عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى فلق الصباح ليوم الجمعة 25 من يناير 1952، سجلت الشرطة المصرية أروع البطولات الخالدة فى سجل تاريخ مجدها الظافر، عندما تصرف رجالها الخالدون وهم فى أوج ازدهارهم الوطنى، تلهبهم مشاعر حماس الفداء والتضحية، وهم يدافعون عن كيانهم الوطنى، عندما حاصرتهم جحافل قوات المستعمر الإنجليزى، فى مبنى مديرية الإسماعيلية (محافظة الإسماعيلية) ومحل ثكناتهم (بلوكات النظام)، وكان الهدف من هذا الحصار المحكم تجريدهم من أسلحتهم وتسليمها، ثم إجبارهم على مغادرة منطقة القناة بأكملها، خلال مدة زمنية محددة ينتهى توقيتها فى تمام الساعة السادسة والربع من صباح هذا اليوم التاريخى، وإلا فسوف يتم هدم المبنى والثكنات وتسويتها بالأرض، ثم يتعرضون للإرهاب والتنكيل ومذابح تحصدها حماقة نار حقدهم الأعمى، وكان إنذارهم الأحمق يحمل فى طياته كل هذه الطلبات، ويستحيل أن ينفذها كل من يحمل لواء الشرف والوطنية وأن ينال من عزيمة رجال مصر الشرفاء، وقد رفض هؤلاء الأبطال الأشداء الأقوياء أن يرضخوا لهذه المطالب وتنفيذها، بعد أن قام «البريجادير اكسهام» وهو القائد المسئول عن قوات المستعمر فى منطقة الإسماعيلية، بتسليم الإنذار إلى ضابط الاتصال المصرى البكباشى (المقدم) «شريف العبد»، والذى ليس أمامه إلا أن يقوم بتبليغ رؤسائه به، ومنهم قائد كتيبة بلوكات النظام، اللواء «أحمد رائف» ثم وكيل المحافظة «على حلمى»، واللذان لم يعطيا له اهتماما أو يقيما له وزنا، فكان الرفض مصيره حتى لو كلفهم كل الأرواح المتواجدة من هؤلاء الأبطال، لأن عقيدتهم الراسخة هى الجهاد فى سبيل الله والدفاع عن عرين الوطن وقوة ردع وحائط صد ضد كل يد آثمة تعبث بمقدراته.

وعلى الفور تم إخطار وزير داخلية مصر فى حكومة الوفد «فؤاد سراج الدين باشا» بنبأ هذا الإنذار، إلا أن قوة إيمانه وعظمة وطنيته أبت أن يوافق عليه أو حتى يتقبله لفظًا، بل تحدى غطرسة وشراسة القوة لهذا المحتل البغيض، التى ليس لها مكان أمام شجاعة الفرسان البواسل التى تستطيع مقاومة عدوان عدو غادر دخيل على الوطن، فما كان منه إلا أن طلب من قيادات الشرطة المتواجدة فى مبنى المحافظة وثكنات بلوكات النظام، بعدم التسليم والتصدى للخطر الداهم الآتى من قبل قوات الأعداء، ولم يكتف فى طلبه بأن يكون الدفاع عن دار المحافظة والثكنات ورجال الشرطة فحسب، بل شمل العمومية فى مقاومة العدوان حتى لو وقع اعتداء على الأهالى من سكان المحافظة، لأنه لا هوادة فى مقاومة عدو متبجح لا يؤمن بحق الدفاع الشرعى لرجال الشرطة عن المهام المكلفين بها لآخر طلقة ذخيرة معهم، ومن ثم يعتبر ذلك «قدس الأقداس»، فى السمات التى تتوافر فيهم من قدرتهم القتالية وقيمهم الوطنية ذلك الرباط المقدس الذى يربطهم بدينهم ووطنهم، وهذه هى الصورة الحقيقية للقوة الضاربة للشرطة المصرية فى دفاعها عن الوطن، وكان موقف قيادات الشرطة غير قابل للتراجع بعد رفضهم الإنذار وأقره وزير الداخلية على شجاعة هذا الموقف، حتى لو استشهد جميع أفراد المقاومة المتواجدة والمحاصرة داخل دار المحافظة ومحل الثكنات، وكان شعارهم الدفاع والصمود وإن فقدوا المؤن والذخيرة التى فى حوزتهم، وأصبحت أجسادهم جثثًا هامدة.

وبعد إلحاح ومعاودة من قائد القوات البريطانية لقائد الشرطة المصرية على الرحيل وترك أسلحتهم، وإلا سوف يبطش بهم بوحشية هجوم عسكرى كاسح يدمر مبنى المحافظة ومحل الثكنات على رؤوس من يتواجد فيها، إلا أن كل هذا التهديد لا يهز شعرة من الوطنية فى رأس كل رجل من رجال البوليس المصرى، فكان إصرار الرفض يلازمهم وروح الاستبسال والوطنية حليفا لهم، مما ألهب عداوة القائد البريطانى ضد هؤلاء الأبطال، وأدى إلى تنفيذ القوات البريطانية إنذارهم بعدوانهم الغاشم على مقر المحافظة والثكنات، وأخذوا يدكونها دكا بنيران المدافع والدبابات ورصاص العربات المصفحة، وتحولت أماكن الضرب إلى ميدان معارك حربية، الغلبة فيها لقوات العدو تتمتع فيها بحجم  قوات عددية كبيرة يبلغ قوامها 7000 جندى، وقدرات أسلحة عسكرية فائقة، وكلها أسلحة ثقيلة من عربات مصفحة ودبابات ومدفعية ميدان ومدافع بعيدة المدى، مما يحول ميزان القوة لصالحها، مع الفارق فى التوازن بين قوة البوليس المصرى التى لا تزيد على 800 رجل شرطة فى بلوكات النظام، و80 بدار المحافظة، ويمتلكون من التسليح القيم الروحية والوطنية والإيمان بالله والجهاد فى سبيله، كأنهم هم القوة الأكبر لتصديهم لهذا العدوان، وتحملهم مسئولية الدفاع عن شرفهم الوطنى ومثال يحتذى به أمام العالم كله، ومن ثم يعتمدون فى تسليحهم على بنادق بدائية الصنع لمقاومة هذه الجحافل، وانطلقت شرارة العدوان وقامت قوات الاحتلال بارتكاب المذابح الوحشية ضد رجال البوليس الأبرار، بعد أن حصدت آلياتهم العسكرية أرواح 50 شهيدا وأصيب 80 جريحا وأسر ما تبقى على قيد الحياة منهم، فى مقابل هلاك 20 قتيلا و30 جريحا من قوات الاحتلال البريطانى، والتى تعتبر مجزرة الإسماعيلية أبشع الجرائم له ووصمة عار تلتصق بجبينه عبر العصور، وأن يأفل نجم الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، بعد أن غابت عنها شمس يوم 25 يناير على يد شجاعة شهداء رجال الشرطة الأبطال، وتاريخ هذا اليوم من كل عام هو عيد للشرطة المصرية.