رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

اشتهر الامام عبدالكريم بن هوازن القشيرى المتوفى عام 465 ه بتلك الرسالة التى نسبت إليه وهى رسالة كتبها بمداد قلبه قبل مداد قلمه وعقله؛ حيث يمتلئ هذا الكتاب بحكايات غزيرة عن حياة المتصوفة وآدابهم وأخلاقهم وعقائد قلوبهم وما أشاروا اليه من مواجيدهم وكيفية ترقيهم من بدايتهم الى نهايتهم، ان حكايات هذا الكتاب تتداخل وتتلاحق واحدة من قلب أخرى وتأخذك بحلاوة الحكى ومعجزات السالكين فلا تكاد تفرغ من معرفة احداها حتى تدخلك فيما يليها مستمتعا حتى تفرغ من هذا الكتاب، وقد امتلأ قلبك بحب هؤلاء القوم الذين أوقفوا حياتهم على عشق الله والتفرغ لعبادته والحنو على عباده ومخلوقاته، وقد بدأه بالدفاع عنهم فقال «انهم بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة فى التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل»، انهم القوم الذين زهدوا فى المطالب والشهوات الدنيوية وأخلصوا الحب لله فأحبهم الله وأجرى الكثير من الكرامات على أيديهم، وقد ركز بعد ذلك على ذكر سير مشايخهم وما يدل من سيرهم وأقوالهم على تعظيم الشريعة، وأول من ذكرهم كان إبراهيم بن أدهم ذلك العابد الزاهد الذى مازلنا نحفظ عنه قوله لما شاع الغلاء فى عصره «وإذا غلا شىء على تركته.. فيكون أرخص ما يكون إذا غلا» وهو ذاته الذى حدد معالم الطريق الصوفى للسالكين بقوله «أعلم أنك لن تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات أولاها تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والخامسة تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والسادسة تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت»، أما الثانى فكان ذا النون المصرى القائل «لا تسكن الحكمة معدة ملئت طعاما» والقائل أيضا «من علامات المحب لله عز وجل متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم فى أخلاقه وافعاله وأوامره وسننه» ولما سئل عن السفلة قال «من لا يعرف الطريق إلى الله ولا يتعرفه».
لقد فاض الكتاب بسير العارفين بالله من أعلام الصوفية عبر القرون كما تحدث عن تصوراتهم ومصطلحاتهم الصوفية مصحوبة بالكثير من المواقف المؤثرة وخاصة فى بابى المحبة والشوق، حيث أورد من أشعارهم ما يرق له القلب ويجعله يهيم فى الله حبا وعشقا؛ خذ مثلا قول أحدهم أمام «الجنيد» وهو من كبار أعلامهم «ولما ادعيت الحب قالت كذبتنى .. فما لى لا أرى الأعضاء منك كواسيا، فما الحب حتى يلصق القلب بالحشى .. وتذبل حتى لا تجيب المناديا، وتنحل حتى لا يبقى لك الهوى .. سوى مقلة تبكى بها وتناديا»، واليك ماقاله أحدهم فى عمق التعلق بالمحبوب «عجيب لمن يقول ذكرت الفى .. وهل أنسى فأذكر ما نسيت، أموت اذا ذكرتك ثم أحيا .. ولولا حسن ظنك ما حييت، فأحيا بالمنى وأموت شوقا .. فكم أحيا عليك وكم أموت، شربت الحب كأسا بعد كأس .. فما نفد الشراب ولا رويت». 
والطريف أن حكايات العشق الالهى قد اختلطت بحكايات عشق البشر؛ ومن ذلك قول القشيرى أن أحدهم قد هام عشقا بجارية فلما رحلت وخرج فى وداعها دمعت احدى عينيه دون الأخرى، فأغمض التى لم تدمع ولم يفتحها بعد ذلك أربعة وثمانين عاما عقابا لها على أنها لم تدمع لفراق حبيبته وعبر عن ذلك قائلا: «بكت عينى غداة البين دمعا .. وأخرى بالبكاء بخلت علينا، فعاقبت التى بخلت بدمع .. بأن أغمضتها يوم التقينا». وحكى أن شابا أشرف على الناس فى يوم عيد وأنشد «من مات عشقا فليمت هكذا .. لا خير فى عشق بلا موت» وألقى بنفسه من سطح عال فوقع ميتا! أما فى مقام الشوق فقد أورد قول أحدهم «نحن فى أكمل السرور ولكن .. ليس الا بكم يتم السرور، عيب ما نحن فيه يا أهل ودى .. أنكم غيب ونحن حضور» وفى ذات المعنى أنشدوا «من سره العيد الجديد .. فقد عدمت به السرورا، كان السرور يتم لى .. لو كان أحبابى حضورا»!
والسؤال الذى كان شديد الالحاح على وأنا بصحبة هذا الكتاب الممتع هو: أين وكيف ضاعت منا كل هذه المشاعر الإنسانية الرقيقة التى كانت ولا تزال تميز تراثنا الاسلامى بحق؟! وكيف سمحنا لأنفسنا أن ننجرف وراء هذه الحضارة المادية المفرطة فى المادية والجرى وراء اشباع الغرائز الشهوانية دون التفات الى أننا لم نخلق أجسادا فقط بل خلقنا فى الأساس كأرواح ينبغى أن تهيم عشقا وحبا بخالقها وعالمها الروحى؟!!