رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نتعلم من




دعا سيدُنا شعيبٌ عليه السلام قومَه إلى عبادةِ الله وحدَه {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} {هود: 84} ثمّ دعاهم إلى تركِ ما كانوا عليه من فسادٍ فى التعاملِ الماديّ حيثُ كانوا يَستوفُون حقوقَهم إذا اشترَوْا، ويَنقصونَ حقوقَ الناسِ إذا باعوا، وقد توعَّد الله تعالى أصحابَ هذا الفعلِ الذَّمِيم، فقال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} {المطففين: 1 - 3}، فنهاهم نبيُّ الله شعيبٌ عليه السلام عن ذلك {وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}.
ثمّ واصَلَ سيدُنا شعيبٌ عليه السلام نُصحَهُم مرتقيًا بهم فى مدارجِ التهذيبِ، فأمرَهم بإيفاءِ الناسِ حقوقَهم، والتزامِ العدلِ فى المعاملَةِ {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} {هود: 85}، وأنْ يكونَ هذا فى شتَّى أمورِ حياتِهِم وتعامِلهم لا فى الكيلِ والميزانِ فقط {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي: ولا تَسْعَوا فى الأرضِ بالفساد، ومن الإفسادِ فى الكونِ ضياعُ قيمَةِ العدلِ، وأنْ يَستوفيَ المرءُ حقَّه ويَبخسَ الناسَ حقوقَهُم.
إنَّ اللهَ تعالى قد أصلحَ الأرضَ، وأقام الكونَ على العدلِ، وتغيِيبُ قيمَةِ العدلِ إفسادٌ فى الأرضِ بعد أنْ أصلَحَها الله للمعاش {وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {الأعراف: 85}، العدلُ وإيتاءُ الحقوق أطهرُ وأبْقَى فى الحالِ وفى المآل.
ثم قال عليه السلام لهم: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي: عليكم أن تأتوا هذا باختيارِكم وقناعتِكم، فإنَّ صلاحَ المجتمعِ فى أن يكونَ للإنسان قِيَمٌ وأخلاقٌ نابعةٌ مِن نفسِه تُقوّم سلوكَه، وإنْ لم يكُنْ للإنسان وازعٌ ورقيبٌ مِن نفسِه فإنَّه سيتحيّن الفُرَص لأكلِ الحقوقِ وارتكابِ الموبقاتِ، وهذا من أهمّ عناصر الإصلاح الاقتصادى، بل من أهمِّ عناصر الإصلاحِ الاجتماعى فى صورتِهِ الكُبْرى؛ ألَّا تنفكَّ القيمُ والأخلاقُ عن المعاملاتِ، وقد غابَ هذا فى مجتمعِ قومِ سيدِنا شعيبٍ عليه السلام فقالوا: {يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} سَخِروا منه إذْ يَدعوهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَه، وأن يَستقيموا فى معاملاتِهم، وتهكَّموا بذكر صلاته، فهى صورةُ عبادتِهِ المخالفَةِ لعبادتِهِم، إنَّ الصلاةَ عِمادُ الدِّين، وليست الصلاةُ حركاتٍ تُؤدَّى دونَ خشوعٍ وحضورٍ يورثُ الإنسانَ رقيًا وكمالًا وتهذيبًا، إنّ الصلاةَ إذا أُقيمت بِشروطِها وآدابِها تربَأُ بالإنسانِ عن الدَّناءاتِ والفواحشِ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} {العنكبوت: 45}، أمَّا عدمُ استقامةِ السلوكِ مع أداءِ صورةِ الصلاةِ فليسَ من إقامةِ الصلاةِ فى شيءٍ، وإنَّما هو فصلُ بين العبادة والسلوكِ الاجتماعيِّ، وهذا ما كان عليه قومُ سيدِنا شعيب عليه السلام، إنَّهم استنكروا أنْ يَدعوَهم إلى أن يَحكموا معاملاتِهم الاقتصاديةَ والاجتماعيةَ بمبادئِ الدِّين والخُلُق، وقولهم له: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} - والحليم هو ذو العقل، والرشيد هو الحسنُ التدبير- إمَّا قالوه على جهة التهكم، وإمَّا على جهةِ الحقيقةِ بمعنى إنَّ ما تُعرفُ به من العقلِ والرشد كان يقتضى ألَّا تأمرَنا بتركِ ما كان يعبدُ آباؤُنا، وأَلَّا تنهانا عمَّا يُدرُّ علينا ربحًا وفيرًا وخيرًا كثيرًا.
ولم ييأس شعيبٌ من دعوتهم فقال لهم: أخبروني: هل يليقُ بى أن أخالفَ أمر ربّى وقد منحنى بصيرةً تُفرّق بين الحقِّ والباطلِ، وجعلنى نبيًّا، ورزقى منه حلالٌ طيّب؟! {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} {هود: 88} فإنَّ القدوةَ لا بدَّ أنْ يبدأَ بنفسِه {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.