رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} {النمل: 20–22}.

تفقَّدَ سيدُنا سليمانُ عليه السلام حالَ الطيرِ؛ لِيعرفَ حاضرَهم مِن غائبِهم شأن القائدِ بينَ جنودِه والمسئولِ فى مؤسستِه، والأمورُ لا تستقيمُ فى مجتمعٍ لا توجدُ فيه إدارةٌ ورقابةٌ دقيقتانِ حكيمتانِ يَزيدُ بهما الإنتاجُ، ويرتفعُ شأنُ المنتجِ ماديًّا ومعنويًّا، ويُحاسَبُ ذوُو التقصيرِ على تقصيرِهم.

وها هو نبيُّ اللهِ سليمانُ يسألُ أولًا عن سببِ عدَمِ رُؤيتِهِ الْهُدْهُدَ بينَ الطيور، فلمَّا تبيّنَ له أنَّه غاب دونَ إِذنٍ توعَّده بالعذاب أو الذّبح، وذلك وفْقًا لدرجة جُرمِهِ بعدَ التحقيقِ فى شأنه، فالمقصّرُ فيما كُلِّف به يُعاقَبُ؛ لأنَّه عنصرُ هدمٍ وإفساد، وبقاؤُه على حاله تهديدٌ لبقاءِ مجتمعٍ صانعٍ للحضارة، وقد اتَّفقَ العقلاءُ على اختلافِ دياناتِهم وثقافاتِهم على هذا فيما ارتضوه مِن قوانينَ ضابطةٍ لحركةِ الحياةِ وبقائِها مُعَمِّرةً.

وقد حدَّد سيدنا سليمانُ عليه السلام العقوبةَ إذا لم يأتِهِ الْهُدْهُدُ بحجَّةٍ قويَّة تُبرّرُ غيابَه دونَ إذنٍ، فإنْ جاءَ بها صفحَ عنه، فإنَّ العقوباتِ لم توضعْ لتعذيبِ الناس، وإنَّما هى روادعُ كافَّة تضمن الأمنَ والاستقرارَ فى المجتمع، وقد قال سيدُنا عثمان بن عفان رضى اللهُ عنه: إنَّ اللهَ يَزَعُ (أي: يَكفُّ ويَزْجُر) بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن. لأن بعض الناس لا يوجد لديهم وَازِعٌ من دِين أو خُلُق، وإنَّما يحمى المجتمعَ منهم الإدارةُ الحكيمةُ الحازمةُ.

ولم يطُلْ زمنُ غياب الْهُدْهُد، فأتى مُدليًا بعذرِه، إنَّه علِمَ أمرًا لم يصِلْ إلى علمِ نبيِّ الله عليه السلام، فجاءَه بهذا النبأ اليقين الذى ليسَ فيه أدنَى شكٍّ أو ارتيابٍ، وهل يصلُحُ أن يُخاطَبَ مسئولٌ بكلامٍ لا يَتّسمُ بالدقَّة؟! إنَّ الحياة بكل شئونِها من علومٍ ومعارفَ وثقافاتٍ وأخبارٍ... لا بدَّ مِن أنْ تَتّسمَ بالصدْقِ والدقة، وإِلَّا تهاوَى المجتمعُ البشريُّ بأَسْرِهِ. وهل يُتّخذُ قرارٌ صحيحٌ صائبٌ إن كانَ مستند صاحبِه فيه ظنًّا لم يبلغْ درجةَ اليقين؟! وهبْ أنَّ مجتمعًا انتشرتْ فيه الشائعات حتى توارت الحقائق هل تقومُ له قائمةٌ؟!

إنَّ المعلومةَ الصحيحةَ الدقيقةَ عنصرُ قُوّةٍ، والقويُّ هو الذى يَملكُ المعلومةَ الصحيحَةَ، ويملكُ المعرفةَ والعلمَ الدقيقَ الصائبَ النافعَ الملبّيَ لحاجاتِ العصرِ ومُتطلباتِه، ومفهومُ القوةِ فى قول الله عزَّ وجلَّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} {الأنفال: 60} شاملٌ لهذا كلِّه وأكثر، ولذا لم تكن الشائعات يومًا من شأنِ العلماءِ أو الأحرارِ من أبناءِ الوطن؛ لعلمهم أنها تَنْخُرُ فى قُوَى مُجتمعِهِم، إنَّ الشائعات سلاحٌ المغرضين لبلبة الأفكار، وزعزعةِ الاستقرار.

ولهذا نَجدُ أنَّ نبيَّ الله سيدَنا سليمانَ عليه السلام بدأَ بالتأكُّدِ من صدق المعلومة {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} {النمل: 27}، إنَّ التأكدَ من المعلوماتِ قبلَ اعتبارِها وبِناءِ المواقف عليها منهجُ المعصومين من البشَر، ومنهجُ الحكماءِ رؤساءَ ومرؤسين، والحياةُ مواقفُ بعضُها مُرتّبٌ على بعض، ووجود خطأ فى تقدير موقف لعدم الوقوف على اليقين فيه كفيلٌ بأن تُنبى عليه سلسلةٌ من الأخطاءُ لا تَجنى البشريةُ منها إلا أسًى وبؤسًا وخرابًا ودمارًا.

ومنهجُ التأكُّد من المعلومة والتثبُّت من صدقِها منهجٌ إسلامى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} {الحجرات: 6}، وممَّا ينبغى أن نُربّيَ عليه النشءَ أنَّ المعلومات لا بدّ مِن أن تُؤخذ من مصدر موثوق، ولا بدّ أيضًا من التثبُّت من دقتها قبل أن تدخل فى حيّزِ الحقائق المعتبرة فى حياتِنا.

--

 

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق