رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

رحلة من العالم المادى إلى السماء السابعة

المولوية الصوفية.. لغة اتصال بين السماء والأرض

بوابة الوفد الإلكترونية

يد متجهة للسماء، والأخرى نحو الأرض، وكل قطرة حب ننالها من الله، نتعهد بتوزيعها على جميع المخلوقات، هذه «سما» رقصة الدراويش، تُمارس فى جميع الأزمنة بفلسفتها ومذهبها السُنى، وكأنها لغة اتصال بين السماء والأرض، تأخُذنا إليها بدوران درويش يرتدى كفن أبيض فضفاض، أقدامه العارية تلامس الأرض وعيونه معلقة بالسماء، يسعى لصفاء روحه فى دوائر متناسقة على سِحر أَشعار إِمام العَارفيِن جلال الدين الرومى.

 

الطريقة المولوية الصوفية

المولوية هى طريقة صوفية، أسسها الشاعر والفقيه جلال الدين الرومى، انتشرت الطريقة الصوفية فى أرجاء الدولة العثمانية وكان مركزها مدينة (قونية) فى الأناضول حيثما كان يستقر الرومى حينئذا، وبلغت نحو 360 تكية، واشتقت كلمة مولوية من «مولى» نسبة إلى جلال الدين الرومى الذى عرف بـ«مولانا». 

اشتهرت الطريقة المولوية بما يعرف برقصة المولوية وهو رقص دائرى لمدة ساعات طويلة، حيث يدور الراقصون حول مركز الدائرة التى يقف فيها الشيخ فى إندماج كُلى يحمل مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحى فيتخلصون من الدُنيا والعالم المادى ويأخُذهم الوجود الإلهى، وينتقلوا من التخلى من كل قبيح إلى التحلى بكل صحيح ومن ثَمَ التجلى فى حضرة الله عزوجل.

 

فلسفة حركات رقصة المولوية

يبدأ الدرويش بالباسة الأبيض الفضفاض واقفًا ويده على صدره والأخرى مرفوعة على وضع التشهد، فى إشارة إلى توحيد الله عز وجل، ثم يرفع يداه عاليًا ملامسًا القلنسوة «العمامة» على رأسه فى انسيابية وهنا يقصد فصل الذهن عن القلب والبدء فى العلو والاستعداد إلى السفر، يمكن أن تقول وقفه استعدادية لبدء لحركة والدوران، ثم يفرد يداه كأنه يحتضن العالم وتعنى أنه يملئ روحه بالطاقة الكونية ويملئ قلبه بنور الله، ثم يرفع اليد اليمنى إلى السماء وتعنى استمداد الخير والحب من العالم الآخر ومن الله سبحانه وتعالى ويخفض اليد اليسرى إلى الأرض تعنى نشر ما استمدته اليد اليمنى إلى الارض.

وينتقل من هذا الوضع إلى وضع الدعاء رافعًا يدا إلى المولى عز وجل طلبًا للمغفرة والحب والرحمة من الله سبحانه وتعالى، وبعدها يفرد جناحيه بأول طبقة من ملابسه العُليا فى إشارة إلى التحرر والتجرد من كل الذنوب والمعاصى للاستعداد إلى التوبة وهى أول درجات التصوف وهى «التخلى» وتعنى التخلى عن كل قبيح، ويضع يده اليُمنى على جبينه وتعنى التوبة والندم على كل قبيح بعد التخلى، ومن ثَمَ يرفع يديه عاليًا أمام قلنسوته «عمامته» حيث يملأ نفسه وروحه بجمال الكون، وبعدها يضع يديه على صدره وعدًا إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة والبدء فى تنفيذ الخير والحب، وأخيرًا يَبسُط يداه عاليًا بمحاذاة كتفيه وأعلى صدرة إشارة إلى نشر الرحلة الدرويشية للكون على شكل دائرة طاقة غير مرئية والرجوع من السماء إلى الأرض.

 

فلسفة الدوران فى الرقص الصوفى

تبدأ مجالس المولوية الصوفية بدخول شيخ المولوية، ثم يسجد الجميع شكرًا لله تعالى، ومن بعدها تبدأ الأذكار ثم تلاوة آيات من القرآن الكريم، فموعظة الشيخ ثم يقوم المولوية للدوران ويبدأ هذا الدوران بثلاث دورات حول محيط قاعة الذكر وهذا ما يعرف بدورة «سلطان ولد» نسبة لابن جلال الدين الرومى الذى تولى الطريقة بعد وفاته، وتكون هذه الدورة على إيقاع الدف والناى.

