رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ُ نتعلم من

بين أفراد المجتمع المؤمن ما بين أعضاء الجسد الواحد من التكامل والتكافل، ولهذا أوجب الشرع الزكاة حقًّا للفقراء فى أموال الأغنياء، وندب للقادر على الزكاة وغير القادر عليها الصدقةَ، وهى تطوع ولو بشىء يسير، ورتَّب عليها ثوابًا عظيمًا وأثرًا كبيرًا، من هذا قولُه سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} {التوبة: 103} فقد بيَّنت الآية -كما قال العلماء- أن الصدقةَ تُخلّى صاحبَها عن الرذائل، وتُحليه بالفضائل، فكلمة (تُطَهِّرُهُمْ) تشير إلى التخلية عن الرذائل، فهى تُطهِّر صاحبَها عن رذيلةِ البخل والشحِّ والتمسك بالفانى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {الحشر: 9}، كما أنها تكفر عنه سيئاته، وكلمة (تُزَكِّيهِمْ) تشير إلى جعل المتصدق زكيًا؛ أي: كثيرَ الخير، وكفى بالجود والسخاء ابتغاء وجه الله تحليةً، ثمَّ هى شكرٌ للهِ، وهل وراءَ شكرِ الله تحلية؟! كما أنها تُحلّى صاحبَها بالحسنات، فهى تَحليةٌ لظاهره وباطنه، وسرِّه وعلانيته.

وعلى المتصدِّق أن يعرفَ أنَّ صدقتَه رزقُ الفقيرِ أجراه الله على يديه، فعليه ألَّا يُؤذيَهُ أو يمنَّ عليه، وأن يردَّه -إذا لم يُعطِه- ردًّا جميلًا، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} {البقرة: 263}، إن ردَّ السائلِ بكلمةٍ طيبةٍ تجبرُ خاطرَه وتحفظُ كرامتَه، مع المغفرةِ والصفح عنه لإلحاحِهِ فى السؤال، خيرٌ من التصدُّقِ عليه ثم إذايته بكلمةٍ أو نظرةٍ، فإنَّ ألمَ الحرمان أهونُ من عطاءٍ يصحبُه أذًى وإهانةٌ، وهل تبقى أخوةٌ وتماسكٌ بين أبناء المجتمع الواحد مع إهانةٍ أو منٍّ؟! ولهذا ترتَّب عليهما الحرمانُ من الثواب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} {البقرة: 264}.

ويُستحب للمتصدِّق أن يتصدق بالجيد، وقد رتَّب الله سبحانه وتعالى بلوغَ منزلةِ البرِّ على الإنفاق بالشىءِ المحبوبِ للنفس، فقال عز وجل: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} {آل عمران: 92} فالبرُّ منزلةٌ يَسلكُ سبيلَها المسلمُ، لكنه لا يصلُ إلى غايتِها إلا بالإنفاقِ من المحبوب.

ومن الصدقة أن يتنازل الدائن عن دَينه أو عن بعضِه إذا كان المدين معسرًا غير قادر على السداد، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {البقرة: 280}؛ أي: إنْ تعسَّر المدين ولم يستطع السداد، فللدائن تأخير المطالبة بالدين إلى وقت اليسار، ولو تصدَّقَ الدائن بالتجاوز عن الدَّيْن كلِّه أو بعضِه فهذا خيرٌ وأفضل له، قال صلى الله عليه وسلم: «مَن أنظَرَ مُعسرًا أو وَضَعَ عنه، أظلَّه اللهُ فى ظلِّه» {رواه مسلم}، وقال صلى الله عليه وسلم: «كان تاجرٌ يُداينُ الناسَ {أي: يبيعهم مع تأجيل الثمن}، فإذا رأى مُعسرًا قال لفتيانِه: تَجاوزُوا عنه لعلَّ اللهَ أن يتجاوزَ عنَّا! فتجَاوَزَ اللهُ عنه»، {متفق عليه} وقال صلّى الله عليه وسلّم: «مَن أرادَ أن تُستجابَ دعوتُه، وأن تُكشفَ كُربتُه، فَلْيفرجْ عَن مُعسرٍ» {رواه أحمد}.

ولو أن القادرين تكاتفت جهودُهم على إيجادِ مصادر دخل ثابتة أو مشروعات صغيرة للمحتاجين تسدّ حاجتَهم -كما هو مذهب بعض العلماء من أن يُعطَى الفقير من الزكاة ما يجعله غنيًّا بقيةَ عمره- لكان فى هذا الخيرُ الدائم الذى لا ينقطعُ لهم، وللفقراء، وللمجتمع كلِّه برفع المستوى الاقتصادى لأبنائه.