رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

 

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (الأعراف: 80–82).

استنكر سيدُنا لوطٌ عليه السلام ما كان عليه قومُه منِ ارتكاسٍ وانتكاس، وهل يوجد أفحشُ مِن أن ينحطَّ الإنسانُ عن مرتبةِ الإنسانيَّةِ التى تعنى خلافَةَ اللهِ فى أرضهِ إلى حضيضٍ تَربأُ عنه الفِطَرُ السليمة، والعقولُ الرشيدة؟! أيُّ جُرْمٍ أعظمَ مِن أن يكونَ الإنسانُ مُتقَحّمًا بابَ إثمٍ هو أولُ والجٍ فيه ولم يسبقْه إليه أحدٌ؟

استنكر سيدُنا لوط تلكَ الفاحشةَ الفظيعةَ الشّنيعة، والفاحشةُ ما اشتدَّ قُبحُه فتأَذَّت به الأبصارُ والبصائر، فكان ينبغى أن تأباها إنسانيتُهم، لولا أنّهم مَسخوها فانحطّوا عن مرتبة البهائِم إلى قاعٍ دَنِسٍ خبيثٍ لم تنزلقْ فيه قدمُ بشرٍ مِن قبلُ، حتى تلك الأقدامُ الآثمةُ التى حادتْ عن الصراطِ المستقيمِ! إنَّ مباشرةَ الإثمِ أمرٌ قبيح، وأقبحُ منه اختراعُ صُورِ الآثام! لأنَّ اختراعَها لم ينتجْ إلا عن استرسال وانهماك فى الشهوات.

ثم استمرَّ نبيُّ الله سيدُنا لوطُ فى إيقاظهم بشدَّة، إنّ المتماديَ فى إِثمه وغَيّهِ يحتاجُ إلى تبصيرٍ شديدٍ؛ لأنّ غشاوةِ إثمِهِ تجعلُه كالأعمى الذى لا يُبصرُ الحقائقَ الجليةَ الواضحةَ، فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} لِيذكرَهُم بأنّ المقصدَ من وراءِ شهوةِ النكاحِ بقاءُ النسلِ وعمارةُ الدنيا، وليست الشهوةُ مقصودةً فى ذاتِها، وجَعْلُ الشهوةِ مقصدًا فى ذاتِها يجرفُ الإنسانَ عن المسارِ الصحيحِ، ويَتردَّى به فى قاعٍ سحيقٍ من الإسرافِ لا ينتهى إلَّا بهلاكِه، فما أنتم فيه إسرافٌ ومجاوزةٌ واعتداءٌ {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}، وهو إضافةٌ إلى ذلك جهلٌ ومخالفةٌ من حيثُ إنَّكم جعلتم الوسيلةَ غايةً فضَللتُم، وجعل الوسائلِ غاياتٍ مخالفَةٌ لأمرِ الخالق، ومخالفةُ للسُّنة التى بُنِيَ عليها الكونُ وأُنشئتْ عليها الحياة، ومخالفةُ سُنَن الكونِ والحياةِ هدمٌ لهما ولو بعدَ حين.

استشرى القوم فى شهوتِهم ودناءَتِهم حتى كانوا يرتكبون هذا فيمَن قدِمَ قريتَهم، وجاء الملائكةُ فى صورةِ بشرٍ، فهَمَّ القومُ بهم، وهنا سلكَ سيدُنا لوطٌ عليه السلام سبيلَ الدعوةِ الرشيدة، {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} (هود: 78)، وهذا النداء (يا قومِ) يُبيّنُ خوفَه عليهم، وحرصَه على نجاتهم، وصدقَه فى نصحهم؛ فهم قومُه، كما يُبينُ ما ينبغى أنْ يراعوه من حقوقِ الصِّلة التى بينَهم وبينَه، ثم إنَّ فى النداءِ استدعاءً لحضورِ الذهنِ لينفضَ عنه غشاوةَ الشهوةِ وأغلالها، وهل يؤثّرُ النصحُ فيمَن شردَ ذهنُه؟! إنَّ الدعوة الرشيدة تخاطبُ العقلَ والرُّوحَ، والقلبَ والنفسَ، وتذكّرُ بحقوقِ الله وحقوقِ الخَلق، وتبين الحقائق التى يَعمَى عنها المكبّلون بالشهوات الآثمة.

ثمّ إنَّ الدعوة الرشيدة تُقدّم العلاجَ الصحيحَ الطاهر فى صورتِه المثلى، فواجبُ عالمِ الدِّين أن يوجَّهَ المجتمعَ ومَن بأيديهم الحلّ والعقد إلى الحلولِ العَمَليّة، وهذا لن يتأتى إذا لم ينفتحْ عالمُ الدين على معرفَةِ الواقع، وإدراك معارفه العصرية، حتى يكونَ بصيرًا بزمانه، مُقبلًا على شأنِه.

وليستْ مواجهةُ هذا الفسادِ الذى يبعد الإنسان عن الفطرة السليمة مقصورة على علماءِ الدين وحدَهم، وإنَّما ينبغى أن يُشاركَهم فى مواجهته أهلُ الثقافةِ والفنِّ والإعلامِ والتعليمِ؛ لأنَّ هذا داخلٌ فى حفظِ النفسِ الذى كما هو واجبٌ دينيٌّ هو أيضًا واجبٌ وطَنيٌّ وخُلُقيٌّ وإنسانيٌّ؛ لذا فإن مواجهة دعوات نشر الشذوذ الجنسى (المثلية) فرض على كل أفراد المجتمع.