رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

توجَّه سيدُنا موسى عليه السلام إلى أرضِ مدينَ، ولما وصلَ ماءَهم وجدَ عليه جماعةً كبيرةً يسقون مواشَيَهم، ووجَدَ امرأتيْنِ تَكُفَّانِ مواشيهما العِطاشَ حتى لا تختلطَ بمواشى الناس.

وقفت هاتان الفتاتان غير مختلطتيْنِ بالرجال شأنُ كلِّ امرأةٍ حرّةٍ عفيفة حتى فى مجتمعٍ لا يُراعَى فيه حقُّ المرأةِ والحليمِ والضعيفِ والجارِ، ورأى سيدُنا موسى منعَ الفتاتيْنِ مواشيَهَما فسألهما: ما شأنُكُما؟ {قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أي: إنَّنا اعتدنا ألَّا نسقيَ مواشَيَنا حتى يَنصرفَ الرُّعاة، وأبونا شيخ كبير السنّ لا قُدرةَ له على الرعي والمزاحمة على السقي. إن الفتاتين قامتا بدور أبيهما حينما قعدت به السن ولم يكن له مَن يقوم به، وهكذا تكون رعاية الآباء، والمرأة مسئولةٌ لها دور مجتمعى ينبغى أن تقوم به، والمجتمع مسئول أن يحميها وأن يُوفَّر لها ما يعينها على القيام بمهمتها.

ولما سمع سيدنا موسى منهما هذا سارَعَ إلى معاونتهما ولم يأبَهْ بتعبِ السفر وشدة الجوع ومزاحمة الرجال، وهكذا ينبغى أن تُراعى فى المجتمعات حقوقُ النساء، ومَن يأبَى التكالبَ على الدنيا ويَتحاشَى التصارع على الحقوق، ومَن قعدت به السنّ أو فقد القدرة على ملاحقة حركة الحياة. والذى يهضم حقوقَ هؤلاءِ اليومَ فقد اختار لنفسه ذلك المصير غدًا.

لم يسألْ سيدُنا موسى الفتاتين أجرًا على ما فعَلَ؛ لأنه يَبتغى بالخيرِ وجهَ الله. واتَّجه إلى الظلِّ وقد اشتدّ به الجوع {فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} أي: إنى محتاج إلى أيِّ شيءٍ تُنزله من خزائن كرمك.

فاستجاب الله له؛ إذ رجعت الفتاتان إلى أبيهما مُبَكّرَتَيْنِ على غير العادة، فسألهما الخبرَ فأخبرتاه، فبعث إحداهما إليه؛ لتدعوه إلى أبيها {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}. إن كلمة (استحياء) تدل على المبالغة فى الحياءِ، وكلمة (على) تدل على التمكُّن من هذه الصفةِ، {قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} وهى عبارةٌ تجمع الأدب مع الوضوح والاختصار. وشُكْرُ الناس على معروفهم دِينٌ وخُلُقٌ حسنٌ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَن لا يشكرُ الناسَ لا يشكر اللهَ» (رواه الترمذى وصححه).

رأى نبيُّ الله موسى الأخلاقَ الكريمةَ فى هذا البيت أصولًا وفروعًا، كما أنهم رأوا فيه هذا، قالت إحدى الفتاتين لوالدها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} إنَّها فتاةٌ ناضجةُ الفكرِ، لها قدرةٌ على إدراك معادن الناس، عرضَتْ ذلك على أبيها فى وضوحٍ يدلُّ على ما رُبّيتْ عليه من قوةٍ فى الشخصية، وصدقٍ ومصارحةٍ فى علاقتها مع أبيها، ورأى الأبُ صوابَ رأي ابنتِه، لقد قصَّ عليه سيدُنا موسى أَمْرَهُ، فعَلِم أنه من المصلحين المحسنين، وأنّه ما عانى ما عاناه إلا بسبب مناصرتِه للمظلوم ومناهضتِه للظالم، فهو ذو طبيعةٍ إيجابيةٍ، ومثل هذا جديرٌ بأن يحرصَ الناسُ على مصاهرتِه، ولذا عَرَضَ عليه الشيخُ أَنْ يتزوّجَ إحدى ابنتيه، وهكذا يكون اختيارُ الزوجِ المناسب، واشترط لذلك أن يعملَ عنده فى الرعى ثمانيَ سنواتٍ، فإن أتمها عشرًا فذلك منه على سبيل التفضُّل لا الوجوب، وطَمْأَنَهُ الشيخُ الكبيرُ بأنه لا يريدُ أَنْ يتعبَهُ وأنّه سيجدَهُ حسنَ المعاملة ليّنَ الجانب. وهنا يردُّ موسى ردَّ مَن يُفوّض الأمرَ لله، إنه سيقضى ما قدَّره اللهُ له من الأجلين الثمانية أو العشرة دون أن يكون مطالبًا بالزيادة، ثم أتمها موسى عشر سنوات، وهذا يبين ما ينبغى أن يكون عليه الناس فى تعاملهم من تيسيرٍ فى جانبٍ يقابله وفاءٌ وتفضُّل فى الجانب الآخر.