رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

 

في موقفٍ مهيبٍ حيثُ احتشدَ المسلمون في «يوم عرَفَةَ» ألقى سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خُطبتَه الجامعةَ، فقال: «أيُّها الناسُ اسمعوا قولي؛ فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكُم بعدَ عامي هذا بهذا الموقفِ أبدًا».

إنَّها الوصيةُ الخاتمةُ التي اجتمع لها أكبرُ عددٍ من الرُّواة لِيحملوها للعالم مِن ورائِهم مكانًا وزمانًا، الزمانُ زمانُ الحجِّ، ختام عامٍ، وختام رسالةٍ، وختام حياةٍ كريمةٍ كانت ولا تزالُ رحمةً للعالمين، والمكان «عرفَة» مجتمع الحجيجِ، فـ«الحجُّ عرفَة» كما قال سيدُ الخلق صلى الله عليه وسلم.

وقد وجَّه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم خطابَه للناس «أيّها الناس» إن المجتمعين أمامه صفوةٌ من الناس نبَدهم الله ليكونوا نُجومَ هداية، ومَناراتِ حضارة، ومنابعَ حِكمة، ورَوافدَ رحمة، وقد هيَّأهم لهذا سيدُنا مُحمّد صلى الله عليه وسلم حينما قال: «فإنَّما بُعثتُم مُيسرين، ولم تُبعثوا معسرين» (رواه البخاري)، تأمّل كلمة «بُعثتم» وما في طِيَّاتِها من معاني الوراثة الكريمة لهذه الدعوة الخالدة، أولئك الصفوة لم يبعثوا بالخير قاصرًا عليهم وعلى مَن أجابهم، وإنَّما حملوه للعالم أجمع، فوسع خيرهم وعدلهم ورحمتهم وحضارتهم العالم كلَّه.

ويبدأُ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوضعِ الأساسِ الأولِ للسلامِ في جنبات هذه الأرض، وبِناءُ السلام على الإيمانِ يجعلُه كان واقعًا حقيقيًّا ثابتًا لا تَعصفُ به الأهواءُ والمصالح: «أيُّها الناس إنّ دماءَكُم وأموالَكُم حرامٌ عليكم كحُرمةِ يومِكُم هذا، في شهرِكُم هذا، في بلدِكُم هذا» الحرمات تُغلَّظ في الأشهر الحرم والبلد الحرام، وإذا كان الاعتداءُ على النفوس والحقوقِ مُحرّما ومُجرّما عندَ كلِّ العقلاء، فهي عند ورثَةِ رحمةِ الله للعالمينَ صلى الله عليه وسلم أشدُّ وأغلظُ تحريمًا.

وبناءُ السلامِ الحقيقيِّ يقتضي إنهاءَ كلِّ ما يُعكّرُ صَفْوَهُ من خلافاتٍ وحروبٍ، ومن معاملاتٍ اقتصاديّة تضرُّ بالمجتمع، ومِن كلِّ ما يخالفُ مبادئَ السلام وقواعد: «أَلَا وإنَّ كلَّ شيءٍ من أمْرِ الجاهلية تحتَ قدميَّ موضوعٌ»، وبدأ القائدُ العظيمُ بنفسه، فتنازلَ عن حقوقِهِ وحقوقِ آله فيما كان من خلافاتٍ وتعاملاتٍ في الجاهلية.

وبعد هذا أوصى سيدُ الخلق صلى الله عليه وسلم بالنساء: «اتّقوا اللهَ في النساءِ»، وهل عَلِمَ التاريخ مُنصفًا للمرأة كرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! هَبَطَ البعضُ بالمرأةِ فوضعوها دونَ منزلتها، ونادَى آخرون بحقوقِها متغاضين عن واجباتها، فصارت كَلًّا لا دورَ لها ولا مسئولية عليها، وهذا هبوط أيضًا، أمَّا في الإسلام فالكل فيه مسئولون فيما أقامهم الله فيه، المرأة والرجل سواء «كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكم مسئولٌ عن رَعيته».

ثم يؤكّدُ صلى الله عليه وسلم دوامَ الصلَةِ بالمنهجِ الإلهيِّ وعدم الانقطاع عن رسالة السماء: «وقد تركْتُ فيكم ما لن تَضلّوا بعدَه إن اعتصمتم به: كتاب الله وسُنة رسوله» كلمة «لن» الدالّة على الاستقبال فيها إشارةٌ إلى أنّ القرآنَ والسّنةَ مصدرا هدايةٍ وتشريعٍ إلى قيامِ الساعة؛ وليسا لزمان معين أو مكان محدد.

كما يُبيّنُ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ صلاحَ الأوطانِ والمجتمعاتِ -بل بقاءَها- في طاعةِ الحُكَّام الذين أبقَوْا فيهم المنهجَ المعصومَ: «يا أيها الناس اسمعوا وأطيعوا وإنْ أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ مُجدَّعٌ، ما أقامَ فيكم كتابَ الله تعالى».

إنَّها رسالة هداية ورشاد للعالم كله، إنَّ المسلمَ في كلِّ زاويةٍ من زوايا الأرضِ يعملُ على صلاحِ الكونِ كلِّه، والإحسانِ لجميعِ مَن فيه مِن إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد.

--

رئيس اللجنة الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق