عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسافة السكة

الحوار الذى دار بين سيدنا موسى والخضر يعلمنا أن الصداقة تبدأ باتفاق وتنتهى بخرق الاتفاق؛ فقد أخبر سيدنا موسى الخضر بعدم مصاحبته إن سأله مرة أخرى، فحينما سأله خرق الاتفاق، فما كان من الخضر إلا أنه قال هذا فراق بينى وبينك، فما لا يعلمه الكثير أن جميع العلاقات تبدأ باتفاق، لا يوجد علاقات عشوائية، العلاقات بين البشر يحكمها ضوابط والبعض قد يعيش دور الضحية حينما تنتهى بعض العلاقات ويعتقد أن العلاقات انتهت بلا سبب، وفى الحقيقة أن لكل شيء سببًا فاتبع سببا؛ فالعلاقات أيا كان نوعها خلقت للراحة ويجب أن يعى الجميع ذلك أن أراد استمرارية العلاقات، أنه يجب أن يكون حذرا، والحذر هنا بالمعنى العام بالمعنى الإيجابى والسلبي؛ فسيدنا عمر علَّمنا ذلك فقال: «لست بالخب ولا الخب يخدعنى، لا من السذاجة حيث أُخدَع، ولا من الخبث حيث أَخدع»، أى ليس خبيثًا فَيَخْدَع، ولا ساذجًا فَيُخْدع؛ فالبعض يضع اتفاقًا لاستمرارية العلاقة والطرف الآخر يأخذها على محمل الهزل، وحينما تنقطع العلاقة يعتقد أنها انتهت بلا سبب، ولا يعلم أنها انتهت لسبب قوى وهو خرق الاتفاق، فأغلب العلاقات تنتهى بسبب خيانة ثقة، انعدام الأمان، إلى أن وصل الأمر أن البعض وجد الراحة فى البعد عن الناس وعدم الثقة فيهم، وأصبح البعض يحذر الناس وهذا ليس بعيب، بل أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام علّمنا ذلك، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه، وهو بين الناس إذا تكلَّم إما أن يرقى، وإما أن يهبط، كان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد منهم بِشْره، وخلقه، فكل منا لا يعرف الآخر إلا فى المواقف والأفعال، غير ذلك يجب أن تأخذ الحيطة، ولا تثق فى أحدهم إلا بعد مرور مواقف وأفعال، والتعرض لخلاف وصدام، فخير كاشف لحقيقة من أمامك المواقف والأفعال، لحظات الفراق والخلاف والغضب واختلاف المصالح، فكن سطحيًّا مع الجميع ولا تتعمق مع أحدهم إلا بعد عدة مواقف وأفعال تستطيع أن تكتشف بها حقيقة من أمامك، ففى زمننا هذا اختلفت النفوس، وأصبح البعض يتباهى بصفاته السيئة، وأصبح من يتحلى بصفات حميدة يندم عليها؛ لأن إظهار صفاتك الحميدة لغير الأهل لها يدفعه لاستغلالها لصالحه ولن يقدرها، فلابد أن يكون هناك ذكاء، حيطة، وحذر، كن طيَّبا ولا تكن ساذجًا، كن فى أعلى درجات اليقظة والحيطة والذكاء، فكما قيل المؤمن كيِّس فطن حذر، فالناس لا يحترمون المغفَّل أبدًا. 

فلا تكن طيِّبا لدرجة السذاجة، ولا تصدق كل ما يقوله الناسُ، بل صدق الأفعال والمواقف، استخدم دائمًا عقلك ولا تقبل شيئًا إلا بدليل ولا ترفض شيئًا إلا بدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما يشاء، فالإنسان قبل أن يثق فى أحدهم يجب أن يعرفه جيدًا! وكان النبى عليه الصلاة والسلام علاقاته طيِّبة، لكن إذا لم يعرف الإنسان يسأل ويدقِّق، وسيدنا عمر علَّمنا ذلك، وهناك واقعة تحث على ذلك، فسيدنا عمر قال لشخص: ائتنى بمن يعرفك، فهذا الذى طُلب منه جاء برجل، قال له: أتعرفه؟ قال: نعم، قال له: هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: هل جاورته؟ قال: لا، قال: هل عاملته بالدرهم والدينار؟ قال: لا، قال: إذن أنت لا تعرفه، لعلك رأيته يصلى فى المسجد، قال: نعم، قال: أنت إذن لا تعرفه.

نشاهد يوما تلو الآخر آلاف الدعاوى فى المحاكم، أسبابها كلها تَصَرُّفٌ فى سذاجة، سلَّم بلا تيقُّن، أعطى بلا إيصال، أسّس شركة بلا عقد، فالدين حثنا على أخذ الحيطة والحذر وتوثيق العقود وشهادة الشهود، وآية الدين التى هى أطول آية فى القرآن الكريم تحدثت عن ذلك: «إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أجل مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»، وتؤكد ضرورة حفظ المال، ورعايته، وعدم تضييعه من خلال كتابة الدين، والاستشهاد بالشهود، إذا لم يكن هناك عقد، ولا إيصال، ليس معه وثيقة ضدك، يسلب منك حقك! 

كذلك الحال بالنسبة للعفو، فالله سبحانه وتعالى قال: «... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ»، الكثير يردد هذه الآية فى الأوقات التى يشعر فيها البعض بالرغبة فى أخذ حقه وعدم مسامحة من ظلمه، ولكن القليل فقط من يعلم متى يكون العفو عن الناس. فالعفو عن الناس إذا كان عفوك مُصلحًا لهم أما إذا كان عفوك يشجعهم على متابعة الأذى فلا تعف عنهم! رجل وقع بين يدى رسول الله، بكى، وتباكى، بكى على بناته الصغار، فرق إليه النبى، وعفا عنه، فعاد إلى ما كان عليه من التنكيل بأصحاب رسول الله، وهجائهم، ووقع مرةً ثانية، وأعاد قصته مرةً ثانية، توسل إليه، واسترق قلبه، وذكر له بناته، قال: لا أعفو عنك لئلا تقول: خدعت محمدًا مرتين! تعفو إذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الإنسان سيصلحه، أما إذا عفوت عنه فتطاول، وتجترّأ على الحق، فينبغى أن تكون حازمًا معه؛ ففى يوم الصداقة العالمي: لا تطلق لفظ صديق على كل عابر، فالصداقة من الصدق والقليل فقط من يتحلى بتلك الصفة، فلا تتسرع فى الحكم على أحدهم وتطلق عليه لفظ صديق بدون أن تجربه فى مواقف وتشاهد أفعاله، فلا تخدعك المظاهر والكلام المعسول وخاصة فى زمن السوشيال ميديا الذى أصبح البعض يتظاهر بشيء من أجل التريند وزيادة المتابعة وهو على غير الحقيقة، فلا تعبأ بكلام أحدهم، بل شاهد أفعاله.