رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

تقود حملة ممنهجة ضد مكتسبات الإصلاح

مؤسسات التصنيف الائتمانى «سلاح خطير» للتدمير الاقتصادى

د. محمد معيط
د. محمد معيط

إذا كانت أمريكا تستطيع أن تدمر أى دولة بقوتها العسكرية، فإن «موديز» تستطيع تدمير أى دولة من خلال تصنيف سنداتها ومنعها من الاقتراض من أسواق المال العالمية، هكذا قالها الكاتب الصحفى الأمريكى توماس فريدمان، وبعد مرور ثلاثة عقود من تلك المقولة يكشف الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أن هناك تحاملاً على مصر من قبل وكالات التصنيف الائتمانى، بل يصل إلى حد التربص بالاقتصاد المصرى، من خلال نشر بيانات غير دقيقة عبر الوكالات الإخبارية تقود هجمة شرسة، فى محاولة بائسة لزعزعة استقرار وتماسك الاقتصاد القومى، الذى يقف صامداً رغم شدة الضغوط والتحديات العالمية، ويظهر ذلك من خلال التزام وزارة المالية بتحقيق المستهدفات المالية خلال العام المالى الحالى الذى ينتهى بنهاية يونيه المقبل، بجانب عدم وجود أى عقبات فى خروج أرباح المستثمرين بالعملة الأجنبية.

فى مقارنة بسيطة، وضعت وكالة التصنيف الدولية «موديز» تصنيف إصدارات مصر بالعملتين الأجنبية والمحلية عند B3قيد المراجعة بهدف الخفض، وأرجعت ذلك إلى تقدم أبطأ من المتوقع فى بيع أصول مملوكة للدولة المصرية، وكذلك مخاطر تتعلق بخطط تمويل مصر، وقالت الوكالة إن التقدم البطىء فى استراتيجية بيع الأصول تضعف سيولة النقد الأجنبى فى مصر وتقوض الثقة فى العملة المصرية، حيث يعد بيع الأصول جزءاً رئيسياً من اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولى. وفى المقابل وتحديداً منذ 3 أسابيع تركت «موديز»، التصنيف الائتمانى لإسرائيل دون تغيير عند (A1)، لكنها خفضت توقعاتها الائتمانية من إيجابية إلى مستقرة، وتعد هذه هى المرة الأولى منذ أزمة «كورونا» التى يتم فيها تقليص التوقعات الإئتمانية لإسرائيل، وبعد عام من إشادة الوكالة ذاتها باقتصاد إسرائيل ورفع التوقعات الائتمانية من مستقرة إلى إيجابية، وجاء السبب فى هذا التغير لمجرد مسألة التشريعات القضائية التى تريد حكومة إسرائيل تمريرها فى الكنيست، بما يعنى أن توقعات ورؤية تلك الوكالات ليست بمعزل عن الصبغة السياسية التى تنصف أسواق عن أخرى.

ويذكر أن موديز هى شركة قابضة، تأسست عام 1909، وتملك خدمة مودى للمستثمرين ‏ والتى تقوم بالأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية وتقييم مؤسسات خاصة وحكومية من حيث القوة المالية والائتمانية. وتسيطر «موديز» على ما يقارب 40% من سوق تقييم القدرة الائتمانية فى العالم.

وتدخل فى قائمة وكالات التصنيف إلى جانب «موديز» وكالة «ستاندرد آند بورز»، ومؤسسة «فيتش»، أبقت «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتمانى لديون مصر السيادية بالعملة المحلية والعملات الأجنبية قصيرة وطويلة الأجل عند درجة «B» مع تعديل نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، وقالت الوكالة أن النظرة المستقبلية السلبية تعكس مخاطر إجراءات السياسة التى تنفذها السلطات المصرية وتعتبرها غير كافية لتثبيت سعر الصرف وجذب تدفقات العملة الأجنبية لتلبية احتياجات التمويل الخارجية السيادية المرتفعة، بل قالت إنها يمكنها خفض التصنيفات على مدى الـ12 شهراً القادمة إذا كان دعم التمويل متعدد الأطراف والثنائى محدوداً أكثر مما كان متوقعاً.

وفى سباق بين الوكالات حول التربص بالاقتصاد المصرى، قررت مؤسسة «فيتش» خفض التصنيف الائتمانى لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية إلى درجة «B» مع نظرة مستقبلية سلبية، ما يعكس نظرة المؤسسة إلى تقديرات الاحتياجات التمويلية الخارجية للاقتصاد المصرى مع ظروف أسواق المال العالمية غير المواتية لكل الدول الناشئة، كما يعكس تقديرات وتحليلات المؤسسة فى ظل استمرار تعرض الاقتصاد المصرى لضغوط خارجية صعبة نتيجة للتحديات العالمية المركبة المتمثلة فى التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، وموجة التضخم العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة والإقراض، وتكلفة التمويل بسبب السياسات التقييدية للبنوك المركزية حول العالم؛ ما أدى إلى موجة من خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، ومن بينها: مصر لصالح الدول والأسواق المتقدمة، وهو ما يتزامن مع صعوبة الوصول للأسواق العالمية، وما تعانيه من حالة «عدم اليقين» لدى المستثمرين.