وترتبط فلسفة ورمزية الدوران فى رقص المولوية بمنظومة دوران الكون فالقمر يدور حول الأرض والأرض تدور حول نفسها وحول الشمس والمسلمون يدورون حول الكعبة بدوران من اليسار نحو اليمين، وحين يبدأ الدرويش بالدوران يضع يداه على صدره حتى كتفيه وأصابعه مفتوحة وشيئاً فشيئاً تنسحب اليدان وهذا إشارة أن الدرويش المولوى ممسك بالدنيا إلى صدره لكن يديه تنزلقان وتخرج الدنيا من صدره ويديه.

ويتحرك الدرويش فى البداية فى محيط دائرة يكون الشيخ مركزها لكن هذه الدائرة سرعان ما تتحول إلى شكل إهليلجى بحيث يكون الدرويش فى دورانه منجذبا إلى الشيخ وإلى زميله الذى يدور بجانبه مع المحافظة على المسافة بينهما حتى لا يصطدما على غرار نظام الكواكب فى المجموعة الشمسية، يتحرك الشيخ فى دورانه وسط الحلقة بحيث لا يطأ خط الوسط الذى يرمز إلى خط الاستواء والصراط المستقيم، فتجد أن كل حركات الرقصة ذو رمزية عميقة وفلسفة قوية تتعدى كونها رموز إلى أساسيات واعتقادات مذهبية للتعايش فى الحياة وكأنك عابر سبيل مفرط فى الدنيا ومنجذب للأخرة والسماء والوجود الإلهى. 

 

فلسفة ملابس الدراويش

للدارويش ملابس محددة لها رمزية شديدة الخصوصة وتفسيرات عده برؤية ومذهب الطريقة المولوية، فنجد أن الدرويش يرتدى فوق رأسه ما يُعرف بالسكة أو الطلاوة، وهى تعنى القلنسوة، وهى مشابهة للطربوش الذى كان يضعه الرجال على رؤوسهم، لكنها أطول ولونها بنى فاتح، وهى من وبر الإبل أو اللباد وترمز فى خشونتها إلى قسوة الحياة وشقائها ويُقال أنها تدل على شاهدة القبر، ويرتدون رداء قصيراً بدون أزرار ويعبر عن أن لباس الدنيا قصير، وهناك حزام للوسط عريض لضبط التنورة من وسطها وهذا كناية عن شدّ أو ربط الحجارة على البطون حالة الجوع كما كان يفعل فقراء المسلمين.

أما التنورة، فهى لباس أبيض دلالة على كفن الميت وهو يعبر عن النقاء والصفاء والنور وتحرير الروح من الجسد، وفضفاض دلالة على أن لباس الدنيا واسع، ويكون من بين الكتفين حتى الوسط ثم تتسع فتصبح كالقمع، ويرتدى أحياناً «المست» هو خفّ ينتعله الدراويش أثناء الدوران، بالإضافة إلى «الجبّة»، وهى رداء أسود ضيق يلبسه الدراويش فوق ملابسهم، ويكون أسوج اللون فى إشارة على العزوف عن ملاذ الدنيا، ويرمز إلى الجسد الذى يمنع الروح من التحليق ورؤية نور الله عز وجل، أما الخرقاية فهى جبة عريضة فضفاضة بلا أكمام وتعنى أن رداء الدنيا سريع الزوال ومن جهة أخرى تشير إلى مجلس المولوية.

 

إمام العارفين

احتفل العالم هذا العام بمضى نحو750 عاماً على ميلاد الإمام العارف بالله جلال الدين الرومى وهو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخى، نشأ فى أسرة علمية ينتهى نسبها إلى الخليفة أبوبكر الصديق، أصله فارسى وكلنه عاش فى تركيا، وعُرف بالرومى لأنه قضى جُل حياته فى بلخ بالأناضول فترة سيطرة الروم السلاجقة، وقد كان شاعرًا وفقيهًا حنفيًا وقانونى صوفى. 

