رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

عم ناصر ينقذ صناعة "الكليم" من براثن الاندثار

صانع كليم-عم ناصر
صانع كليم-عم ناصر

بأنامل فنان بارع يشكل لوحة فسيفساء رائعة من توالف قماش المصانع، "البورصو"، وَخرَج  ورش الخياطة، يعزف على أوتار نوله الخشبي العتيق فتصطك أوصاره في رسالة تحذيرية "أحتاج المزيد من المسامير للضم أجزائي"، نول قديم يمتلك قدْرًا من الصبر من فيض صبر صانعه، عم ناصر، صبر تواجه به أعمدته رياح ليالي يناير الهوجاء.

 
الزهد لازمة لدى عشاق الفنون

قد يكون الزهد وصفة مثالية للعيش، لكنه سمة كارثية لصانع شغوف يكد في الحياة حمله عشق النول اليدوي وصناعة الكليم حملا من بيته في كفر الشيخ إلى القاهرة المحروسة تَارِكًا زوجة وولدين، أحمد وعبد الرحمن، أعمارهم حاليًّا21 و16 على الترتيب، لايحمل في جعبته سوا طموح شاب ثلاثيني وعشق يسري مجرى الدماء انتقل إليه مع اسمه ولقبه فشغل فكره واشتغلت به يداه قبل أن يتجاوز العشر سنوات.
 

صناعة الكليم اليدوي


دوام عمل كامل في ظروف لا آدميَّة

منزل مهترئ كالورقة يحمل يافطة نقش عليها رقم 10، قوامه طابقين يبدو كما لو انتزعت جميع نوافذه عنوة يحده شارع التونسي بحي دار السلام ويطل على قطبان مترو الأنفاق، هنا يتخذ عم ناصر من بدرومه بقعة لاستكشاف السحر الكامن في الخيوط ويلبِّي فيه فروض هوى الكليم يَتَوسَّد في أمسياته الباردة بلحاف بسيط ويتدثر فيه بوشاح صوف من قرس ليالي الشتاء الباردة، تبثه بضعة أكواب من الشاي الساخن بالدفء اللازم إلى أطرافه ليستطيع مواصلة العمل من 12 ظُهرًا إلى الثانية من بعد منتصف الليل  يوميًّا دون كلل.

 

صناعة الكليم  من أقمشة المصانع

 شغف السِّتينيَّات يدفع عم ناصر لمواصلة الليل بالنهار

بجبهة خطت بها السنون أخاديد رقيقة متفرقة يعلوها شعر ثلجي ناصع البياض باق في مواجهة الصلع، يقف عم ناصر منتصب القامة مُرتدِيًا كَنزُه أنيقة على بساطتها وبنطال رياضي مُعتكِفًا بالساعات على نوله يمارس طقوس الجمال في جمع خيوط الكليم وتشكيل أحجية من السحر على هيئة سجاد ومشايات وحقائب مدرسية بسيطة، صنعة تقف على مشارف الإندثار في انتظار فنان منضبط لايسعى للكسب السريع لانتشالها قبل أن تفقد كغيرها في غياهب النسيان.

نول يدوي

 قائد أوركسترا يحشد أدواته لعزف نوتة من الإبداع

على هُويْد صوت سيد مِكَّاوي يشدو أوقاتي بتحلو يصدر عن كاسيت ومسجل صوت معلق على الحائط أبت أبواب بيوت شرائطه إلا أنت تغادر مكانها يقف  عم ناصر كقائد أوركسترا مخضرم يلف الخيط على آلة الجمع، الشبيهة بالمثقاب، قبل أن يفرط ضفائر القماش عن بعضها ويضعها بين تروس خيوط النول فيجمعها سويا بالمكوك، يحكم ربط أول الخيط بآخره وَيشد وِثَاق  الصفوف معا باستخدام الكف بينما تواصل قدماه العزف المنفرد على دوَّاسَات النول، في خطوات معقدة ألفتها خبرته فلاتكد تمر ساعتين حتى ينتهي من وضع لمساته على القطعة.

عم ناصر-صانع كليم-


آيات من الجمال بأسعار زمان لأصحاب الذَّوْق الرفيع

كأب حريص على هندام أبنائه، فلايكد يفرغ عم ناصر من إحدى أيقوناته الفنية من الكليم أو السجاد الصوفي حتي يشرع في تشغيل مقصه على زوائد القماش قيقلمها ويهذب أطرافها النابتة في خطوة يهيئها فيها كعروس في ليلة زفافها تنتظر أن تنتقل إلى محلها الجديد، قطعة من صوف الدبل بطول 3 أمتار وعرض المترين، يتراوح سعرها بين 400 إلى 1000 جنيه، تشغل حيِّزًا من الرقي والذوق الرفيع بردهة منزل أو مشاية من الجوبلان مقياس 4 أمتار وعرض متر واحد بسعر 300 جنيه، تضفي كمالا على "ترقة" منزل لشخص ذا ذائقة فنية بديعة.

الكليم يحتاج إلى متعهد أمين يعيده إلى الحياة

كطفل يتيم يتلمس طريقه وسط عتمة الظروف ليخرج إلى النور من جديد، تحتاج صناعة الكليم والصوف إلى كافل أمين يقوم على شؤونها ويتولى تعليم فنونها للطلاب الشغوفين في المدارس الفنية وكليات ومعاهد الفنون الجميلة والتطبيقية، وينتظر فن صناعة الكليم من الدولة أن ترعى مصالحه وتعمل على زيادة رقعة عرضه بالجمعيات والمعارض ذات الصلة وتسويق منتجاته بفتح أسواق جديدة لها داخل وخارج مصر خاصة مع تبدل مزاج المهتمين بفن الديكور الداخلي وأصحاب المعارض انسياقا خلف هوى الزبون الذي عاد ليقع في هوى الطابع البوهيمي وكل ماهو عتيق من أثاث وديكورات منزلية.

بدروم عم ناصر بحي دار السلام