميذ. سألت واستفسرت، سمعت منهم كثيراً، وتحدثت إليهم قليلاً. تجولت وتأملت وفرحت، لكن لم تكن الفرحة صافية ولا نهرها عذباً طوال الوقت، إذ لمست الهم يسكن جفون الناس، من فرط الغلاء المذل، وقلة الحيلة وانسداد الكثير من نوافذ الأمل.

عدت بذاكرتى إلى تاريخ القاهرة الحديث، منذ محمد على باشا (1805/ 1848) حتى الآن. حاولت أن أعثر على لحظات تاريخية مرت بنا طوال أكثر من قرنين تشبه لحظتنا الراهنة بتناقضاتها وضبابها. عثرت على بعضها، وتيقنت أن عبقرية المصريين تكمن فى قدرتهم على هضم كل ما هو مشين وسلبى وبائس فترات قليلة ثم سرعان ما يلفظونه بقوة.

وأدركت أيضاً أن الجور والضيم والهم... كل ذلك لن يتمكن من إفساد حياة الملايين، بل سينمى لديهم مهارات جديدة تعزز قدراتهم على تجاوز المحنة والانتصار للعدل والحرية والجمال.

فى القاهرة أنت فى حضرة المدينة الحديثة بكل معنى الكلمة... مدينة كاملة الأوصاف. إذا أردتها مدينة سياحية استجابت لك، فالآثار الباذخة متناثرة هنا وهناك. وإذا أردتها مدينة صناعية استجابت لك. وإذا أردتها مدينة تجارية استجابت لك، وإذا أردتها مدينة ثقافية وفنية استجابت لك.

أما إذا أردتها مدينة (الدم الخفيف) فهى الأولى فى العالم، فلا يشبه خفة دمنا نحن المصريين أحد، لا قديماً ولا حديثاً، والقاهرة مستودع خفة الظل فى العالم كله، فلا يوجد مصرى واحد إلا وله من خفة الدم نصيب،

ولعل ما يجرى فى عروقنا من أنهار (خفة الدم) هذه هى التى تجدد شباب القاهرة وأهلها، وهى التى تحميهم من بؤس الأيام وظلم لياليها.

بالقاهرة ومعها أنت فى حضرة الجمال والتاريخ والبسمة المشرقة التى تضيء قلوب الناس، وما أرقها من قلوب.