رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

الدعاءُ لجوءٌ إلى الله تعالى وإقبال عليه سبحانه، وشعورٌ صادقٌ بالحاجة إليه، وبالعجز البشرى التام، وبالقدرة الإلهية التى لا يُعجزها شىء.

وهذا يجعلُنا نُدركُ طَرَفًا من معنى حديثِ سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثُ قال: «الدعاءُ هوَ العبادَة»، وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إن الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. (أي: صاغرين) (رواه: أبو داود والترمذي)، إن الدعاءَ حالةٌ تقفُ فيها العبوديةُ خاشعةً خاضعةً تشعرُ بضعفِها وعجزِها وفاقتِها بين يدى مَن بيدِهِ ملكوتُ كلِّ شىءٍ خالقِها ورازقِها وربِّها القادرِ الغنى القوى الكريمِ أرحمِ الراحمين، وهذه المعانى هى لُبُّ العبادةِ ومضمونُها، فالدعاءُ بهذه المعانى تحقيقٌ للعبادةِ الصادقة.

ويُفهم من هذا أن العبادةَ لا بدَّ فى أدائِها من حصولِ هذه المعانى، التى بها تصيرُ العبادةُ دعاءً، نعمْ دعاءٌ بلسانِ الحال، والدعاءُ وعَدَ الله باستجابته {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ} {البقرة: 186}، واستجابة العبادةِ هى قَبولُها والإثابَةُ عليها.

وعدَمُ استشعارِ العبدِ لهذهِ المعانى عند أداء عبادتِهِ يجعلُها صورةً لا يترتبُ عليها شىءٌ من التزكيَةِ والترقيَةِ.

وما يتولَّد عن المعانى السابقة من خضوعٍ وخشوعٍ يُعَدُّ من أخصِّ آدابِ الدعاء التى أمرَ الله سبحانه وتعالى بها: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إنه لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الأعراف: 55) أي: ادعوه سبحانه علانيةً وسرًّا، ولفظ «التضرع» دالٌّ على أن الدعاءَ حالَ العلانيَةِ لا بدَّ فيه من التلبس بالخشوع والاستكانة، فليس الدعاءُ قولًا يُرددُه اللسانُ دونَ خشوعٍ من القلبِ والجوارحِ، إنه خشوعٌ وعبوديةٌ شاملةٌ للقلب والقَالَب جميعًا، وكما يدعو الإنسان ربَّه علانيةً يدعوه سرًّا؛ لأنه بطبيعتِهِ دائم الفقر والحاجة إلى ربه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِى الْحَمِيدُ} (فاطر: 15)، ولأن الدعاء عبادةٌ وهو مخلوقٌ لعبادة الله عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).

ولهذا ينبغى أن يكون هَمُّ العبد تحقيق الدعاء الذى هو عبادة خالصة، وأما استجابة الدعاء فقد كفلها الله عز وجل، وقد يظن البعض خطأ أن استجابة الدعاء قاصرة على معنى تحقيق ما طلبه، وهذا فهم ضيق لمعنى الاستجابة، ولذا بيَّن سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: «ما مِن مُسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحمٍ، إلَّا أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ: إِمَّا أن تُعجّلَ له دعوتُه، وإمَّا أن يَدخرَها له فى الآخرة، وإمّا أن يَصرفَ عنه من السُّوءِ مثلَهَا»، قالوا: إذنْ نُكثِر. قال: «اللهُ أكثر». (رواه: أحمد). العبدُ إذا دعا فإنما يدعو بما يراه خيرًا لنفسه، والأعلمُ بحقائقِ الأمورِ وما تَؤولُ إليه هو اللهُ سبحانه وتعالى، فإذا كان ما دعا به العبدُ خيرًا له حقَّق الله له ذلك، وإن لم يكن كذلك فإمَّا أن يَصرفَ عنه -بقدر دعائه- سُوءًا كان سيصيبُه، أو يَدخرَ له ثوابَ دعائِه فى الآخرة، وهذه الأمور الثلاثة كلُّها خير، وتَرتُّبُ أى واحدٍ منها على دعاءِ العبد يُعدُّ استجابةً لهذا الدعاء؛ لأن حاصلَ طلَبِ العبدِ هو حصولُ الخيرِ له، وقضاء الله له بواحدةٍ من هذه الثلاث هو الخير الأنفع له، علِمَ هذا أو لم يعلمْه.

ومعنى الاستجابة هذا متسقٌ تمامًا مع المعانى التى يحويها الدعاء؛ إذ العبدُ يعلمُ حقيقةَ عجزِه وفاقتِه وحاجتِه إلى عِلْمِ الله وتدبيرِه، ولولا علمُه بهذا ما لجأَ إلى دعاء ربّه.