رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ليست علاقة مصر بالسودان علاقة دولة جوار شقيقة فحسب، بل هى علاقة التاريخ بالحضارة أرسى دعائمها  المصريون القدماء، والتى عرفت باسم حضارة "وادى النيل"، وقد امتدت إلى أن أصبحت مصر والسودان شعبا واحدا له قلبان يرويهما دم واحد ونيل واحد، وظلت هذه الحضارة تتمتع تحت لواء حكم واحد فى عهد والى مصر محمد على باشا، والذى تمتع حكمه للسودان بالاستقلال الذاتى المعترف به دوليا، تحت مسمى وحدة مصر والسودان، إلا أن هذه الوحدة لم تدم طويلا، وكانت  تحاك ضدها المؤامرات من جانب دولة الاحتلال البريطانى،  بعد أن استغلت قيام الثورة المهدية فى السودان سنة 1881، وسقوط الخرطوم فى قبضة أيدى الثوار فى 26 يناير من عام 1985، ما أدى إلى إخلاء السودان من الجنود المصريين، بناءً على إرغام من الحكومة البريطانية  للحكومة المصرية، والتى امتدت حدود السودان المصرى أواخر عهد الخديو توفيق إلى وادى الواقعة غربى "دارفور " كما ذكر فى كتب المؤرخين. 
ومن المؤامرة الاستعمارية الكبرى لفصل السودان عن مصر أواخر القرن التاسع عشر، إلى المؤامرة الأشد خطرا فى القرن الواحد والعشرين، وهى تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة وتقليص مركزها العربى والدولى، بعد أن بدأ الحال يتغير مع اكتشاف البترول فيها وخصوصا فى جنوبه الغنى، إلى جانب وجود الثروات الطبيعية المادية الأخرى؛ مثل الذهب والحديد والفحم والنحاس ومعادن كثيرة، علاوة على مساحتها الزراعية الشاسعة وتوسعها الزراعى فى جميع المحاصيل وأشهرها القطن طويل التيلة، والذى كان سببا فى أطماع الإنجليز لها، من أجل تسويقه لهم  وجعل السوق السودانى تصريفا لمنتجاتهم، إلا أن من سوء حظ السودان تعاقبت عليه حكومات أتت عن طريق انقلابات عسكرية وتمرد مسلح، وسط خلافات وانقسامات عصفت بالحياة السياسية والاجتماعية، تأخر فيها التمدين والرقى ومواكبة عصر التطور والتقدم فى البلاد، تعمق فيها الانقسام وفقدت الدولة قوميتها، وأصبحت مسرحا للطائفية والانغماس فى أودية الفوضى، وانتشر فيها الفساد والفقر والجهل والمرض. 
تأتى مشكلة جنوب السودان ذات التعقيدات القبلية والعرقية الدينية، وانتشار الجماعات التبشيرية فيها، بعد أن وضع الاستعمار القديم بذرة شيطانها بأن قام بتمويل أصحاب هذه الدعوات، بمساعدتهم على الوصول إلى المناطق الأشد فقرا وبؤسا للسيطرة على عقليتهم الفكرية المحدودة، بل قام ايضا بإنشاء مدارس  لهذه الدعوات، وبدأ المخطط الغربى ينخر فى عظام وحدة السودان بفصل جنوبه عن شماله، وهذه سياسة معول هدم للدول الاستعمارية  الكبرى، والتى تنتهج سياسة تقسيم الدول العربية وتقطيع أوصالها، وإفقار شعوبها بتسليط سياسة صندوق النقد الدولى عليها، وهذه الأغراض غير الشريفة الهدف منها تدمير الشعوب والسعى فى خرابها، والسودان داخل هذا المخطط منذ أكثر من قرن والنصف، عندما لعبت أصابع المستعمر فى سياسة السودان وجعل لأهل الجنوب شبه حكم ذاتى، وتعليما يختلف عن تعليم أشقائهم فى الشمال، ما أدى إلى زيادة الاحتقانات والكراهية من سكان الجنوب ضد سكان الشمال، وكانت  نتائج  تلك الصراعات هى اندلاع الحرب فى الجنوب نتيجة للتمرد المسلح لإحدى فرقه العسكرية، استمر ما يقرب من 60 عاما، بعد أن خلف وراءه ملايين القتلى وإهدار موارد الدولة الاقتصادية والتى كانت تقدر ب 600 مليار دولار  فى ذلك الوقت، إلى أن أخمدت نيرانها اتفاقية سلام شامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وكان ذلك فى التاسع من يناير عام 2005 والتى عرفت باتفاقية "نيفاشا"،  إلى أن تم  فصل الجنوب رسميا من خلال استفتاء شارك فيه أهل الجنوب فى الفترة من التاسع يناير وحتى الخامس عشر  منه  عام 2011، إذ كانوا يرغبون فى سودان موحد، أو إقامة دولة مستقلة تحت مسمى جمهورية جنوب السودان، طبقا لبنود الاتفاقية المذكورة آنفا، وقد كان الانفصال الذى رغب فى تحقيقه واحتفى به الرئيس السودانى المعزول عمر البشير يشاركه فيه رئيس جمهورية جنوب السودان الوليدة سالفا كير، وتعتبر موافقة البشير الرسمية على الانفصال هى كسب ولاء الغرب له، لكى ينجو من مقصلة المحكمة الجنائية الدولية، والتى أصدرت الدائرة التمهيدية لها التوقف بحقه، بعد أن طلب المدعى العام لها «لويس مورينيو اوكامبو» توقيفه، بمذكرة رسمية أصدرها المدعى العام بتاريخ 14/7/ 2008،  بناء على اتهامات وجرائم ضد الإنسانية وكانت ابشعها واشدها قسوة وأشرسها، هى جرائم الإبادة الجماعية والتى ارتكبت فى حق سكان ولاية «دارفور» خلال فترة حكمه، خلفت وراءها مقتل 300 ألف نفس بشرية وتشريد الآلاف منهم، ورغم أن البشير قدم هديته للغرب فصل جنوب السودان عن شماله، إلا أن كل ذلك لم يشفع له استمراره فى الحكم أكثر من ذلك، والذى دام فيه قرابة ثلاثين عاما، حتى كان خلعه  فى ثورة شعبية نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسوء الأحوال المعيشية والارتفاع الجنوني  للأسعار، وعرفت بثورة ديسمبر المجيدة  والتى بدأت شرارتها بتاريخ 19 من يناير عام 2018، بدعوة من تيارات شيوعية وحركات يسارية تدعمها نقابات مهنية وعمالية كان الشعب نواة لها، إلى أن تم عزله عن الحكم رسميا فى 11 إبريل عام 2019 وللحديث بقية عن المؤامرة على السودان وتهديد أمن مصر القومى.