رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

المصلحون ثلةٌ صالحةٌ آثرتْ أن يكونَ لها نصيبٌ من ميراثِ النبوة {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88)، إن «الإصلاح» كلمةٌ معناها ومفهومها عظيمٌ جليلٌ يُطالَبٌ كلٌّ منَّا به، نعم فكلٌّ منا مسئول «كلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مسئولٌ عن رَعيّتِه» وعبارة «كلكم راعٍ» لها دلالات: منها أنَّنا مُستخلَفون مِن قِبَل الله فيما أقامنا فيه، وأنَّ هذا يستلزمُ أن يكونَ كلٌّ منَّا على إدراكٍ كاملٍ وخبرةٍ كافيةٍ تُؤهلُه للقيامِ بمهامِّ مسئوليته واختصاصاتها، وأن يُطوَّرَ من نفسِه في هذا الشأن.

وأنه لا يُوجَدُ فينا مَن يخلو من المسئولية، فكلٌّ منَّا مُستخلَف مِن قِبَلِ الله عزَّ وجلَّ على ثغرٍ من ثُغورِ المجتمعِ لا يَسدُّه ُعنه غيرُه، قيامُه فيه بواجبِ المسئوليَّةِ إصلاحٌ في كون الله، وتقصيرُه فيه إفسادٌ.

ودَورُ الرجلِ تُجاه أسرتِه، والمرأةِ في بيتِها، والعاملِ في عملِه... كلُّ هذا يحتاجُه المجتمعُ كما يحتاجُ إلى دَور المدير في إدارته، والوزير في وَزارته، والرئيسِ في رئاسته، ويتأثرُ المجتمع بقدر تقصيرِ كلِّ فردٍ في مسئوليته. ومفهومُ المجتمع في هذا السياق لا يقتصرُ على الجِيرَة القريبة، ولا المدينةِ المتسعة، بل إنه أوسع من ذلك، إنه شاملٌ للوطن، وللمجتمعِ البشريِّ بأَسْرِه.

وقيامُ المرءِ بمسئوليتِه إصلاحٌ في الأرض؛ إذ هو سَيْرٌ بشرع الله، وهذا في ذاته صلاحٌ وإصلاحٌ؛ لأنه شرع في جملته يحافظُ على الكلياتِ العليا التي هي النفس والعقل والدين والمال والعرض (كرامة الإنسان)، والحفاظ عليها لا شك أنه مقصودُ كلِّ إصلاحٍ ومضمونُه، فكل عمل صالح يقوم به المرء يحافظُ على هذه الكلياتِ أو يُؤدي إلى الحفاظ عليها، سواءٌ في حقِّ نفسِه أو في حقِّ غيرِه «إصلاح»، فكفاية المرء نفسَه بعمله الطيب، وإتقانه العمل، واجتهاده فيه، ومعاونة الآخرين، ونصحهم وإرشادهم، كلُّ هذا وما ماثلَه «إصلاحٌ»، كما أن كلَّ عملٍ للمرءِ من شأنِه التأثيرُ السلبيُّ في هذه الكلياتِ، أو يؤدي إلى ذلك، ولو في حقِّ نفسه، فإنه يُخرج صاحبه من نطاق الإصلاح إلى نطاق الإفساد.

ولابد أن يكون المصلح صالحًا أي يبدأ بإصلاح نفسه، وقد ذُكِر الإصلاحُ تاليًا للإيمانِ {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الأنعام: 48)، باعتبارِ الإيمانِ الشجرةَ التي تتفرع منها الأعمالُ الصالحة، والتي يُعدُّ كلٌّ منها إصلاحًا في الأرض.

وضيقُ دائرةِ الإصلاحِ والمسئوليَّةِ لا يقلل من شأن الإصلاح، فإن المجتمع لَبِناتٌ مُتراصَّةٌ، وهو يحتاج إلى الحفاظ على كل وحدة فيها كبرت أو صغرت، وانظر كيف أن الله سبحانه وتعالى سمَّى إزالةَ أسباب الخلاف والنفوس سواءٌ في نطاقٍ ضَيّقٍ (بين الزوجين) أو في نطاقٍ واسع (بين الجيوش المتقاتلة) باسم واحد هو «الإصلاح»، فقال سبحانه في شأن الإصلاح بين الزوجين: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء: 35)، وقال تعالى في شأن الجيوشِ المتقاتلة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات: 9)، فاتساع الدائرة وضيقها لم يؤثر في عموم الوصف، بل إن النطاق الضيق الذي يبدأ بالفرد هو الأساس الذي يقوم عليه البناء الكبير، وتجد في آية الصلح بين الزوجين أنَّ الله وعَدَ بالتوفيق بين الزوجين إذا صدقت نوايا المصلحين {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا}، وهو وعد بإعانة المصلحين في مهتمهم لجلالتها.