رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

منذ سنوات بعيدة كنت قد قرأت كتابا للراحل أنور عبدالملك الذى ادمن قراءة ما يكتبه، بعنوان «تغيير العالم»، وبدت لى السيناريوهات التى طرحها الرجل مغرقة فى الخيال، وخاصة اذا ما جمعتها مع ما أورده فى كتاب آخر له هو «ريح الشرق». قدرت أنه رغم علمه ورؤاه الشاملة إلا أن شطح الخيال ربما يكون قد جنح به بعيدا بعيدا. تذكرت لحظتها كتاب «موت الغرب» لـ"شبنجلر" والذى يتندر البعض على رؤاه بأنه رغم مرور عقود على صدوره الا أن الغرب لم يمت أو شىء من هذا القبيل.

ولأن الأمور لا تقاس على هذا النحو فقد رحت أحاول التوفيق بين الأمرين.. الرؤى المغرقة فى النظرة البعيدة الآفاق لمفكرين على شاكلة عبد الملك وشبنجلر وتلك التى قد يسميها البعض لا ترى سوى ما تحت قدميها والتى يعكسها من هم أمثالى. وكانت النتيجة هى التوصل الى أن تلك الرؤى لا تعبر سوى عن ارهاصات أو بمعنى آخر قراءة لمؤشرات، ستؤدى الأحداث الى نتائجها غير أنه ليس شرطا أن يكون ذلك بين التو واللحظة، بمعنى آخر أنها تعبر عن رؤى استراتيجية بحق وليس على غرار التى يطرحها جنرالات المقاهى هذه الأيام.

أو ما يمكن وصفه بالتنبؤ العلمى وهو أمر ربما يمكن أن يلمسه القارئ بشكل أكثر مباشرة، فى كتاب صدر منذ سنوات للمفكر الأمريكى جورج فريدمان، بعنوان الأعوام المائة القادمة استشراف للقرن الحادى والعشرين يتنبأ فيه بأحوال العالم خلال المائة سنة القادمة بشكل يشعرك وكأنه يقرأ الغيب.

أسوق لك كل هذا الحديث لكى أؤكد لك فكرة أساسية أتصور أننا نعيشها بحق وحقيق وهى فكرة تغيير العالم. كنت قد كتبت مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أوائل العام الماضى أنها ربما تكون حرب تغيير العالم، وهى كذلك بالفعل أو هى للدقة عامل من عوامل هذا التغيير. ربما تبدو الفكرة بعيدة عن التمثل أو التخيل ولكنها حقيقية، إذا وضعنا فى الاعتبار أن العالم لا يتغير بين يوم وليلة، صحيح أن هناك أحداثا يؤرخ لها بهذا التغيير ولكنها مجرد احداث فى حين أن عملية التغير ربما تكون متواصلة قبل الحدث بسنوات بل بعقود. المثال الأبرز هنا أن قيادة النظام الدولى لم تؤول الى الولايات المتحدة فجأة، وإنما بعد عقود من تواصل احتلالها مكانة متقدمة فى صدارة النظام الدولى الى أن تم التتويج فعليا بنهاية الحرب العالمية الثانية، والذى يعتبر التاريخ الفعلى لهذا الحدث.

على هذا النحو يمكنك تصور أن هناك تحت السطح وفوق السطح ملامح لعملية تغيير للنظام الدولى تجرى على قدم وساق، اشتد أوارها فى السنوات الأخيرة قوامها ازاحة الولايات المتحدة عن القيادة.. حتى سنوات مضت كان يبدو ذلك ضربا من الأحلام ولكن الفكرة بدأت تصل لبعض القطاعات. الصراع على أشده فيما بين الصين وروسيا وغيرهما من قوى أوروبية لاحتلال وتصدر القيادة، وإن كانت المؤشرات كلها تحصر المنافسة بين الصين وروسيا مع رجحان كفة الصين. الولايات المتحدة تقاوم وتدرك أن مقاومتها إنما هدفها تأخير هذا التحول وليس وقفه تماما.. آخر المؤشرات حتى الآن التحركات التى تشير الى تفكك الالتفاف حول الدولار كعملة العالم والاتجاه الى التعامل بنظام آخر قد يقضى على ذلك الذى تأسس بعد الحرب الثانية.

المؤسف أن مفكرا مثل عبدالملك كان يجتهد فى «تغيير العالم» من أجل ما يراه اعانة على تحديد التحرك العربى فى المرحلة القادمة صوب نظام عالمى جديد، فيما أن العرب ما زالوا للأسف مصرين على البقاء فى قاع هذا النظام العالمى الجديد أو غيره من الأنظمة القديمة!

 

[email protected]