رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

 

 

خلَقَ اللهُ الإنسانَ خليفةً فى الأرضِ ليسيرَ فيها بشرعِ الله ووفْقَ مُرادِه سبحانه {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً} «البقرة: 30»، وسخر له الكون {اللَّهُ الَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} «الجاثية: 12، 13»، ومعنى التسخيرِ إصلاحُ الكونِ لبقاءِ حياة الإنسانِ فيه، وإذا كان الصلاح هو حدُّ الاستقامة والاعتدال الذى جعل الله الكونَ عليه، فالفساد هو الخروجُ عن هذا الحدِّ قليلًا أو كثيرًا، وذلك بارتكابِ المحرمات وهى كل ما ضرَّ النفسَ، والعقلَ، والدينَ، والمالَ، وعِرضَ الإنسانِ وكرامتَه، بصورةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرة، ويكون الإنسان منغمسًا فى دائرة الفساد بقدر ارتكابه لشىء من هذا المضارّ.

والمجتمع كلٌّ أجزاؤُهُ الأفراد، وشأنُ الكلِّ أن يُؤثَّرَ فيه ما يُؤثرُ فى أجزائِه، فينتفع المجتمعُ بسلوكِ كلٍّ فردٍ إذا استقام، كما أنه يتأثرُ بِه إذا اعوجَّ، فالإفسادُ على مستوى أيٍّ منهم إفسادٌ فى جانبٍ من جوانبِ المجتمع، ومعصيةُ الفردِ فى خاصّةِ نفسِه إفسادٌ فى الأرضِ من حيثُ تأثُّرُ المجتمعِ بخللِ هذا الفردِ فى نفسِه.

وقد اقترنَ ذِكْرُ (الإفسادِ) بـ(الأرضِ) فى كتاب الله  عز وجل، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} «البقرة: 11»، {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} «البقرة: 27»، {وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} «الأعراف: 56»، {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} «الرعد: 25»، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ} «ص: 28»...، وفى هذا إشارةٌ إلى أنَّ الإفساد بكلِّ صُورِه وإن كان فى نطاقٍ خاصٍّ ضيقٍ فإنَّ أثَرَه منتشرٌ مبثوثٌ فى سائر الأرض، ووقوعُه فى بقعةٍ معينة منها تشويهٌ لمجموعها بما تحتوى عليه من إنسان وحيوان ونبات وجماد وأنظمة ونواميس كونية وضعها الله تعالى لها، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} «البقرة: 205»

ولهذا يدخُلُ فى نطاقِ الإفسادِ فى الأرضِ إهدارُ الإنسانِ لمواردِهِ الخاصةِ وإسرافُه وتبذيرُه فيها، وتفريطُه فى ممتلكاته الخاصّة، هذا فضلًا عن عدم الحفاظِ على الموارد والممتلكات العامَّة.

وإذا كان «شأنُ العاقلِ أن يكون بصيرًا بزمانِه، مُقبلًا على شأنِه، حافظًا للسانه»؛ أي: مُدركًا للواقع، قائمًا بواجبِ وقتِه، لا يتكلم فيما لا يعنيه، فإن تقاعسه عن شىءٍ من ذلك إفسادٌ فى الأرض، فإذا أراد المشاركة فى الإصلاح دون إدراك للواقع، أو تجرَّأ على غير تخصصه، أو أَدْلَى برأى غير مدروس ومدقق، كان داخلًا فى نطاق المفسدين.

وإذا كانت المعصية فسادًا فى الأرض فإنَّ المجاهرةَ بالمعصية والإثم فسادٌ أكبر؛ وذلك لأن المجاهرة تُوجِد مع الوقتِ إِلْفًا لما تُنكرُه الأديانُ والعقولُ والفِطَرُ السّليمَةُ، وهذا فسادٌ أكبر، وقد قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ أمتى مُعافًى إِلَّا المجاهرينَ، وإنَّ مِن المجاهرة أن يَعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا، ثُمّ يُصبحُ وقدْ ستَرَهُ اللهُ عليْه فيقولُ: يا فلانُ عمِلْتُ البارحَةَ كذا وكذا. وقد باتَ يَسترُهُ ربُّهُ ويُصبحُ يَكشفُ سِترَ الله عنه». «متفق عليه».

ويدخل فى إثم المجاهرة مَن يساهم فى نشرها، فمُطلِق الشائعة مفسدٌ فى الأرض، ومَن يُروّجُها ويَنقلُها مشاركٌ له فى الإثمِ والإفسادِ.