رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نتعلم من

عادت وفود الرحمن إلى أوطانهم ومنازلهم وأهاليهم، عادوا محملين بالأنوار والبركات، عادوا مغفورًا، نفوسُهم وقلوبُهم صفحاتٌ بيضاءُ لا يلوثها شيء، يقول سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن حجَّ للهِ فلم يَرفُثْ، ولم يَفسقْ، رَجَع كيَوْم ولدتْهُ أمُّه» «متفق عليه»، ولك أن تتصور نفسًا جمعت بين نضج الأيام الذى قضتها فى الحياة مع الطهارة من أوضار آثامها، إنه فوزٌ عظيمٌ تطمحُ إليه النفوس، وتهفو الأفئدة، عادت هذه النفوسُ تحملُ لأهليها وأوطانها أهم ما ينتظره الأهل والوطن من ثمار هذه الرحلة المباركة.

بدأ الحاج بنفسه فأعدها للمغفرة، وقد بيّن حديثُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك: «مَن حجَّ للهِ فلم يَرفُثْ» والرفث الفحش فى القول، ويطلق أيضًا على المعاشرة الزوجية، فالحجُّ يجعلُ النفسَ مسيطرةً على شهواتِها لا منقادةً وراءَها، «ولم يفسق» أى لم يقترف المعاصي، فهو نقيُّ اللسان والأركان من الذنوب والمعاصي، «رجع كيوم ولدته أمُّه» فى الطهارة من الآثام.

وهذا الذى ذكره سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نزل به القرآنُ الكريم {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِى الْأَلْبَابِ}، فشأن الحاجّ الطهارة ظاهرًا وباطنًا من الفحش والمعصية والمراء والجدال والمنازعة.

يعود الحجيج إلى أوطانهم وقد تحلوا بهذه المعانى السامية التى عليها تُبنَى المجتمعات والحضارات الصالحة.

عادوا وقد غرس فيهم الحج معنى التواضع، حينما وقفوا جميعًا متجردين مما يميزهم، والتواضع نجاة من مهالك الكبر، نعم.. فإنَّ الكبر هلاك للنفس وهلاك للمجتمع بأسره، فالمتكبر يرى نفسه فوق غيره، فهو يستأثر بالمناصب والفرص وإن لم يكن من أهلها، وإن كان غيرُه أحقَّ بها، وكم تُرتكب من جرائم بسبب شيء من الكبر فى النفوس! قد يقتل المتكبر نفسًا أبت إجابته إلى ما لا يستحق، لا لشيء سوى الكبر، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يَدخُلُ الجنةَ مَن كان فى قلبِه مثقالُ ذرَّة مِن كِبر» «رواه مسلم».

إنَّ الحجَّ علَّمَ الإنسانَ أن يكونَ هو المتحكِّم فى شهوته لا أن تسوقه شهوته، وتحكم الشهوات فى النفوس يضيرها، ويضير الناس من حولها، وهل الإفساد فى الأرض وارتكاب الفواحش إلا سعى وراء شهوات مستعرة؟!

عاد الحجاج وقد تعودت ألسنتُهم تركَ القولِ الفاحش والمماراة والمجادلة فى الكلام والبيع والشراء، عاشوا أيّامًا مباركات وهم أعراق مختلفة، وأعمار متباينة، وبيئات متنوعة، دون مماراة ومنازعة يجمعهم دين واحد ألَّف بين قلوبهم كما جمع بين أبدانهم، ويعود الحاج إلى وطنه وقد امتلأت نفسه بهذه المعانى السمحة التى هى قيم التعايش السلمى فى الأوطان والمجتمعات، امتلأت نفسه بالمحبة للناس جميعًا مسلمين أو غير مسلمين؛ لأن القلب إذا تطهر من أدرانه وغرس فيه الحبّ لم يعد فيه للكراهية موضع.

عاد الحاجُّ داخل سياجٍ إيمانىّ يحول بينه وبين ارتكاب الآثام الذى يتنافى مع ما صار عليه، فكلمة «الفسوق» فى الآية الكريمة: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ}، والحديث الشريف: «فلم يَرفُثْ، ولم يَفسقْ..» لها دلالة واضحة على الخروج عن إطار الطاعة، فإن العرب تقول: فسَقَت الرُّطبَة إذا خرجتْ عن قشرتها، فكلمة (الفسوق) فيها إشارة إلى أنَّ أى عصيانٍ مخرجٌ للحاجِّ عن إطار الطاعة الذى ينبغى أن يكون داخله، وبقاء هذا المعنى مع الحاج العائد لدياره خيرٌ جليلٌ له ولأهله ولسائر وطنه؛ لأنه ضبط لحركة الحياة بأن تكون محفوفة بالسياج الربانيّ الواقى من شرور الدنيا وعذاب الآخرة.

 

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق