رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

خارج السطر

يوصف الخامس من يونيو/ حزيران 1967 بأسوأ يوم مر على مصر والعالم العربى فى العصر الحديث. ففيه انكسر الحلم بالتفوق والنهضة، وانطفأ وهج الأمل للتقدم والسيادة، وسقطت منارات شاهقة ظن مُشيدوها أنهم قادرون بها على اختراق السماوات.

باختصار شديد انهار كل شيء، هزمتنا إسرائيل، الأصغر عددا، والأقل عتادا، بمفاجأة لم تكن متوقعة، وانكشف واقع الحال فى بلادنا عن بُنيان هش، وكيان مريض، ومجتمع يعانى من اختلالات كبيرة فى القيم والفلسفة الحاكمة.

فالهزيمة هنا لم تكن عسكرية فقط، وإنما حضارية، وفكرية، ومجتمعية. ورغم رد الاعتبار عسكريا فى أكتوبر 1973، وعبور القناة، واسترداد الأرض فيما بعد، إلا أننا كُمجتمع مصرى لم نُغادر الخامس من يونيو حتى الآن.

ولعل ذلك ما جعل أستاذ التاريخ الحديث، المفكر النابه خالد فهمى يضيف على مصطلح «هزيمة يونيو» فى بحث تاريخى موسوعى عميق يتناول الحدث كلمة « المستمرة»، موضحا أننا مازلنا نُعانى من كثير من أعراض ما قبل يونيو مُجتمعيا.

ذلك لأن النظام العام الذى أسسته ثورة يوليو اتسم بعدة سمات راسخة مازالت لصيقة بالوطن ومتغلغلة فى مؤسساته إلى اليوم. منها مثلا الوعد المؤجل بالجنان والرخاء وسيادة العالم دون قواعد ودراسات وخطط واقعية مرسومة بعناية وبمشاركة خبراء حقيقيين.

ومنها أيضا الاهتمام الزائد بالمظهر واهمال المضمون، وهو ما نراه توجها عاما لدى كافة الكيانات العامة، فالصورة والشكل والاخراج المسرحى لكل مشروع أهم كثيرا من قيمة وآثار ومردود هذا المشروع.

ومن السمات الأخرى الحاكمة لنظام يوليو 1952 سمة الفردية المُطلقة، التى تتلقى الرؤى من أعلى لأسفل، فتمجدها وتُعظمها وتُنفذها دون وعى بها أو تقييم أو دراسة باعتبارها غاية الحكمة والرشاد. تذكروا مثلا أن قرار تأميم قناة السويس سنة 1956 لم يُستشر فيه إنسان، وظل سرا مُنحبسا برأس جمال عبدالناصر وحده، وعندما أطلقه فوجئ الجميع بكل شئيء، ودفعنا الثمن مضاعفا فى سبيل شعبية زائفة حققها الرجل.

فى الرواية المُذهلة «يوميات سعد عباس» للمبدع الكبير مصطفى بيومى، والتى يقدم فيها محاكمة صارمة وقاسية لنظام يوليو يضع بطل الرواية يده على سمة أخرى مهمة ولافتة فى تاريخ الأمم، وهى غياب النقد الذاتى. فالجمهورية التى أسسها ضباط طامحون حالمون فى 1952 اعتبرت أى مراجعة للأفكار والخطط والأداء بمثابة مؤامرة قاصمة ضد عدالتها، فمارست الرقابة بشتى طرقها وحرمت نفسها والوطن من أى نقد ذاتى بناء يساهم فى علاج الاختلالات الحادثة.

وهكذا سرى النفاق فى أوصال المجتمع والكيانات، بل أصبح خيطا حاكما للبيروقراطية المصرية، فصار كل مرؤوس يُنافق رئيسه، يُخفى عنه ما يُزعجه، يُشيد بعظمته، يتجنب تنبيهه لأخطائه، ثُم يساهم فى نقل أخبار الآخرين له سعيا للقرب والحظوة.

قادتنا كل هذه الاختلالات المُجتمعية إلى هزيمة يونيو سنة 67، ففقدنا مئة ألف شهيد، وخسرنا سيناء، وحاولت أبواق النظام الناصرى تخفيف الأمر، فأطلقت على الهزيمة وصف «نكسة»، ثُم انتصرنا عسكريا بعد ست سنوات، بفضل وإرادة روح المقاومة فى الشخصية المصرية.

لكن رغم تلك اليقظة، فإننا لم نر بعد السادس من يونيو، صباحا جديدا ضد الهزيمة الفكرية والحضارية والمجتمعية. فمازالت الشكلانية سائدة، ومازالت الفردية حاكمة، ومازال النفاق حاضرا.

والله أعلم

[email protected]