رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بروفيل| عبد الناصـر عـلّام.. آخر سلساّل الموهوبين!

الشاعر الراحل عبد
الشاعر الراحل عبد الناصر علام

في سنة 2002 وقف الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي على منصة الأمسية الشعرية المُقامة ضمن فعاليات المعرض بالقاهرة، وقال «أقدم لكم ابننا الشاعر الصعيدي ..عبد الناصر علاّم» ، ثم جلس «الخال» على مقعده وأخذ يستمع بإعجاب شديد إلى بلدياته. 

«شفت عساكر دورية بتدور علي الحرامية ..حرامية عيني عينك، وشايفهم أو شايفنك» ضجت القاعة بالتصفيق الحار أثناء إلقاء عبد الناصر علاّم لقصيدة «الخرس المبّاح» بلكنة ولغة أهل الصعيد الجواني، كان إعجاب «الخال» ببلدياته وتقديمه له في أمسية ضخمة في محفل ثقافي كبير، إشارة واضحة للوسط الثقافي والإعلامي في العاصمة أن الأبنودي اختار من يخلفه في شعر العامية وكتابة الأغاني للوسط الغنائي، وفي الوقت ذاته شهادة ميلاد لعبد الناصر علّام ممهورة بتوقيع الراحل الكبير. 

وعلى غير المتوقع لم يلتصق «علّام» بعبد الرحمن الأبنودي وأصر أن يكون صوتًا شعريًا مغايرًا، ويفسر المقربون من «خليفة الأبنودي» اتجاهه لذلك إنه عاني من جفاء «الخال» وعدم تقديم له يد العون له بعد تقديمه للجمهور في معرض الكتاب. أقام عبد الناصر علّام في القاهرة فترة طويلة بعد أن حصل على إجازة من عمله في التربية والتعليم، ولم يستطع أن يتحمل قسوة ونفعية الوسط في القاهرة أو يتعامل معها مثلما كان يتعامل معها غيره ممن تحملوا ذلك ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، وربما كان شخصية عبد الناصر علام التي لا تقبل البقاء في المنطقة الرمادية سببًا مباشرًا ليترك القاهرة، إضافة لظروفه العائلية. 

عاد «خليفة الأبنودي» إلى بلده قنا، نجمًا كبيرًا كان وهجه قادرًا على تنحية من سبقوه في مجاله في أية مناسبة أو فعالية ثقافية، وكان يسافر إلى القاهرة على استحياء لعله يجد فرصة مناسبة لغناء قصائده العامية، وكذلك لمباشرة طباعة دواوينه وقصائده لدي المؤسسة الثقافية بفروعها، وله 17 ديوان شعري بالعامية وقصيدة فصحي ومسرحية واحدة، ورشح عدة مرات لجائزة الدولة التشجيعية، وحصل على عدة جوائز إقليمية في الثقافة عدة مرات. 

كان التقدير المعنوي الذي يناله عبد الناصر علام من مشاهير الثقافة والإعلام سببًا أن يجعله يكمل رحلته، إضافة إلى أنه يصنف أنه يكتب الشعر لأجل الشعر، قيّمه الشاعر الكبير سيد حجاب أنه شاعرًا يمتلك الصنعة واللغة، وعلى دراية جيدة بالعروض والبحور الشعرية المختلفة، ويمتلك رؤية واضحة تمكنه من صياغة القصيدة بشكل بنائي متفرد. 

أثناء مشاركة «علام» بمباراة لكرة القدم ـ وهي هوايته بعد الشعر، في مدرسة أبو بكر الصديق الإعدادية بمدينة نجع حمادي حيث يعمل، سقط على ظهره ليصاب بكسر في الفقرات، واعتزل الساحة الثقافية لمدة سنة ونصف السنة، بسبب المرض وعدم قدرته على الحركة واكتشف بالتزامن مبادئ إصابته بالسرطان، ومر برحلة علاجية أعجزته عن الحركة تمامًا وزاد وزنه بشكل ملحوظ بسبب جرعات العلاج. 

كان«علام» في رحلته الأولي مع المرض كحجر الصوان عنيدًا وصلدًا للغاية وقاوم المرض بصبر كبير حتي برأ منه، وأصبح شخصًا طبيعيًا وعاد إلى رشاقته المعروفة عنه، ونزل إلى الساحة الثقافية مجددًا بموهبته التي أثقلت وبخبرة 37 سنة في كتابة الشعر، وأصبح ضيفًا في كل مؤتمرات الثقافة الإقليمية في الجمهورية، وترأس نادي الأدب في بلده نجع حمادي، وبدأ في الغوص أكثر في المحلية منظرًا عمليًا لفكرة الاستغراق في المحلية وخصص أيامًا في الأسبوع لاكتشاف المواهب في المدارس الإعدادية والثانوية كما بدأ يظهر بوضوح في الفعاليات الثقافية الإقليمية، وأقام خيمة رمضانية في صحيفة محلية في بلده في شهر رمضان الماضي، واستضاف فيها شعراء وأدباء الصعيد في أمسيات شعرية وفنية وهو ما وصفته الأوساط الثقافية بأنه أعطي قبلة الحياة للحالة الثقافية المتحضرة منذ وقت طويل. 

في مطلع 2017 بدأت مضاعفات المرض تظهر عليه مجددًا وظل يقام كعادته، ويمارس حياته بشكل طبيعي، حتي تفاقمت حالته في الشهور الأخيرة وأصبح طريح الفراش وتم نقله إلى مستشفي أورام سوهاج للعلاج بجرعات الكيماوي، ثم للقاهرة لإجراء جراحة لوقف انتشار المرض، وفي رحلة مرضه الأولي والثانية  كان علام كعادته عزيز النفس وأنفق كل مدخراته واقترض من البنك ليعالج نفسه، ولم تتدخل المؤسسة الثقافية لعلاجه إلا بمناشدات زملاءه لإنقاذ حياته. 

وفي منتصف إبريل 2018 تحققت قصيدة عبد الناصرعلاّم «يلا إمشي يا موت» .. «أنا عارفه في سرك كتيمي في قميص موته عمال تغزل| شوف عمّال أقولك تطلع تنزل| خليه الأخر في الكشوفات| عارفاك غدار عارفاك قاسي ولا حاجة بتفلت من أيدك ولا حاجة تفوت| وأنا برضه يا موت واقفالك ومعايا النبوت يلا أمشي يا موت»!. 

خسر عبد الناصر علاّم الأخيرة مع المرض الذي أنهك جسده، توفي أخر الموهوبين فى قصائد العامية وهو لم يتجاوز الـ52 عامًا، وخسرت الساحة الثقافية فى صعيد مصر شاعرًا هو الأبرز فى السنوات الأخيرة.