رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بدون تحفظ

من المهم جدًا أن يتناول الكاتب ويسلط الضوء على بعض تجاربه الإنسانية لربما رأى فيها أولو الألباب الإلهام والتشجيع والتحفيز لهم على النجاح.. منذ أكثر من 16 عامًا تلقيت اتصالاً هاتفيًا من رجل الأعمال الكبير الخلوق جمال الجارحى أو المعروف بين أصحابه المقربين منه جدًا بـ«العمدة»، ولا أتذكر على وجه التحديد سبب الاتصال والدعوة لأننى لم أكن من دراويش العمدة فى تلك الفترة، أو الفترة اللاحقة التى تبدل فيها حاله من حال إلى حال.. كان الرجل يدعونى على غداء عمل بأحد مطاعم الأسماك التى تقع فى مكان قصى بشارع عرابى بالمهندسين ووقتها ظننت أننى سألتقى بأشخاص كثيرين، واحترامًا لمقام الرجل ومكانته ودعوته ذهبت فى الموعد الذى حدده، وهناك لم أجد سوى شخص واحد عرفنى عليه جمال بك قائلاً لى: هذا هو الباشمندس محمد المراكبى صاحب مصنع المراكبى للصلب.. واحد من أعز أصدقائى، وتحدثنا نحن الثلاثة لبعض الوقت ثم انشغل «العمدة» بالحديث فى تليفونه الذى لم يكف عن الضجيج والرنين لدرجة تشعرك بأنك كما لو كنت جالسًا فى سنترال باب اللوق فيما تجاذبت والمهندس محمد المراكبى طرفى الحديث.. حدثنى الرجل عن رحلته بداية من تجارته فى حديد التسليح عام 1960، ثم قصته فى إنشاء أول خط درفلة بمصنعه الصغير بمدينة 6 أكتوبر والذى بدأ بإنتاج 250 إلى 300 ألف طن من حديد التسليح.. ثم حدثنى الرجل عن أحلامه وطموحه بأن يتوسع المصنع ليستوعب أكبر عدد من العمالة معتبرًا أن أسعد لحظات حياته عندما يوفر فرصة عمل جديدة لأحد الشباب ثم عاد الرجل وحدثنى عن أبنائه وخص بالذكر ابنه «حسن» وتمنى وقتها أن يتخرجوا بسرعة ليتحملوا معه المسئولية، ولم يفت على رجل حكيم مثل «المراكبى» أن يوجه لشخصى المتواضع النصائح كما يقدمها لأبنائه وأذكر أنه قال لى: لازم تتعب وتشتغل كثير قوى وتتحمل السقوط مرة واثنين وثلاثة حتى تستقوى ويستقيم ظهرك، وخاف الله دائمًا فى كل أفعالك!

تفرقت بنا السبل ومرت شهور على اللقاء وسمعت بخبر وفاة المهندس محمد المراكبى خارج البلاد - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - ومرت أيام أخرى وشهور وربما سنوات إلى أن تعرفت عن قرب على المهندس حسن المراكبى رئيس مجموعة المراكبى للصلب وهو الذى كان يحدثنى عنه والده الراحل.. رأيت شابًا يحلم كل أب أن يرى ابنه مثله.. الخلق والعلم والتربية والأدب الجم، رأيت شاباً مهذبًا يحمل بداخله إنساناً بكل معانى الكلمة.. لم يغتر بما تركه له والده من ميراث ولم تلعب الحياة الدنيا بتلابيب عقله وتجعله يفسد، بل استمد نفس روح والده الراحل من حيث التعب والكفاح ومخافة الله والإصرار على النجاح وتكملة مشوار الوالد الذى استثمر فى حسن وإخوته أفضل استثمار وهو استثمار العلم والتربية والعمل والنجاح الممزوج بالتواضع ومحبة الناس.. استطاع المهندس حسن المراكبى بالعمل والإصرار والكفاح أن يحول مصنعاً صغيراً لدرفة حديد التسليح إلى مجموعة صناعية متكاملة، ففى عام 2016 أنشأ المهندس حسن المراكبى مصنع الصهر الأول لإنتاج البليت بتكنولوجيا ألمانية بطاقات إنتاجية تتراوح من 350 - 400 ألف طن بليت وفى 2019 أنشأ مصنع كلسنة الجير بتكنولوجيا سويسرية، وفى 2020 أنشأ خط درفلة جديد لإنتاج 400 ألف طن حديد تسليح ومثلها من اللفائف، وفى عام 2021 أنشأ وحدة الغاز الصناعى والأكسجين لتصبح مجموعة المراكبى واحداً من أهم مصانع الصلب المتكاملة فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا ولا يقتصر نشاط المجموعة على تلبية احتياجات السوق المحلى من حديد التسليح واللفائف والبليت بل تعد المجموعة من أكبر المصدرين لمنتجات الصلب خاصة اللفائف للأسواق الخارجية.. رحم الله المهندس محمد المراكبى والذى أكد لنا بالدليل العملى أن الاستثمار فى البشر أهم مليون مرة من الاستثمار فى الجماد والحجر!!