رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

دعا خليلُ الرحمنِ عليه السلام ربَّه أن يهبَ له غلامًا صالحًا {رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينَ} {الصافات: 100}، فاستجاب الله دعاءه {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} {الصافات: 101}، وقد انطوت هذه الإجابة على ثلاث بشارات؛ أن الولد غلام ذكرٌ، وأنه يَبلُغُ الحُلُمَ- لأنَّ الصبيَّ لا يُوصف بالحِلم- وأنَّه يكون حليمًا.

ووُلِد له إسماعيلُ عليه السلام، ولمَّا بلَغ أن يَسعَى مع أبيه فى أشغالِهِ وحوائجِهِ رأَى خليلُ الرحمنِ عليه السلام فى منامِه رُؤيا عَرفُ منها أنه مأمور بذبح والده، {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} ورغم أنَّ الأمرُ جليلٌ؛ إنه ذَبْحُ ولدِه الوحيد، والصالح الحليم، بعد أن صارَ يافعًا، ورغم أنَّه جاء فى رؤيا، إِلَّا أن سيدَنا إبراهيم عليه السلام امتثل؛ لأنه يعلم أنَّ رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحيٌّ، وأخبر ولده بشأن الوحى وقال له: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} ولم تكن هذه الكلمة تخييرًا للابن الصالح، وإنَّما هى رغبة من الوالد الجليل فى أن يستجيب ولده للأمر طوعًا لا كرهًا، ويؤيد هذا أنها قُرئَت {تُرِي} بضم التاء وكسر الراء؛ أي: ماذا تُظهر من نفسِك إزاءَ هذا الأمرِ مِن امتثالٍ أو عدمِه؟

إنَّه منهجٌ تربويٌّ جليلٌ، إيجاد القدرةِ على الاختيارِ الصائب لدَى النشء فى قُوةِ شخصية تحكُمُها ديانةٌ قويمة، ودمَاثَةُ خُلُق وحِلم، ورجَاحَة عقْل، وصِحَّة إدراك.

ولذا لم يكنْ من الوَلَد الحليمِ إلَّا الامتثال: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، تسليم مطلق، فهو يعلم أن أباه نبيٌّ من أنبياء الله، وأنَّ رؤيتَه وحيٌ من الله، وأنَّ عليه الامتثالَ لِأمرِ الله بالقَبول والرضا.

يقول الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} {الصافات: 103–107}، قوله سبحانه: {أَسلَمَا} أي: سلَّمَا واستسلما لأمر الله تعالى طواعيةً، وتشرحُ هذه الكلمةِ على إيجازها معنى (الإسلام) الذى اختاره الله عز وجل اسمًا لدينه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} {آل عمران: 19}، والإسلام معناه إذعانٌ لله وخضوعٌ له قلبًا وقالَبًا، طواعيةً لا جبرًا، ولا يتَأتَّى هذا إلا بأن يُخلصَ المرءُ نفسَهُ للهِ عز وجل فلا يكون لغيرِهِ سبحانَه فيها نصيبٌ.

أسلمَ سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام لله، وأسلمَ سيدُنا إسماعيلُ عليه السلام لله، وأضجع الوالدُ ولدَه على الأرض، ووضع جبينه عليها، إنّ هذا هو الاختبار البيّن الذى يتميز فيه المخلصون مِن غيرِهم، وينزل الوحى على خليل الرحمن عليه السلام أنك أحسنت حينما أذعنت لما أُمرتَ به من ذبح ولدِك، وجزاء المحسنين تفريج الشدائد عنهم، وفداه الله بكبش عظيم، ومن هنا كانت سنة الأضحية التى يضحى بها المسلمون فى عيد الأضحى.

إن المسلم وهو يضحى يحيى فى نفسه هذه الذكرى الطاهرة، ذكرى التقرب إلى الله عز وجل، وذكرى فداء الله لسيدنا إسماعيل وإمداده بنعمة استمرار الحياة، فالمضحى شاكر لنعم الله، لنعم الإيجاد والإمداد، نعمة الحياة التى منّ الله عليه بها حتى أدرك عامًا بعد عام، ونعمة الإمداد بالنعم التى صار بها قادرًا غنيًّا مطعمًا لا مستجديًا ولا سائلًا، فالأضحية تذكر المسلم بالإخلاص لله وشكره.