رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

خارج السطر

الجمال كُلٌ لا يتجزأ، فى الشكل والمضمون. لا تنخدع بمسميات وألقاب، ولا تُسلم بحملات دعاية ووصلات تصفيق، وأرصد الإنسانية داخل كل إنسان لتتمكن من الإمساك بقيمته.

ما كل جميل جميل، وما كل ما يلمع ذهبا، ففى عصر المساحيق والجمال الاصطناعى والصور الملفقة فمن الصعوبة الاطمئنان تماما لتقدير القيمة فى الشخصيات العامة.

أبرز مثال على ذلك، مينوش، أو فخر الإسكندرية كما كان يردد البعض، النموذج اللافت للمرأة المتفوقة، المُتحققة، والمؤثرة خارج حدود وطنها. نعمت شفيق، هذه الأكاديمية المصرية التى شغلت الشباب العربى فى الآونة الأخيرة بسبب مواقفها ضد الحريات، وضد فلسطين. هاجرت مينوش مع أسرتها من مصر زمن عبدالناصر، وهى فى الرابعة من عمرها، لأنه أمم ثروة والدها، فتعلمت فى أميركا، وتخرجت في ماساتوشستس، ثم حصلت على الدكتوراة من أكسفورد فى الاقتصاد، ثم عملت فى صندوق النقد الدولى، كما شغلت منصب أمين عام وزارة التنمية الدولية ببريطانيا وحققت إنجازات علمية وأكاديمية كبيرة، ثم تفرغت للعمل الأكاديمى، وتولت بعد أن تجاوزت الستين من عمرها رئاسة جامعة كولومبيا بأمريكا لتصبح أول امرأة ترأس الجامعة.

ما حققته نعمت شفيق من خطوات يرفع الرأس ويدفعنا لتكرار المقولة الشعاراتية البراقة « مصر ولادة»، لكن ما بان منها من مواقف ضد العدالة، والحرية فى حراك الطلاب الأخير تضامنا مع فلسطين، يرفع الضغط. لذا فإننا نجد اسمها ضمن لوحة الشرف فى موقع المجلس القومى للمرأة، كما نجده أيضا ضمن قوائم أعداء الحرية على صفحات التواصل الاجتماعى.

فى كتابها «ما يدين به كل منا للآخر» دعت مينوش شفيق للحرية بكل معانيها، فالتنمية لن تتحقق دون عدالة، ودون قيام برلمانات حرة ومجتمعات حرة.

وبعد تظاهر طلاب كولومبيا ضد وحشية إسرائيل، سمحت مينوش للشرطة الأمريكية باقتحام الجامعة للقبض على الطلبة المعبرين عن آرائهم، ثم منعت الأساتذة المتعاطفين مع القضية الفلسطينية من التدريس بالجامعة، وهو ما دفع كلية الآداب داخل الجامعة نفسها تصدر بيانا بحجب الثقة عن مينوش شفيق لاعتدائها على حرية التعبير.

تبدو مينوش شفيق نموذجا متكررا، نراه مرارا لنجباء وعباقرة يغادرون مصر أو الشرق عموما طلبا للتحقق والنجاح، ثُم ينصهرون فى بلاد الفرص ويتشربون قيمها وأفكارها، لدرجة انقلابهم على جذورهم وتجارتهم بكل القيم طلبا للحفاظ على ما اكتسبوه. بئست الصفقة، وما ربح البيع!

فى الطرف الآخر قامات أخرى حققت نبوغا وحملت خُلقا وفكرا. منهم مثلا محمود محيى الدين، الذى نجا من قوالب الأمركة وأفلت من الخضوع لغايات الغرب ومصالحه. غادر «محيى الدين» مصر قبيل إنتفاضة 2011، فعمل فى البنك الدولى، ومؤسساته، مديرا، ومخططا، ومنفذا، ومحاضرا وواضع سياسات، لكنه حافظ على رأسه وقيمه وجذوره. بلغتهم وبوعى تام بقيم الغرب وقواعده، وعبر مواقف عدة، علا صوت الرجل منتقدا ومنددا بسياسات الدول الكبرى تجاه العالم كل يوم.

قبل أيام قليلة شارك «محيى الدين» فى مؤتمر اقتصادى بالكويت، تحدث فيه عن اتساع الفجوة بين البلدان النامية والدول ذات الدخل المرتفع، وحذر من السياسات السلبية للدول الكبرى وانتهاك قواعد العمل ومقررات منظمة التجارة العالمية. وقبلها انتقد الرجل ما فعلته الدول الغنية بالدول الفقيرة فيما يخص زيادة الانبعاثات والتغير المناخى، وأكد حق المتضرين عن التعويض عما لحق بهم.

وفى كل منبر، وعبر كل طلة، يؤكد محمود محيى الدين أنه فلاح ابن فلاح، مغروس فى غيطان مصر، موثوق بتاريخها وتراثها، ممتزج بهموم أبنائها وآمالهم، مهما تغرّب أو تشرّق، لذا لا نتعجب أن نراه كلما زار مصر مرتدديا الجلابية البلدى، جالسا وسط أحبائه وأهله من الفلاحين فى كفر شكر.

المصرى بأخلاقه وقيمه وتراثه، لا بموطن مولده.

والله أعلم

[email protected]