ومع احتلال المغول لمدينته بلخ اضطر والده وعائلته للمغادرة إلى بغداد ثم مكة واستقر هو فى قونيا

 

المكانة العلمية والأدبية

كان الرومى أحد أهم شعراء الصوفية فى الإسلام وأحد أعلام الشعر الصوفى فى الأدب الفارسى ومؤسس المولوية أحد الطرق الصوفية السنية، كان بارعًا بالعلوم العقلية والنقلية 

درس جلال الدين الفقه والعلوم الدينية على يد والده، وأكمل دراسته بحلقات علماء عصره بحلب ودمشق، قابل فى منتصف حياته صاحبه المقرب وأستاذه الروحى، الشاعر الفارسى شمس الدين التبريزى الذى عاش معه لسنوات طويلة فى بيت واحد، وكان ملهمة وشيخه ودليلة، تأثر بفراقه كثيرًا وفرد له ديوان كامل بعد رحيلة.

تقدر أشعار الرومى بـ40 ألف بيت شعرى، بالإضافة إلى ديوان شمس التبريزى، وتعد رباعياته الشهيرة (1959 رباعية) أهم ما تركه من آثار، إذ تضمنت 3318 بيتا، ولم يبخل بالآثار النثرية، فترك «الرسائل لمريديه ومعارفه ورجال الدولة، و«المجالس السبعة» جمع فيها مواعظه. وكتابه «فيه ما فيه» يضم 71 محاضرة مختلفة.

 

وفاة الإمام

توفى جلال الدين الرومى فى ديسمبر1273 فى قونيا وهى جنوب أنقرة، وبعد وفاته أسس أتباعه وابنه سلطان ولد «الطريقة المولوية» الصوفية التى اشتهرت بدراويشها ورقصهم الروحانى الدائرى (المولوي) على أنغام الناى وأشعار جلال الدين الرومى.

 

المولوية حول العالم

مضى ما يزيد عن ثمانية قرون منذ أن عبرت روح الرومى إلى العالم الأخر ومنذ سكنت كلماته وأشعاره عالمنا الدنيا، ولم تفقد عبارته سحرها، بل هاجرت إلى بلدان العالم وتُرجمت بألسنتهم لكافة اللغات، ورقصته سما، رقصة العشق الإلهى كانت ومازالت يرقصها الدراويش فى كل الأزمنة وشتى البقاع.

تحتفل تركيا بذكرى الرومى مدينة قونية بمهرجان «مولانا»، ويتوافد إليه مئات آلاف الزوار على مدى عشرة أيام حافلة بنصوص الرومى والاستعراضات الصوفية والتى من أهمها عرض» مولوية الدراويش» حيث يرقص عشرات «الدراويش» رافعين أيديهم إلى السماء دعاءً لله، فيما تدور أثوابهم الفضفاضة حولهم فى حلقات من نور.

ويتمتع الرومى بشهرة واسعة جدًا فى إيران، نظراً إلى أنه كتب بالفارسية، إلى جانب شعبيته فى الغرب، بعد بيع مليون ونصف من كتبه المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، ولا حصر لمخزون الأعمال الأدبية والفنية التى تناولت المولوية الصوفية سواء فى السينما أو التلفزيون أو الرويات كما هناك فرق استعراضية تجوب البلدان تقدم رقصة الدراويش وأشعارهم.

 

حكم الإسلام فى الطرق الصوفية

قالت دار الإفتاء المصرية فى فتواها رقم 117، أن الصوفية قم اتهمت بمخالفة الكتاب والسنة نظرًا لما أحدثه بعض مدعى التصوف، وظنوا أن ما يفعلونه هو التصوف، فقاموا فى تسرع بغير روية، وبغير اطلاع على مبادئ التصوف وأقوال أئمته بإصدار الأحكام العامة مـما تسبب فيما نحن فيه، وأن التصوف الإسلامى قد نشأ من صميم الإسلام نفسه، على الأقل فى القرون الثلاثة الأولى، بل إن بعض الـمستشرقين يرى أنه: «لا صوفية من غير إسلام».

وانتهت الإفتاء إلى أن التصوف الإسلامى ظاهرة سنية ظهرت بين أهل السنة والجماعة وصدرت عن أسس إسلامية، وهذا لا يمنع -بل لعل هذا هو ما حدث فعلًا- أنها تأثرت فى رحلة تطورها الطويلة بمؤثرات خارجية كان لها أثر ملحوظ فى صبغ هذه الظاهرة السنية الإسلامية ببعض الألوان الجديدة، مع بقاء الظاهرة مرتبطة بأصولها الأولى.