رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

المتتبع لمواقف وزير الخارجية الأمريكى بلينكن يدرك أن الرجل لا تنقضى عجائبه، وإلا بماذا يمكن تفسير تصريحه بأن الدول العربية غير حريصة على المشاركة فى إعادة إعمار غزة إذا كان القطاع الفلسطينى سيسوى بالأرض مجددا فى بضعة أعوام!

ومن قال إن الدول العربية مسئولة عن تلك العملية أو يقع عليها واجب القيام بها. أعتقد أن بلينكن يناور رغم حقيقة أن الأمر مطروح على مائدة المباحثات خلال جولاته بالمنطقة، غير أن تحول فكرة تكفل الدول العربية بإعادة ا إعمار إلى ما يشبه المسلمة أو البديهية أمر لا يجب القبول به بل وإعادة النظر فيه. ما الذنب الذى اقترفته الدول العربية أيا كانت هذه الدول الخليجية أم غير الخليجية لكى تتكفل بإعادة الإعمار أيا كانت تكلفة تلك العملية؟

السؤال البديهى الذى يطرح نفسه، من الذى دمر غزة وسواها بالأرض؟ إنها إسرائيل ومن هنا فإن المنطق يحتم أن تتكفل هى تكاليف تلك العملية. ولكن لأن بلينكن يهودى -هذه ليست شتيمة أو انتقاص منه وانما توصيف أعلنه هو بنفسه فى مستهل زيارته بعد طوفان الأقصى- فإنه يبدو كمن يبعد النار عن الدولة التى ينتمى إليها دينيا!

فى أعراف القانون الدولى وتاريخ الصراعات والحروب بين الدول فإن التعويض عن الخسائر التى تسببها دولة لأخرى وارد خاصة إذا كانت تلك الخسائر الناجمة عن عدوان، طبعا المسألة مثيرة للجدل وسيطرح البعض التساؤل حول من الذى بدأ أولا وخلافه لكن الرد على كل ذلك أن إسرائيل فى عملياتها دمرت كل الأهداف المدنية فى القطاع وهو أمر كان يمكن تجنبه هذا بافتراض حقها فى القيام بتلك العمليات.

ليس الأمر متاح هنا لاستعراض تجارب التعويضات ولكن المثل الأبرز هنا يتعلق بالتعويضات التى فرضت على العراق بسبب غزوه للكويت، وهى تجربة من بين تجارب عديدة أعتقد أنه يمكن أن لم يكن يجب القياس عليها.

من الغريب أن هذا الجانب -وقوع عبء تكلفة إعادة الإعمار على إسرائيل- يقع فى إطار المسكوت عنه على صعيد الجدل الدولى بشأن الحرب على غزة، وكأنه هناك توافق بين كل الأطراف على أن العبء بالمنطق يقع على عاتق الدول العربية.

ربما كان ذلك مقبولا فى حالات سابقة غير أن الأمر هذه المرة يتجاوز المعقول، حيث كان مسئول أممى أشار فى بداية العمليات إلى أن التكلفة ربما تتطلب 20 مليار دولار، فيما أشار الرئيس السيسى منذ شهرين إلى أنها تتكلف نحو 90 مليار دولار، وهو ما يعنى أن التكلفة النهائية ربما تزيد فى ضوء حجم الدمار الذى لحق بغزة وهو أمر تتجاوز هذه السطور إمكانية التفصيل فيه.

لو أن بلينكن جاد، ولو أن الدول العربية التى أقرته على موقفه لديها من المخاوف على الفلسطينيين ما يدفعها لإنفاق تلك المبالغ على إعادة الإعمار وهو أمر عبثى إذا حدث عدوان جديد على القطاع كما يحاول بلينكن نفسه أن يلمح وكأنه متعاطف معنا، فربما يبدو من الحماقة الوقوف فى وجه إعادة الإعمار، غير أن الحماقة الأكبر أن يتم ذلك دون ربط الأمر بقيام دولة فلسطينية وسط ظروف تحول دون تكرار ذلك النوع من الدمار. لكن المشكلة أن هذا النوع من التفكير غير موجود لدى بلينكن نفسه أو دولته أو حتى الدولة التى تسببت بذلك الدمار الشامل، حيث أن الرجل يدعو إلى ضرورة «التطرق» -لاحظ التطرق- لقضية إقامة دولة فلسطينية وليس التطبيق على أرض الواقع وهو ما يعنى أننا ربما لو سايرنا منطق بلينكن لكنا نجرى وراء سراب فى سراب!

[email protected]