عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بروفيل| «نصير رنان» حفيد خنوم لم يُبح بالسر!

الفنان الراحل نصير
الفنان الراحل نصير رنان

 كان الفنان نصير رنان بخيت، يبعث كثيرًا من الارتياح، وربما الطمأنينة، ليس فقط لأنه كان يحتضن كل الزائرين لبيت جراجوس لصناعة الفخار والخزف بحفاوة بالغة بيديه الصغيرتين اللاتي اكتسبتا نعومة الطين، وهو ترتسم على ثغره ابتسامة وضيئة كالتي نراها منحوتة على شفاة آلهة مصر القديمة في جداريات المعابد. 

 

 أن مصدر الطمأنينة عند «نصير» إنه كان حتى رحيله قبل سنوات قليلة، يجلس على دولاب الفخار، تلك الصناعة المصرية القديمة، التي تكاد تطمس، أو تندثر مثلها مثل مفردات كثيرة للثقافة والهوية المصرية الأصيلة بفعل كثير من التداخلات الثقافية المستوردة. 

 

 «نصير» حفظ السر وقبض عليه بكل قوة، السر الكامن في الطمي الذي يجلبه حابى واهب الحياة للمصريين؛ قصة نصير والطين ترجع لأكثر من سبعين عامًا عندما كان صبيًا هناك في تلك القرية الفقيرة جراجوس ـ  30 كم شمال الأقصر ـ  التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا تفتحت عيناه على الطين الأسود وجد فيه نوعًا من الحميمة فقد طيعا معه في تشخيص خيالات الطفولة. 

 

 في الوقت نفسه كان المستشرق الفرنسي  «اصطفان دي مونجلوفير» في زيارة لجراجوس لتعلم اللغة العربية ولإنشاء مستوصف خيري للأهالى يتبع أحد الإرساليات.

 

  ووقعت عيون المستشرق على «نصير» وتلقفه هو وزملاؤه بعد أن أتموا تعليمهم الابتدائي، وبدأ يعلمهم كيف يستلهمون أجمل خصائص الطبيعة في تشكيلاتهم الطينية التي سوف تصبح فخارًا وخزفًا بعد ذلك. 

 

 واستدعى المستشرق الفرنسي  «اصطفان دي مونجلوفير» ابن أخيه «روبير دي مونجلوفير» الذي كان يمتلك مصنعًا للفخار في فرنسا ليقوم بتعليم نصير ورفاقه مهنة صناعة الفخار. 

 

 وكان ذلك الفرنسي قاسيًا مع صبية جراجوس حتى أنه كان يحطم تشكيلاتهم من الطين إذا حوت أخطاءً فنية، وفى الوقت نفسه كان ينتظره ثوابًا مجزيًا لو نالت قطعه استحسان معلمه. 

 

 ومرت الأيام وبدأ «نصير» يُبهر الفرنسيين بقطعه الفخارية، مما دعا أباه الروحي «اصطفان دي مونجلوفير» أن يستدعى العبقري المصري المهندس حسن فتحي، مبتكر عمارة المهمشين والفقراء في مصر ليبنى دار جراجوس لصناعة الخزف، مستخدمًا في ذلك، وحسب نظريته في تخطيط الفراغ للإنسان، الخامات الموجودة فعليًا في الطبيعة المكانية للمنشأة التي استلهم في عمارتها تراكمات حضارية مصرية. 

بيت جراجوس لصناعة  الخزف من أعمال المهندس حسن فتحي 

 حقق «نصير»، بعد رحيل الفرنسيين، نجاحات رائعة تحولت جراجوس، تلك القرية الفقيرة المهمشة، وبفضل بيتها المتفرد بمنتجاته الخزفية، إلى مزار سياحي ارتاده ملوك وساسة مصريون وأجانب، ونظم الفنان نصير رنان بخيت عشرات المعارض لمنتجاته في إتيليهات القاهرة. 

 

كان أجمل ما فى الراحل نصير رنان، أنه وبالرغم من الأزمات المتلاحقة التي حاصرت بيت جراجوس، ومنها توقف السياحة عن القرية، فإنه لا يستطيع العيش سوى على عجلة الفخار يبدع في خلق التشكيلات الخزفية تمامًا، مثل خنوم الذي كان يبدع في خلق الأجساد البشرية. 

 

 وخنوم هو المعبود المكلف في مصر القديمة بتشكيل الجسم الإنسانى، وقد صور على هيئة صانع الفخار على الدولاب على جدارية بمعبد إمنحتب الثالث بالأقصر. 

 

  فالفخار وصناعته صاحب الإنسان منذ فجر التاريخ، ووصل لدرجة التقديس في كل الحضارات الإنسانية القديمة، ولكل حضارة لها نماذجها المميزة لها، والطين بجودته توفر في الحضارة المصرية القديمة بفعل طمي النيل. 

 

 بعد سنوات قليلة من رحبل نصير رنان، أغلقت المدرسة أبوابها، إثر خلافات بين الشركاء، مات نصير رنان ولم يبح بالسر!