وأصبح الاقتصاد المصرى حالياً يدور بين فكى ضغوط التحديات العالمية وبين تربص مؤسسات التصنيف الائتمانى، وتعيش مصر تلك الضغوط منذ بدء أزمة كوفيد-19، التى يحسب للاقتصاد المصرى وخاصة وزارة المالية التى دخلت مسلحة بهوامش كبيرة، بفضل الإصلاحات التى نفذتها منذ عام 2016 لتسوية الاختلالات الاقتصادية الكلية، حيث كانت مصر من بلدان الأسواق الصاعدة القليلة التى حققت معدل نمو موجب فى 2020، بفضل استجابة الحكومة فى الوقت المناسب، والفترة القصيرة من الإغلاق العام وتنوع الاقتصاد المصرى نسبياً، حيث شملت الإصلاحات تعويم سعر الصرف للتخلص من المبالغة فى تقييم العملة، وضبط أوضاع المالية العامة لتخفيض الدين العام، وإصلاح دعم الطاقة لمعاجلة أحد المخاطر المالية الرئيسية، وإتاحة حيز للإنفاق الاجتماعى، والإصلاحات الهيكلية لتقوية مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات وزيادة فرص العمل، وتمكنت الحكومة من الاستجابة بسرعة من خلال خطة دعم شاملة مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى، بالإضافة إلى إطلاق البنك المركزى عدة مبادرات لتخفيف الضغوط على المقترضين وضمان توافر السيولة للقطاعات الأشد تأثراً، منها زيادة إمكانات الحصول على ائتمان بأسعار فائدة تفضيلية وتأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية القائمة لمدة ستة أشهر. وكانت هذه التدابير الاستثنائية على مستوى القطاع المالى مهمة لضمان سلاسة تدفق الائتمان فى الاقتصاد فى أعقاب أزمة كورونا.

ويؤكد ذلك الدكتور محمد معيط، وزير المالية، قائلاً إن مصر مرت خلال الفترة من 2011 حتى 2016 بظروف صعبة، وشدد على أن الإصلاح الاقتصادى خلال 2016، تحمل تبعاته الشعب المصرى وصبره بدأ يأتى بظلاله بعد ذلك، وأشار إلى أن فترة كورونا شهدت توقف السياحة والطيران، والدولة ساعدت العاملين فى هذه القطاعات ودعمت القطاع الصحى والعمالة غير المنتظمة، وتحملت الخزانة النفقات فى مقابل قلة الإيرادات، موضحاً أن عوائد الإصلاح الاقتصادى كان من المفترض أن يشعر بها المصريون ولكنه تم إنفاقها خلال أزمة كورونا، موضحاً أنه خلال الجائحة فقدت المالية 400 مليار جنيه من الإيرادات فى مقابل زيادة الإنفاق 200 مليار جنيه.

وشدد وزير المالية على تماسك الاقتصاد المصرى، وقدرته على الصمود والتعامل المرن مع الأزمات العالمية، قائلاً: «الاقتصاد المصرى واقف على رجليه فى مواجهة الصدمات الخارجية، وأن مصر ستتجاوز هذه التحديات العالمية مثلما تجاوزت أزمات كثيرة، خاصة أننا لدينا تنوع فى مصادر الدخل، وقادرون على جذب استثمارات أجنبية مباشرة».  وأنه رغم التحديات العالمية تستهدف وزارة المالية تسجيل فائض أولى 1,5% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العام المالى الحالى، يرتفع إلى 2,5% فى العام المالى المقبل، والأعوام التالية؛ على نحو يسهم فى خفض نسبة الدين للناتج المحلى لأقل من 80% بحلول عام 25026/2027، حيث استطاعت وزارة المالية الحفاظ على تحقيق فائض أولى للعام الخامس على التوالى بنسبة 1,3% فى يونيه الماضى.

وأضاف وزير المالية رداً على ما نشر من بيانات غير دقيقة بإحدى الوكالات الإخبارية ضمن الهجمة الشرسة التى يشنها المتربصون بمصر، أن معدل عجز الموازنة المستهدف بنهاية يونيه 2023/2024 يبلغ 6,5% من الناتج المحلى الإجمالى نزولاً من 6,8% فى العام المالى 202/2021، ولكن معدل عجز الموازنة المتوقع فى العام المالى المقبل يبلغ 6,96% نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة بالأسواق المحلية والدولية وزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وتلبية الاحتياجات الأساسية فى ظل ارتفاع غير مسبوق للأسعار العالمية للسلع والحبوب والغذاء والوقود.

ونجح الاقتصاد المصرى فى جذب استثمارات أجنبية كبيرة خلال النصف الأول من العام المالى الحالى كما جذب أيضاً موارد مالية من مؤسسات دولية عديدة، رغم شدة الظروف العالمية الاستثنائية، وما زال الاقتصاد المصرى يمتلك القدرة على جذب التدفقات الأجنبية، وأن ما تتخذه الحكومة من إجراءات وتدابير وما تنفذه من إصلاحات لتمكين القطاع الخاص المحلى والأجنبى يسهم فى سرعة عودة الاقتصاد المصرى للنمو القوى والمستدام، كما يفتح برنامج «الطروحات الحكومية» فى إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة، آفاقاً للاستثمارات الأجنبية.